بعد 17 سنة تقريباً من وصوله إلى ستامفورد بريدج وتغيير الكرة في إنجلترا إلى الأبد، يسيطر رومان أبراموفيتش على سوق الانتقالات مجدداً. دفع تشيلسي 85 مليون باوند للتعاقد مع حكيم زياش وتيمو فيرنر، وكذلك 50 مليون باوند هذا الأسبوع لضم بن تشيلويل من ليستر سيتي. كاي هافيرتز هو القادم المنتظر بصفقة قياسية في تاريخ تشيلسي، وهذا سيجعل إنفاق النادي يتجاوز 200 مليون باوند، بالإضافة إلى أن لامبارد لا يزال يريد التعاقد مع حارس مرمى أساسي بديلاً لكيبا.
وبعكس الاعتقاد الشائع، فإن التزام أبراموفيتش نحو تشيلسي لم يضعف أبداً، رغم أن المشاكل السياسية منعته من حضور مباريات فريقه في ستامفورد بريدج. وآخر الحسابات التي نشرها النادي للسنة التي انتهت في يونيو/حزيران 2019 تشير إلى أن أبراموفيتش دفع 247 مليون باوند من ماله الخاص لتغطية تكاليف النادي. ورغم ذلك، فإنه من المذهل رؤية إنفاق أبراموفيتش في الوقت التي قامت بقية الفرق الكبرى في أوروبا بتأجيل خططها للتعاقدات الكبيرة وتقليل مصروفاتها بسبب تأثيرات كورونا.
أحد وكلاء الأعمال الذين تعاملوا معه يقول: "تشيلسي يستعرضون عضلاتهم، ويؤكدون جديتهم في ذلك". لكن كيف يستطيع البلوز تحمل هذا الإنفاق في الوقت الذي لا يستطيع غيرهم حتى التفكير فيه في ظل هذه الظروف؟
تشيلسي نشروا خسارتهم المالية والتي تجاوزت 101.8 مليون باوند في حساباتهم لموسم 2018/19، وهي الأكبر منذ 2005 حينما كان أبراموفيتش يمول صفقات النادي التي أوصلته للقمة في إنجلترا. قوانين اللعب المالي النظيف تنص على أن الأندية مسموح لها أن تخسر 25.5 مليون باوند في فترة 3 سنوات. وهذا يعني أن أي خسارة كبيرة لتشيلسي في الموسم الماضي (2019/20) قد تجعل موقفهم في التماشي مع القوانين صعباً جداً.
لكن هنالك بعض الأمور التي يجب ملاحظتها، وهي أن تشيلسي ذكر في تلك الوثيقة بأن 115.4 مليون باوند من بيع اللاعبين (هازارد و موراتا) تمت إضافتها للسنة المالية الجديدة. هذا، بالإضافة لإنفاق 40 مليون باوند فقط لضم كوفاسيتش طوال الصيف، سيضمن للنادي أرباحاً كبيرة في آخر الحسابات المقدمة للاتحاد الأوروبي.
جميع الصفقات الجديدة لن تسجل قبل 1 يوليو/تموز، مما يعني بأن صفقات زياش وفيرنر وتشيلويل وهافيرتز ستسجل في حسابات النادي للموسم القادم (2020/21). وهنالك أيضاً حقيقة أن الاتحاد الأوروبي مستعد لتخفيف قوانين اللعب المالي النظيف لهذا الموسم بسبب تأثيرات كورونا.
ثروة أبراموفيتش استقرت نسبياً في 2020 (9.5 مليار باوند بحسب مجلة فوربس، مما يجعله الرقم 152 في قائمة أغنى الأفراد في العالم). وحضوره أعطى تشيلسي مستوى من الأمان الذي لم تحظ به معظم الأندية من ملاكها. ولا يوجد موظف تم تسريحه مؤقتاً أو فصله من تشيلسي، ورغم إجراء المحادثات مع اللاعبين حول تأجيل الرواتب أو التنازل عن نسبة منها، فإنه لم يحدث أي شيء والرواتب استمرت كما هي.
