مجنون، عبقري، جريء.. كيف أعاد هانزي فليك أمجاد بايرن ميونيخ؟

عدد القراءات
1,795
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/25 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/25 الساعة 14:23 بتوقيت غرينتش

نجح بايرن ميونيخ في الحصول على دوري الأبطال للمرة السادسة في تاريخه، بقيادة المدرب الجريء هانز فليك، وبقيادة مشروع مدروس مستمر منذ 3 أعوام من حسن صالح حميديتش المدير الرياضي الحالي للفريق. قد نتفق أو نختلف مع عديد القرارات التي اتخذها الأخير، كتأخير عملية التعاقدات أو الرقم الفلكي الذي دفع صفقة لوكاس هيرنانديز، لكن كل ذلك في كفة، وما فعله للفريق في كفة أخرى، وهي الأرجح بلا شك.

تشكيل بايرن ميونيخ الحالي مميز، كعناصر بجودة عالية وكمجموعة متماسكة تكتيكياً، كما لم يكلفوا خزينة النادي الكثير من الأموال. حتى إن التشكيلة الأساسية التي بدأت نهائي دوري أبطال أوروبا ضد باريس سان جيرمان تكلفتها 90.1 مليون يورو، بينما "سكواد" بايرن ميونيخ بأكمله كلف النادي 330 مليون يورو (أقل مما كلفه ثلاثي باريس سان جيرمان الهجومي)، وهو أقل من جميع الفرق التي شاركت في دور ربع نهائي دوري أبطال أوروبا عدا ليون وأتالانتا.

نصف عبقري ونصف مجنون

كان لابد من تلك المقدمة لإعطاء كل ذي حقٍّ حقه، لكن كل ذلك لم يكن ليحدث لولا وجود المجنون والجريء والعبقري، هانزي فليك. واجتماع تلك الصفات الثلاث معضلة ليست بالبسيطة، لأنها تحتاج للفاعلية المطلقة، مع بعض التوفيق في أحيانٍ كثيرة، والكثير من الالتزام في أحيانٍ أخرى.

كتب المحلل الرياضي الفذ جون مولر قبل المباراة أن هانزي فليك يعلم جيداً سرعات مبابي، ويدرك مهارات نيمار والوعي التكتيكي الكبير لدي ماريا، وأنه بالفعل يدرك جيداً ما فعله ليون بخط دفاع فريقه العالي.

بعد مباراة نصف النهائي التي تغلب فيها هانزي فليك على رودي غارسيا بثلاثية نظيفة، خرج مدرب البافاري يعتذر للصحفيين وكأنه لم يتفوق على آخر 3 منافسين في الأدوار الإقصائية بنتيجة كلية 15-3، قال: "لقد رأينا فريقاً يعمل بجد، بتكتيكات مختلفة حسب مجريات المباراة، لقد سببوا لنا الكثير من الأضرار مراراً، ولكننا كنا محظوظين للتغلب على الأوقات العصيبة في بداية المباراة".

قبل المباراة النهائية، اتفق عالم كرة القدم بأسره أن على فليك تعميق خط دفاعه أكثر في مناطق الرقابة ضد مبابي ونيمار ودي ماريا، لوثار ماتيوس والكاتب الرياضي مايكل كوكس اتفقا على ضرورة تراجع خط دفاع بايرن ميونيخ مساحة 10-15 متراً أمام خط هجوم باريس، لكن كنوع من المفاجأة والمخاطرة ومساندة الأسلوب الهجومي لبايرن، لعب فليك بخط دفاع متقدم على الدائرة.

أماكن استرجاع بايرن ميونيخ للكرة في وسط ملعب الخصم

لكن لا يمكن لبايرن ميونيخ اللعب بهذا الأسلوب الهجومي الكاسح، الذي جعلهم أول فريق يفوز بكل مبارياته في البطولة، لولا تقدم قلبي الدفاع قليلاً لأعماق الملعب. وذلك ليمررا الكرة في داخل الملعب أو خارجه على الأطراف لتوسيع المساحات بأكبر قدر على الخصم وضمان الاستحواذ على الكرة.
إذ أسفرت إحصائيات شركة أوبتا المتخصصة عن نتيجة مفادها أن فقط برشلونة ومانشستر سيتي كانا أكثر حيازة على الكرة من بايرن ميونيخ، وفقط ليفربول وسيتي كانا الأكثر تمريراً من بايرن ميونيخ.

