قلقٌ عارمٌ سيطر على مشجعي ليفربول، مثلما سيطر على قائدهم الألماني يورغن كلوب، بعد الجدل حول إلغاء الموسم الكروي في إنجلترا، إثر تفشّي فيروس كورونا ووجود أصواتٍ داخل أندية الدوري الممتاز تنادي بالحفاظ على الصحة العامة عبر إلغاء المسابقة، التي تنتظرها جماهير الريدز منذ 3 عقود كاملة!
في النهاية لم تتمكن هذه الأصوات من فرض إرادتها على أندية الدوري، التي قرّرت متابعة المسابقة ليحرز ليفربول لقبه التاسع عشر من بطولة الدوري والأول بمسمى الدوري الممتاز، ليلة أمس، بعد سقوط مانشستر سيتي أمام تشيلسي لامبارد.
لم يسر.. رغم أنه لم يكن وحيداً!
منذ الأسطورة كيني دالغليش فشل كلّ مدربي الريدز عبر العقود الثلاثة الماضية في انتزاع لقب الدوري، ومن بين هؤلاء أساطير كالفرنسي جيرار هولييه، والإسباني رافائيل بينيتيز -رغم أنه أحرز لقب دوري أبطال أوروبا مع الفريق- ودالغليش نفسه في تجربةٍ أخرى لم تكلل بالنجاح. فيما كان برندن روجرز أقرب هؤلاء لانتزاع اللقب قبل سقوط ستيفن جيرارد الدرامي أمام تشيلسي بالذات، وضياع مجهودات لويس سواريز الاستثنائية في موسم 2014.
بالإضافة لهؤلاء المدربين، فقد امتلك الريدز عدداً هائلاً من النجوم على مدى عقود العزلة "المحلية" الثلاثة الماضية، على غرار ستيف ماكمانمان وجيمي ريدناب والهداف روبي فاولر والفتى الذهبي مايكل أوين، بالإضافة للقائد التاريخي ستيفن جيرارد ومساعده جيمي كاراغر من الإنجليز، ناهيك عن التشيكي باتريك بيرغر والفنلندي سامي هيبيا والنرويجي جون أرني ريسه والحارس البولندي يرزي دوديك والإسباني تشابي ألونسو وفرناندو توريس ولويس غارسيا وبيبي رينا والأورغوياني لويس سواريز والبرازيلي فيليبي كوتينيو، وغيرهم الكثير من النجوم، الذين لم يتمكنوا من محاكاة إنجاز جوردان هندرسون ورفاقه.
موسم استثنائي
رغم تحقيق ليفربول للقبين في دوري الأبطال ولعددٍ من الألقاب المحلية الأخرى، فإنّ حلم جماهير ليفربول في إحراز لقب الدوري بقي عصيّ المنال، وهو ما دفع إدارة الريدز لاستقطاب الألماني يورغن كلوب، في محاولةٍ لتكرار إنجازاته مع بوروسيا دورتموند، حيث استطاع كسر احتكار بايرن ميونخ للقب الدوري الألماني، خصوصاً في ظلّ أفول مانشستر يونايتد بعد اعتزال الأسطورة أليكس فيرغسون، وصعود مانشستر سيتي بعد الاستثمارات الإماراتية الطائلة في الفريق، الذي يقوده الإسباني جوسيب غوارديولا.
وصول كلوب غيّر الكثير في ليفربول، الذي أصبح فريقاً ديناميكياً ممتعاً مع اعتماد نهجٍ هجومي مميزٍ ومفعمٍ بالحيوية أدخله كلوب إليه، خصوصاً عبر الثلاثي الجهنمي: صلاح-ماني-فيرمينو، الذين تكفّلوا بأداء المهام الهجومية بكل اقتدارٍ، فيما يقوم فيرجيل فان دايك ومن خلفه البرازيلي اليسون بدور حائط الصدّ، الذي يوفر النجاعة الدفاعية اللازمة للفريق، مع انطلاقاتٍ متفجّرةٍ على الأطراف من الكسندر آرنولد واندي روبرتسون، في ظل تغطية فاينالدوم وهندرسون وفابينيو في قلب الوسط.
صحيحٌ أنّ جوردان هندرسون لا يقارن بقدرات قائدٍ عملاقٍ كستيفن جيرارد، لكنّه يقوم بالمطلوب مع فريق يورغن كلوب الحالي، حيث يختفي بعض اللاعبين أحياناً، ليفجّروا قدراتهم في الوقت اللازم، بفعل حنكة وتعليمات كلوب العبقرية، كما شاهدنا البلجيكي ديفوك أوريغي في نصف ونهائي دوري الأبطال الموسم الماضي مثلاً، أو مثلما يفعل جيمس ميلنر وحتى السويسري شكيري أحياناً.