تشيلسي أيضاً بذل قصارى جهده للمساعدة في التصدي لأزمة الصحة العامة في إنجلترا، حيث تم وضع فندقي الميلينيوم وكوبثورن بالقرب من ستامفورد بريدج تحت تصرف موظفي هيئة الخدمات الصحية والاجتماعية وكذلك العاملون في القطاع الطبي، وكذلك تم منح الإذن للجهاز الطبي في النادي لتعزيز القطاع الصحي وتقديم الخدمات معهم إذا أرادوا ذلك.
هذه الأحداث مرتبطة بإنفاق الأموال التي نشاهدها في تشيلسي حالياً بسبب أن هنالك اتهامات بالتناقض الأخلاقي.. أبراموفيتش لم يفصل 55 موظفاً قبل تمويل هذه الصفقات كما فعل آرسنال.
روب ويلسون (خبير مالي) يقول: "رأينا في فترة كورونا أهمية المال اجتماعياً، وكيف تتصرف الأندية عندما يفقد بعض الناس وظائفهم فيها… كانت هنالك ردة فعل عنيفة ضد آرسنال بعد قيامهم بفصل 55 موظفاً وبعدها وقعوا مع ويليان بعقد باهظ الثمن… المجتمعات تتوقع من الأندية تصرفات مسؤولة. لا أقول أبداً بأن تشيلسي فعل هذه الأعمال المجتمعية لكي يُسمح لهم بإنفاق الأموال على التعاقدات، لكن إحدى الفوائد غير المباشرة هي أن لديهم حرية التصرف بذلك الآن، لأن جماهيرهم تريد ذلك أيضاً".
تشيلسي شعر بحرية أكبر في هذه الانتقالات الصيفية من خصومه، الذين يحاولون التقليل من آثار لعب المباريات بدون جمهور أو ربما بجماهير قليلة جداً في المستقبل القريب.
رغم إصرار ليستر على الحصول على مبلغ مقارب لـ80 مليون باوند من بيع تشيلويل، لكنهم شعروا بأنهم مجبرون على التوصل لتسوية بانتقال اللاعب مقابل 50 مليون باوند. لايبزيج أوضح لفيرنر أن دفع الشرط الجزائي (54 مليون باوند) مفيد للنادي رغم خروج ليفربول من السباق لضمه، وهذا ما ساعد بتغيير رأيه بالرحيل إلى تشيلسي.
أبراموفيتش ينفق أموالاً أكثر هذا الصيف، لأنه يعرف أن هذه الأموال في هذه الظروف ستجعله يحصل على أكثر مما سيحصل عليه في السوق العادية، حيث ستتنافس كبار أندية أوروبا على ضم هافيرتز وسيسعى بايرن ليفركوزن للاستفادة من حرب المزايدات. لكن الطريق كان سانحاً لتشيلسي للتوقيع مع أحد أكثر المواهب المطلوبة في أوروبا، وللمرة الأولى منذ ضم إيدين هازارد في 2012.
التحدي الأكبر لمديرة النادي الرياضية مارينا سيكون إيجاد مشترٍ للاعبين الذين لا يرغب لامبارد باستمرارهم مع تشيلسي، وذلك لتقليل الرواتب التي ارتفعت إلى 285.6 مليون باوند في 2018/19، أو ما يعادل 63.9% من إيرادات النادي… وحتى لو نجحت، فمن غير المتوقع أن يحصل تشيلسي على مبالغ مقاربة لتلك التي دفعها لضم اللاعبين هذا الصيف.
عندما يُغلق سوق الانتقالات يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول، فمن المتوقع أن يكون صافي الإنفاق لتشلسي كبيراً… لكن من المهم أن نتذكر أن الأندية نفسها لا تقيس نشاطها في السوق على صافي الإنفاق.
