صمت مخيف ومقلق ينتهجه ليونيل ميسي ومحيطه حول مستقبله مع برشلونة، بعد "الموسم الصفري" الأول للفريق منذ موسم 2007/2008، ووسط زلزال يعرفه البيت الكاتالوني أطاح بالمدرب والمدير الرياضي ووضع ثلاثة أرباع قائمة الفريق على لائحة السوق الصيفي لتوفير سيولة تمنح للربان الجديد حق اختيار انتداباته الجديدة.
أزمة برشلونة وصلت إلى طريق مسدود، وتفجرت الأزمات المتراكمة في 90 دقيقة تلقت فيها شباك الفريق 8 أهداف مع الرأفة بأقدام كبير بافاريا، والذي لقن البلوغرانا درساً آتى ثماره بتغيير شامل، بدأت ملامحه بإقالة المدرب كيكي سيتيين والمدير الرياضي إيريك أبيدال ويطمح الجمهور لأن تكتمل باستقالة بارتوميو أو خسارته للانتخابات القادمة في شهر مارس/آذار.
غياب ميسي عن التصريحات والتغريدات سيحرك، بلا شك، أموال مانشستر سيتي وإنتر ميلان، وربما باريس سان جيرمان، في اتجاهه، وسيحفز طموحات كبار أوروبا لضمه في انتظار صدور قراره النهائي، علماً أنه متاح بدءاً من يناير/كانون الثاني المقبل ويحق له الرحيل بشكل مجاني في صيف 2021. من جهته، يراقب ليو ميسي الوضع ويترقب مشروعاً رياضياً حقيقياً يخرج الفريق من الأزمة الراهنة، بخلاف نهج الترقيع الذي انتهجته الإدارة في المواسم الماضية، والتي جنى معها الفريق هزيمة مذلة في جميع المسابقات، بقائمة هشة ومعدل أعمار مرتفع ومدربين بلا صلاحيات. حيث إن بارتوميو وأبيدال يعقدان صفقات البيع والشراء، ويشاهدها فالفيردي وسيتيين على النشرات.
ميسي وسط هذه الأحداث كان "بطلاً متهماً"، بلغة الأرقام يحمل تاريخ الفريق بين أقدامه، وبعد كل هزيمة هو متهم بالتحكم والتدخل في شؤون اختيار المدربين وإبرام الصفقات، وكذلك الإبقاء على أسماء "فقدت بريقها" ولم يتبقَّ لها غير "صداقتها للبرغوث"، وهو ما نفاه ميسي في أكثر من مرة، بعد أن لاحقته الأقاويل في الفريق والمنتخب بعد كل انكسار.
ميسي ساهم في ما يقارب 8% من أهداف برشلونة منذ تأسيس الفريق سنة 1899، كما حقق 34 لقباً من أصل 91 في تاريخ البلوغرانا، أي ما يفوق الثلث. غير أن تلك الأرقام تطارده كتهمة في حقه، فقد ساهم بذلك في إخفاء عيوب زملائه خصوصاً بعد رحيل تشافي وإنييستا وتراجع مستوى بوسكيتس وبيكيه، فهو يسجل 6 أهداف كل 7 مباريات، ويصنع هدفاً كل 3 مباريات، وهي وظائف تفوق طاقة عمره الحالي، أمام تجاهل من إدارة الفريق لمعالجة الوضع، فصار البرغوث "عجوزاً" عبئاً كلما بدا أن الـ11 لاعباً لا يملكون حلولاً، بل حتى إن سجلت الأهداف بأخطاء المدافعين أو الحارس، وهو موقف مشابه لما يواجهه رفقة منتخب بلاده.
بين 2014 و2020، خسر ميسي 6 ألقاب في عصبة الأبطال بسيناريوهات اختلفت تفاصيلها، واتفقت على افتقاد الفريق لردة فعل أمام الخصم، فتأخر أمام اليوفي بـ3 أهداف ولم يصل للشباك الإيطالية في 180 دقيقة، وتقدم أمام روما بـ4 مقابل 1 وأمام ليفربول بـ3 مقابل 0، وأمام الفريقين وبعد أول هدف في مرمى تير شتيغن ساد التيه وغابت الشخصية في الميدان واختل التوازن وافتقدت الحلول وانهار الفريق، واتهم ميسي بأن أداءه لم يكن "خارقا".
رحيل نيمار
صداقة ميسي ونيمار، شكلت ثلاثياً خارقاً إلى جانب سواريز، غير أن صفقة رحيل البرازيلي كانت لها تداعيات أكثر مما توقعه أغلب المتشائمين، وأمام هذا الوضع اتجهت إدارة الفريق لصرف ما يقارب 400 مليون يورو في استقدام كوتينيو وديمبيلي وغريزمان. وفي الوضع الحالي يستعد بارتوميو للاستماع إلى أي عرض يصل إليهم، وتأكد بالملموس أن ثورة ميسي ضد أبيدال بعد الخروج من السوبر الإسباني تخبئ خلفها سخطاً حقيقياً يشغل الأسطورة. لكن قد يتغير موقفه بإجراءات تغيير جذري داخل الفريق، وقد يتحول إلى رغبة في الرحيل ما لم تتضح معالم مشروع يعيد لبرشلونة الهيبة الأوروبية التي توالى على سحقها أتلتيكو مدريد وروما ويوفنتوس وليفربول، ودق بايرن ميونيخ المسمار الأخير في نعشها.
