خطاب من المدرسة للأم، مدوّن به استغناء عن الطفل لمستواه الدراسي المتدني وتخلفه عن ركب زملائه. تخفي الأم الجواب عن ابنها، وتخبره بالخبر الصادم بأفضل طريقة ممكنة: لفرط ذكائك يا توماس، ليس لك حاجة بالذهاب إلى المدرسة. انكبت الأم على صغيرها بالرعاية والحنان، فأخذت تعلمه القراءة والكتابة والعلوم، وعندما بلغ 11 عاماً كان قد درس تاريخ العالم نيوتن والتاريخ الأمريكي وروايات شكسبير وغيرها. لم تكن رحلة توماس ألفا إديسون نحو الخلود سهلة البتة. اضطر الفتى لبيع الجرائد في محطات السكة الحديدية لجني المال وتوفير الطعام. كما كان يعاني توماس من ضعف بالغ في السمع، جعله قليل الأصدقاء وكان أحد أسباب طرده من المدرسة. في النهاية، شق توماس إديسون طريقه العلمي بيده، وكافح كثيراً، حتى وصل إلى ما يستحق من مكانة.
تذكرني قصة توماس إديسون بقصة فتى نحيل، اسمه جيمي، في عمر الـ١٦ استغنى عنه ناديه، نظراً لضعف بنيته الجسدية وقلة مهاراته. بذلك الاستغناء أصبحت كرة القدم من أبغض الأشياء في حياته، كره اللعبة وأقسم ألا يعود لها مرة أخرى مهما حدث. خرج من الملعب صوب ذهب المصنع، قرر أنه سيحاول إنقاذ مستقبله بعدما فشل رهانه على نجاح قدميه. في المصنع المنتج لألياف الكربون، كان يعمل تحديداً في صناعة الجبائر لذوي الاحتياجات الخاصة. عمل مرهق لفتى هزيل، يحمل الجبر والمستلزمات الثقيلة على كتفيه ويصعد الطابق تلو الطابق، ثم يكرر ويعيد الكرة مرات ومرات حتى ينتهي دوام العمل أو تنتهي طاقته، أيهما أولاً.
صحيح أنه أقسم على عدم العودة لركل الكرة، لكن كرة القدم سحر، إذا مسك مرة لا مفر منه.
في مدينة ميلان بولاية أوهايو، طلب إديسون من والدته أن يحول جزء من المنزل لمعمل يجري فيه الاختبارات، حسناً لا حاجة له للمدرسة، سيصنع هو مدرسته الخاصة، المعلمون هم أخطاؤه، ومديرتها أمه. تقول الأسطورة، في يوم من الأيام كانت ستجري أم توماس إديسون عملية جراحية في الليل، لكن الطبيب قرر تنفيذ العملية صباح اليوم التالي لعدم وجود إضاءة، وظلت أمه تتألم وتتلوى طيلة الليل، بينما ينظر توماس في الظلام ويستمع لعذاب أمه من شدة الألم. ومنذ تلك الليلة، فكر أنه لابد من حل لتلك المشكلة، بالتأكيد هناك حل لإزاحة الظلام ونشر، ومن هنا بدأت رحلة التفكير في اختراع المصباح الكهربائي. وسواء كان ذلك السبب أم لا، فكلنا مدينون لتوماس إديسون.
في معمله فشل إديسون ثم فشل، 1000 تجربة خاطئة، أرقام قياسية في الإحباط والسقوط، حتى أن المعمل احترق منه عديد المرات. لكن عندما احترق المختبر، احترقت معه كل الأخطاء والهفوات والسقطات، ليبدأ في ارتكاب أخطاء جديدة تقوده نحو أفكار عظيمة.
في نهاية المطاف صنع إديسون المصباح وأنار للبشرية لياليها، من طفل محدود الذكاء، ضعيف السمع، لصاحب أكثر براءات اختراع في التاريخ.
في المقابل، لم يكمل جيمي فاردي مسيرته في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، ترك العمل في المصنع ورجع لهواه القديم، لكن تلك المرة في القاع، في دوريات الدرجات السحيقة، لعب هناك لسنوات عديدة بمقابل مادي لا يذكر. لكن القدر قرر أن يكافأه على عزمه وإصراره، لينقله من أزقة إنجلترا إلى ويمبلي.
وصل فاردي لمراده، غرد وحلق في سماء البريميرليغ منفرداً، ذاق من شباك كبار القوم هنا وهناك، دوّن أرقاماً قياسية، وحفر اسمه في تاريخ الكرة الإنجليزية بقصة كفاحه التي يرفع لها القبعة. من عامل في مصنع ولاعب هاوٍ إلى أكبر هدافي البريميرليغ سناً. وأول وآخر لاعب يسجل في 11 مباراة على التوالي. في سن الـ33، تفوّق على أوباميانغ، ستيرلنغ، وصلاح، وكلهم يلعبون في فرق أفضل من ليستر سيتي وكلهم أصغر منه سناً، بعدما حصد جائزة هداف البريميرليغ بتسجيله 23 هدفاً. يقول جيمي فاردي: "أنا شخص وجدت فرصته في آخر العمر، هناك الآلاف من فاردي في المدرجات، أنا على يقين بذلك".
محظوظون صُناع السينما حول العالم، إذ لديهم مادة دسمة مثل حياة فاردي تصلح أن تكون فيلماً سينمائياً عظيماً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.