"كلما كبر الإنسان نقص من عمره، وكلما كبر ميسي نقص من عمر كرة القدم".
لا أجد كلمات أبلغ من تلك التي أطلقها كارلو أنشيلوتي في يوم ميلاد الملك، ليونيل ميسي.
هناك ثلاثة أحداث طبقاً للمدرب الإيطالي فابيو كابيلو أشعلت ثورات في اللعبة، قانون التسلل، وبرشلونة بيب، وميلان ساكي. لم يذكر كابيلو ليونيل لأنه الثورة ذاتها، تلك الظواهر المذكورة يمكن تفسيرها، لكن لا يمكن تفسير ليونيل.
الأرجنتيني مارسيلو بييلسا هو الأكثر هوساً بالبحث عن التفاصيل، مجنون لدرجة تجعله يحسب معدل قطع الفهد مسافة ما في بحر رمال، دفعه شغفه لتفسير أشياء عديدة في اللعبة، أشياء فرعية، صعبة ومعقدة جداً ونجح في ذلك. في نهاية إحدى محاضراته التكتيكية قال: "كل ما قلته هنا ينطبق على الجميع ما عدا ليو ميسي".
مجنون التفاصيل عجز عن تفسير تلك الموهبة الجبارة، رفع راية الاستسلام، وسحب كرسيه وجلس يستمتع في صمت.
ليو ميسي مدمر التابوهات
قالوا صنيعة بيب، وصنيعة منظومة، فرحل بيب وأصبح هو المنظومة بذاتها، مع إنريكي بالفرديات ظل ليونيل. مع فالفيردي في اللامنظومة واللاشيء كان هو كل شيء. هل يوجد اختبار أصعب من أن يكون مدربك فالفيردي؟ ورغم ذلك لم ينقص من لمعانه شيء، بل هو كالمعدن الأصيل كلما طرقت عليه زاد بريقه.
في إحدى كلاسيكيات الليغا في 2010، قال عصام الشوالي معلقاً على تمريرة تشافي لبيدرو: "لولا تشافي وإنييستا لما كنت ما أنت عليه يا بن الأرجنتين"، إشارة لكون ميسي صنيعة تشافي وأنيستا، رحل تشافي ورحل إنييستا يا شوالي، وصار ميسي، هو ميسي وتشافي وإنييستا. عاماً بعد عام نرى الخريطة الحرارية لميسي تبتعد عن منطقة الجزاء أكثر وأكثر، تحول لصانع لعب متأخر. وكان من الطبيعي أن فاعليته على المرمى تقل.. لكن ميسي غير طبيعي!
بعدما ابتعد عن المرمى، سجل ميسي أكثر من المهاجمين، وصنع أكثر من صُناع اللعب الكلاسيكيين، ليونيل هو أكثر لاعب في التاريخ صناعةً للأهداف 317 أسيست. واللاعب المعاصر الوحيد الذي شارك بأهداف أكثر من عدد المباريات التي خاضها، ساهم ميسي في 1016 هدفاً في 859 مباراة. الهدّاف التاريخي لليغا، كاسر لرقم زارا منذ 5 مواسم، وثالث هدافي كوبا أمريكا تاريخياً.
الإنهاء هو تحويل الفرص لأهداف، فكلما كانت تلك الأهداف صعبة، كان اللاعب هدافاً عظيماً. قبل 6 مواسم تم اختراع نظام الإحصائيات الـ XG الذي يخبرنا بنسبة دخول كل فرصة في الشباك، وبناءً على ذلك يتم تحديد الأهداف المتوقعة لكل لاعب، فكلما سجلت أكثر من المتوقع كنت هدافاً أعظم.
ليونيل ميسي سجل أكثر من المتوقع تسجيله بـ35 هدفاً، أقرب منافسيه هو هاري كين بـ22 هدفاً.
الناس ما عادوا يأكلون حتى يرون والتر غوميس..
في الأوروغواي كانت مراوغات اللاعبين تأخذ شكل العدد 8، وكان الجمهور يطلق عليها المونيا، وكان الصحفيون الفرنسيون يحاولون تفسير تلك الحركات اللولبية، حتى علموا بأن اللاعبين يتدربون على مطاردة الدجاج الذي يأخذ شكل المونيا في ركضه.. فيما بعد كانت مراوغات المونيا تقابل بالتصفيق من الجماهير مثل الأهداف، من أشهر اللاعبين في عمل المونيا هو والتر غوميس. يشق طريقه نحو المرمى متفادياً السيقان تارك خلفه الخصوم مطروحين أرضاً وهو ينتقل من مونيا لمونيا.. إذاً فماذا نطلق على ميسي؟ نعم أجاب بول سكولز وقال: "يجب أن نعتمد اسمه كأداة لتقييم اللاعبين، كم كان واين روني رائعاً اليوم، لقد كان رائعاً بدرجة 0.7 messi's".
"أنت تتدرب أكثر لتصبح أفضل، لكن أن تكون أفضل من ميسي فأنت تحتاج لتعديل كروموسومات دمك من دمه، ميسي أفضل لاعب في العالم، وميسي المصاب ثاني أفضل لاعب".
– كارليتو يزيدنا من الشعر بيتاً في مدح البولغا.
في إسبانيا عندما يعجب الجمهور بأداء رياضي، يهتفون في حماس "أوليه.. أوليه"، وقيل إن هذا اللفظ تسرب من أيام الأندلس وأصله لفظ الجلالة "الله" الذي نستخدمه للتعجب. لو كنت مسلماً ووقفت أمام منظر جميل ومبهر فستجد نفسك تلقائياً تقول: سبحان الله. أو تنطق لفظ الجلالة "الله".. كتعبير عن الانبهار وتقدير الجمال.
تقدير الجمال يسمو بالإنسان لدرجات أرقى روحياً، فالذين يقدرون الجمال يزداد سموهم الروحي ويزهدون في الماديات، ويشعرون بالامتنان لما في حياتهم من نِعم.. هكذا قرأت في أحد الكتب الأدبية عن مفهوم الجمال وتأثيره على الروح.
مفهوم الجمال في عالم المستديرة لا يحتاج لكل تلك الكلمات، كلمة واحدة من أربعة أحرف فقط تكفي: "ميسي". أتريد أن ترتقي بروحك وتزهد في الماديات، وتشبع روحك جمالاً حتى تهرطق كشارب النبيذ، فقط شاهد ميسي، وفي كل مرة تنال منه جمالاً صفّق واصرخ بأعلى ما تمتلك من قوة كالسكير: "أوليه.. أوليه.. أوليه".
بيب غوارديولا أخبر الجميع بأن لا يحاولوا وصف ميسي بكلماتهم، فقط عليهم الاستمتاع في صمت، ومع ذلك يجاهد الكُتاب في وصفه ويفشلون، منهم من يعاند ومستمر، ومنهم من استجاب بعد أن عجزت كلماته ونفد مخزونه.
جوزيه مورينيو منذ ثلاث سنوات قال: "بعد 4 سنوات من الآن سيصبح ميسي في عمر الـ34 وسنبكي جميعاً".. لم يتبقّ سوى عام واحد يا جوزيه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.