استفاد كلوب واستفاد الريدز هذا الموسم من هفوات فريق غوارديولا وتذبذب مستواه، لكنّ ليفربول استحقّ عن اقتدارٍ التغريد المنفرد بصدارة الدوري، التي استطاع السير فيها وحيداً-بالمعنى الإيجابي هنا- في ظل تواضع مستوى فرقٍ كمانشستر يونايتد وتوتنهام وآرسنال، ومحدودية قدرة تشيلسي والمجتهد ليستر سيتي "مع برندن روجرز بالتحديد" على الذهاب بعيداً في المنافسة.
أرنولد.. لاعب الوسط الأفضل في تكتيك كلوب
"لكن أرنولد ظهير أيمن وليس لاعب وسط!"، بالتأكيد هذا سيكون أول تعليق عند قراءة هذا العنوان، وبالتأكيد لا اختلاف مع أصحاب هذه المقولة لأنها حقيقية 100%. لكن المتابع الجيد لمسيرة أرنولد مع ليفربول منذ بداياته، سيدرك فوراً الدور التكتيكي المركب الذي يقوم به هذا اللاعب في خطط مدربه يورغن كلوب، حيث يتواجد في الملعب كظهير أيمن صريح، لكنه يقوم بأدوار أخرى في الصناعة والحيازة والتمرير، تشبه ما يفعله أعتى لاعبي خط الوسط بالبريميرليغ آخر عامين.
تخبرناً إحصاءات التقرير الفني لبطولة دوري أبطال أوروبا بالموسم الماضي، أن نحو 26% من أهداف الشامبيونزليغ جاءت عن طريق العرضيات واللعب الطرفي، مع 94 هدفاً في البطولة بواسطة لاعبي الأطراف، سواء أظهرة أو أجنحة. لقد صار اللعب مباشراً بشكل أكثر، بفضل أمثال روبرتسون وأرنولد.
زادت قيمة الأظهرة في الكرة الحديثة يوماً بعد يوم، نتيجة لميل المدافعين إلى اللعب بالكرة وتفضيل لاعبي الوسط سلاح التحولات ومشتقاته. لقد صار اللعب الهجومي قائماً على استراتيجية الكرات القطرية، رفقة الاختراق العمودي من الخلف إلى منطقة الجزاء.
وبالتركيز على توحش غول الضغط على لاعبي الوسط، وتركيز المدافعين على تحركات لاعبي الهجوم وأماكن تواجدهم، باتت الحاجة ملحة إلى استغلال الأطراف. ولأن العمق سهل غلقه وصعب اختراقه، فإن الحل يكمن في صعود الأظهرة إلى الثلث الهجومي الأخير.
أرنولد.. 2 في 1
تمريرات أرنولد القطرية فتحت الطريق أمام سيل من الهجمات بالنسبة للريدز، كذلك انطلاقاته بالكرة ومن دونها على الخط. تشعر عندما تشاهده وكأنك في حضرة جناح حقيقي على الطرف، خصوصاً أن صلاح يلعب كثيراً في الداخل، لذلك يقوم هندرسون بالتغطية في أنصاف المسافات، ويترك المجال لزميله من أجل شن الهجمات وخلق الفرص بكثافة.
خرجت إحصائية مصدرها "سكاي سبورتس" في نهاية عام 2019، أفضل عام ممكن لفريق ليفربول كلوب، عن التمريرات المؤثرة المتتالية التي أدت إلى تسديدات هذا الموسم، ومدى تداخل اللاعبين في تكتيك فريقهم وفق هذا الشق، لتؤكد الأرقام بأن جورجينيو مهندس أداء تشيلسي، ودي بروين هو الأهم في مانشستر سيتي. كل هذه النتائج متوقعة بشدة، لكن الجديد فعلاً أن أرنولد ساهم في التمرير المركز لفريقه ليفربول والذي تحول إلى تسديدات على المرمى، بنسبة تصل إلى 48.8%، أي النصف تقريباً.
أرنولد لاعب ذكي، لأنه يجيد بشدة لعب التمريرات القطرية والعمودية من الخلف إلى الأمام، بمعنى أوضح يتحرك فينالدوم وهندرسون بدون كرة في الوسط كـ "حاجز أو سكرين"، من أجل فتح الطريق أمام أرنولد كي يمرر من الطرف إلى عمق الهجوم، تجاه صلاح أو فيرمينو أو حتى ماني بشكل مباشر.
أي ظهير/ جناح يستطيع التسجيل وصناعة الأهداف، مع المراوغات والتسديدات والعرضيات، لكن ما أضافه ترنت ألكساندر أن مدربه يعتمد عليه كثيراً في التحضير للهجمات، والخروج بالكرة من الخلف، وفتح قناة اتصال مباشرة بين الدفاع وثلاثي المقدمة، في ظل ضعف الابتكار لدى لاعبي الوسط.
لذلك فهو مهم جداً لتكتيك ليفربول في:
– الصناعة والتسجيل.
– تنفيذ الضربات الثابتة.
– البناء من الخلف أثناء ضغط الخصم.
– المساهمة في التمريرات التي تسبق التسديدات، ما قبل الأسيست والهدف.
لتكون رسالة ليفربول وكلوب إلى كافة أندية العالم هي أن من يرغب في المنافسة يتوجب عليه ضم ظهيري جنب على أعلى مستوى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.