معضلة ميسي
وظائف ميسي داخل الملعب ورؤيته وقدرته على قراءة الخصم ودهاؤه التكتيكي، هي إيجابيات متعبة للمدير الفني رغم أن كل المديرين يتمنون تواجده في تشكيلتهم، كما أنها تصعب من مهمة أي نجم يتمركز إلى جانبه، وارتباطاً بذلك ظهر مصطلح "ظل ميسي". واعتبر المراقبون أن خروج إبراهيموفيتش وإيتو وفيا ونيمار وكوتينيو يرجع إلى صعوبة نجاحهم في تأدية مهام موكولة إلى ميسي. ولعل المبرر الحقيقي هو أن المدربين لم يبذلوا جهداً أكبر لتحديد اختيارات الميركاتو من أجل إحضار من يساعد ميسي في مهماته، ولم يستطع أي ممن توالوا على الفريق بعد غوارديولا من أن يحددوا تحركاته التي أتعبت زملاءه وخصومه، وحتى مدربو الأرجنتين كانوا يبررون تغييب ديبالا في السنوات الأخيرة بأنه لا يصلح للعب مع ميسي في خطة واحدة، قبل أن يثبت العكس في النسخة الأخيرة من كوبا أمريكا.
ميسي يستطيع الركض من منتصف الملعب ومراوغة الجميع وتسجيل هدف أو صنع فرصة سانحة، وبهذا يستحيل تصنيفه وفق قالب تكتيكي أكاديمي، وفي نفس الوقت لا يمكن أن يفعلها في كل مباراة، وبذلك يتضح أن تواجد إنييستا وتشافي بجانبه كانا عاملين محددين لنتائج المباريات وتحقيق الألقاب، ليس تنقيصاً من إمكانيات ليو، ولكن لتبيان نوعية اللاعبين الذين يمكن أن يشكلوا دافعاً محركاً للبرغوث، وظلت نجاعة أسطورتي وسط الميدان الإسباني لعنة تلاحق كل من لعب إلى جانب النجم الأرجنتيني.
ميسي بدأ مشواره في برشلونة، وخلال مسيرته كافأ الفريق على عطاءاته العلاجية، غير أنه لم يستبعد تغيير الألوان ولم يسبق له الجزم بأن نهايته الكروية ستكون في عاصمة إقليم كاتالونيا، مع تكراره لمقولة "الجسد لا يرحم، ومع مرور الوقت يصبح الأمر أكثر صعوبة"، يرى متابعون أن قراره الحالي سيكون بين خيارين "إما الرحيل الآن أو الاعتزال بالأزرق والأحمر"، وأمام كل هذه الاحتمالات يترقب السيتي والإنتر بشغف تأكيد نبأ سعي الأسطورة الأرجنتينية لخوض تحد جديد.
ميسي "المدلل"، يحصل على الراتب الأعلى بين لاعبي المستديرة ويدفع النسبة الأدنى من الضرائب بين لاعبي الدوريات الأوروبية الكبرى، وجدد عقده مع الفريق في 9 مرات شهدت كل مرحلة منها تعديلاً في البنود إلى أن وصل شرطه الجزائي إلى 700 مليون يورو، مبلغ لا يمكن لأي فريق في العالم دفعه لكن قرار ميسي سيكون حاسماً، فبرشلونة لن يقبل بتواجده "سجيناً" وقد يرضى بتلقي قيمة تفوق بقليل وزنه في السوق والبالغ 120 مليون يورو مع أنباء عن عرض إيطالي بقيمة 235 مليون يورو.
هل الرحيل هو الحل؟
قد يكون رحيل ميسي عن برشلونة خطوة إيجابية للفريق، للتركيز على تشكيل فريق يعود لمنصات التتويج بجماعية أسمائه. لكن مكانة الأرجنتيني ستظل محفوظة بأرقامه الأسطورية ومقاطع مهاراته الفردية، ومعها ستمحى ذكريات الأزمات التي تزامنت مع عهده، باستثناء ثمانية البايرن، فتعويض لاعب خارق بهذه الإمكانيات ليس تحدياً أمام الفريق الكاتالوني فقط. بل إن كرة القدم قد تحتاج عقوداً ليتكرر في تاريخها لاعب مثله، وسواء قرر البقاء أو الرحيل فإن موعد نهاية قصته مع الكرة يقترب وبشدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.