قيمة الإنفاق على أي صفقة جديدة تسجل على طول مدة العقد (وهي عملية تسمى التدريج)، وتُضاف إلى راتب اللاعب السنوي لكي يتم حساب التكلفة في سجلات النادي.. على سبيل المثال، صفقة فيرنر لن تسجل كتكلفة بـ54 مليون باوند، بل ستحسب هذه القيمة على مدة عقده مع تشيلسي (5 سنوات)..ولذا فإن 10.8 مليون باوند + راتبه (8.84 مليون باوند) = 19.64 مليون باوند، وهذه هي تكلفة فيرنر السنوية.
وبهذه الطريقة، فإن معظم الأندية تجنب نفسها الخسائر التي تضرها في قوانين اللعب المالي النظيف. وفي عملية البيع، الحسابات مختلفة، حيث إنه ليس من الضروري أن قيمة المباعين تفوق قيمة تعاقدات النادي لتسجيل الأرباح.
روب ويلسون: "إنها خدعة حسابية أنيقة، لكنها الطريقة الصحيحة لفعل ذلك. الأندية تسجل التكلفة على طول مدة العقد، وأيضاً تراهم يسعون لتمديد العقد بعد سنتين أو ثلاث لكي يسمح لهم بتسجيل التكلفة على مدة أطول، وهذا يجعلهم قادرين بشكل أكبر على تحمل هذه التكاليف المالية".
زياش وفيرنر وتشيلويل وهافيرتز، جميعهم صفقات للمدى الطويل ووافق عليها فرانك لامبارد.. والأمل أن يساعد تأثيرهم جماعياً في تقليل الفجوة مع ليفربول ومان سيتي، أو على الأقل إبعاد الفريق عن بقية الخصوم الذين لا يستطيعون متابعة طموحاتهم في دوري الأبطال بنفس الرغبة في الإنفاق الموجودة في تشيلسي.
أبراموفيتش وتشيلسي
يقول ويلسون: "من الخطأ أن نقول بأن أندية البريميرليغ لا تستطيع تحمل القيام بالصفقات هذا الصيف، لأنهم بالتأكيد يستطيعون ذلك… لكنهم اختاروا التفكير في النماذج المالية لمستقبل أنديتهم، ولذلك نرى إنفاقهم للأموال أقل من السابق، وتشيلسي فعلوا العكس، ووقعوا مع النجوم وقالوا بأن هؤلاء اللاعبين سيبقون معنا في السنوات الثلاث أو الأربع القادمة، ونستطيع إكمال بناء الفريق… وقد تتوقع بأن تشيلسي سينفق أموالاً أقل في السنوات القادمة لتعويض ما أنفقوه هذا الصيف… إنها فقط استراتيجية مختلفة عن بقية الأندية".
يكمل ويلسون: "الأندية الستة الكبار تبدو متقشفة هذا الصيف، ولذا فإن أي فريق ينفق الأموال سيسبق البقية… معظم صفقات تشيلسي تمت بعد ضمان التأهل لدوري الأبطال، وهذا يعني حصولهم على 100 مليون باوند إضافية من حقوق البث والتسويق إذا وصل الفريق إلى أدوار متقدمة… 100 مليون باوند أكثر من خصومهم الذين لم يتأهلوا لدوري الأبطال… وإذا لم تنفق الأندية التي لم تتأهل لدوري الأبطال، فقد نرى ثبات الأربعة الأوائل ويتحول الستة الكبار إلى الأربعة الكبار".
الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها تشيلسي تقليل الفجوة مع ليفربول ومان سيتي هي إنفاق الأموال، وإلّا سيكون الفريق خاسراً ويتطلع في أفضل الأحوال إلى التأهل للبطولات الأوروبية.. بايرن ميونيخ أظهر لتشيلسي كم يحتاج للحاق بالبقية في مسابقة كبيرة مثل دوري الأبطال… كل ذلك بالأساس كان يعتمد على رغبة أبراموفيتش بالإنفاق، وكل ما شاهدناه هذا الصيف يؤكد أن التزامه تجاه تشلسي لم يتغير أبداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.