للتوضيح بشكل أكبر، لعب بايرن ميونيخ بخطته الاعتيادية 4-2-3-1، بنفس العناصر عدا كومان بدلاً من بريزيتش، في حين أن توخيل بدأ بـ4-3-3 الاعتيادية أيضاً، بلا رأس حربة صريح، وبمرونة ولا مركزية بين لاعبيه في خط الهجوم لتشتيت الرقابة لدفاع البافاري.

هانزي فليك كان يفهم ذلك، لذا لم يفضل البدء بالشكل الدفاعي الذي اقترحه المحللون؛ أمام باريس سان جيرمان احتاج بايرن ميونيخ دائماً أن يستحوذ دافيز على الكرة على اليسار ويسحب معه دي ماريا بعيداً عن الشراكة الهجومية مع نيمار ومبابي لعزله. وطالما أن دفاع بايرن ميونيخ متقدم، سيتمكن تياغو ألكانتارا من أن يلعب دوراً مرناً في هندسة الهجمات في المقدمة، وهذا ما فعله أمام خط وسط قوي بدنياً مثل هيريرا وماركينيوس وباريديس.

الاستحواذ الهجومي لبايرن ميونيخ لا يعتمد على التمرير الدقيق أو الاستحواذ بشكل كبير، ولا حتى على التحولات والهجمات المرتدة، بل على اللعب المباشر بعد قطع الكرات بالضغط العكسي في أي منطقة يتواجد بها حامل الكرة من الخصم، ومن ثم تحرك لاعبي بايرن ميونيخ للأمام بدون كرة. هذا ما فعله غنابري مع بيرنات وكرره كومان مع كيرير. لذا كان دور ليفاندوفسكي هو السقوط بشكل أكبر لفَك العمق الدفاعي المغلق من باريس سان جيرمان، ومن ثم إتاحة المساحة في الأمام من الأطراف، من كيميتش وديفيز، بتمركز لاعبي بايرن ميونيخ بوضع 2 ضد 1 مع مدافعي باريس في المنطقة، لإتاحة أكبر من زاوية تمرير وخطورة لحامل الكرة من البافاري، ولتشتيت الرقابة الدفاعية للخصم.

في المقابل، كان ذلك جنوناً بنفس قدر العبقرية من هانزي فليك، بل إن باريس سان جيرمان لعب شوطاً أول مثالياً بقيادة توخيل، بالاعتماد على التحولات الهجومية كمجموعة واحدة، وبالغلق الدفاعي كمجموعة واحدة. حاول توخيل استغلال المساحات بإرسال الكرات طولياً من أي منطقة لمبابي في المساحة، وبعدم إنهاك دي ماريا في التغطية العكسية، بتثبيت كيرير أمام ديفيز وكومان، والذي لعب مباراة رائعة وصلبة أمام الطائرين الهجوميين.

كل ذلك جيداً، وكان هيريرا كان نجم الشوط الأول بلا منازع؛ أول من يضغط بعد تكوين خطي ضغط خلف الخطوط الهجومية لبايرن ميونيخ، أول من يفتك الكرات، أول من يضرب الخطوط الدفاعية بالتحرك بدون كرة. كانت قوة باريس سان جيرمان في الضغط على الجبهة اليسرى لبايرن ميونيخ، لذا فقد البافاري 40 كرة في شوط وحيد، معظمها كانت جهة ألفونسو ديفيز وكومان على اليسار، بتواجد هيريرا كرجل رقابة (Man Line) مع الكندي والفرنسي.

وبالفعل وصل باريس لمرمى نوير، سدد كثيراً، وأهدر مبابي أكثر. حتى ظهر تياغو ألكانتارا كلمة السر (مع العملاق نوير)، مع أسلوب فليك المنظم في الافتكاك والضغط العكسي والاستحواذ المباشر، ألكانتارا كان أول من يفتك الكرة من طرف بايرن ميونيخ، لكنه أيضاً كان أول من يبدأ الهجمة، للدقة كان هو مهندس كل الهجمات البافارية والعقل المدبر لها.

كلمة أخيرة 

دموع نيمار على لقب كان قريباً

مشروع ناصر الخليفي أصبح ناجحاً بالوصول إلى النهائي، تلك خطوة مهمة جداً لفريق لم يعتد البطولات الأوروبية بعد. وانطلاقاً من هذه اللحظة، هناك فكرة واحدة سيتردد صداها في الأرجاء الباريسية، ألا وهي "الوصول لنهائي دوري الأبطال ليس الهدف الوحيد!".

المصادر

  1. مقال جون مولر عن المباراة قبل أن تلعب
  2. مقال مايكل كوكس في ذا أثليتيك
  3. تحليل نيك رايت في سكاي سبورت

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد حبيب
كاتب رياضي
كاتب رياضي
تحميل المزيد