"هو بروفيسور، لقد تعلَّم جيداً من تشابي الونسو. ما يدهشني أنه لا يُصاب بالقلق أبداً حتى لو لعب تحت الضغط. إنه مهم جداً بالنسبة لأسلوب لعبنا. إن كل شيء يمر من خلاله".
هذا ما قاله مدرب ريال مدريد في عام 2014، الإيطالي كارلو أنشيلوتي، عن الوافد الجديد من فريق بايرن ميونيخ، الألماني توني كروس.
بدا توني لاعباً مميزاً إبان فترته في بايرن ميونيخ. قيل إنه يلعب بسرعة، ويقوم بتمريرات صحيحة دائماً، لا يفقد الكرة أبداً ويسترجعها كثيراً. لكن هل كانت جماهير الميرينغي تعلم أنه سيكون أحد أفضل الممررين في الدوريات الخمسة الكبرى؟
كرة القدم أحجية، تركيبة مُعقدة من جزئيات صغيرة وكبيرة، أشبه بمعادلة رياضية. تحاول حل تلك المسألة، لكن ها هي تتفوق عليك من جديد، ككل مرة، تقف مكتوف اليدين أمام صعوبتها. في الحقيقة، هذه هي كرة القدم أيضاً عزيزي القارئ، أحجية يصعب حلُّها.
تلك الأحجيات لم تقف سداً أمام ذكاء وبراعة توني كروس، فهو يحب تبسيط الأمور. بكل سهولة، يعرف كيف يربط الجزئية الصغيرة بالكبيرة، ويعرف كيف يفككها. هناك سبب وجيه لمناداته بالمهندس الألماني.
يُطلَق على توني كروس (لاعب ريال مدريد) المهندس، وذلك لأسباب عديدة، أبرزها أناقته في اللعب وبراعته في الحركات والأفعال التي يقوم بها. نسبة دقة تمريراته عالية، إيقاع اللعب الذي يعتمد عليه يُنعش ريال مدريد، ارتداده الدفاعي يُعتبر إضافة ملموسة لخطة الميرينجي الدفاعية، والضغط العكسي والعالي الذي يتسلح به يُرهق الخصوم.
إذن كيف يُجيد توني كروس استخراج الإبرة من قومة القش بكل هذه السهولة؟
لا تحاول اللحاق بتوني!
في 27 ديسمبر/كانون الأول من عام 2018، نشرت صحيفة ماركا الإسبانية مقالاً عن توني كروس تحت عنوان "الموزع العام"، تتحدث فيه عن دقة تمريراته. وفي التفاصيل، يذكر إدواردو (محرر الصحيفة) أن توني لعب 26 مباراة في الليغا مع ريال مدريد حينها، وقام بـ2125 تمريرة، 2003 منها صحيحة، بدقة بلغت 94.2%!
وكان إدواردو قد قارن بين أرقام توني ولاعبين آخرين في الليغا، حيث بلغت دقة تمريرات:
كوفاسيتش: 93.7%
سيبايوس: 93.1%
خافي غارسيا: 92.8%
فران بلتران: 92.65%
وهذا ما يجعل توني كروس في المركز الأول، مع فشل كل الأسماء المذكورة أعلاه بتخطي رقمه القياسي (94.2%).
ومنذ شهر تقريباً، نشر موقع Tribuna مقالاً يُناقش لماذا كروس هو أفضل مُمَرِّر في أوروبا هذا الموسم، وذلك عندما يمرر الكرة في الثلث الأخير من الملعب. وكان الموقع قد أشار إلى أن دقة تمريرات توني قد وصلت إلى 90.3%، وهي النسبة الأعلى في الدوريات الخمسة الكبرى، خلفه دي يونغ بالمركز الثاني (89.7%) وفيتسل في المركز الثالث (88.4%).
تأقلم بسرعة في المدرسة الجديدة
اللعب في فريق جديد، هو أشبه بالانتقال إلى مدرسة جديدة. زملاء جدد، أصدقاء جدد، أجواء جديدة، بيئة جديدة، وكثير من الأمور الجديدة الي يصعب على معظم الطلاب التأقلم معها. مدرسة بايرن ميونيخ تختلف عن مدرسة ريال مدريد ظاهراً وباطناً، لذلك كان الأمر بالنسبة لتوني كروس أشبه بارتياد مدرسة جديدة.
كان كروس مُطالَباً بالتأقلم مع طريقة لعب ريال مدريد في أسرع وقت مُمكن. وجُبَ عليه تغطية ثغرة تشابي ألونسو بعد رحيله عن ريال مدريد. لكن هنا كانت المفاجأة، سرعة تأقلمه مع الفريق أذهلت كل من تابعه وعرفه، كأنه يلعب لريال مدريد منذ سنوات!
عندما يلجأ زين الدين زيدان إلى رسم 4.4.2، يتم الاعتماد على لاعِبَي الارتكاز في هذه الحالة، وهما لوكا مودريتش وتوني كروس، ومؤخراً كان لفالفيردي عديد من المشاركات بقميص الميرينغي في هذا المركز.
في مثل هذه الخطط، عادة ما يمنح زيدان لاعبه الألماني الواجبات الدفاعية، مُعتمداً على مهارات لوكا مودريتش في خلق الفرص، فمساندة كروس دفاع ريال مدريد تخلق توازناً بين الهجوم والدفاع.
وفي حال لعب كروس دور لاعب وسط مدافع، وقام لاعب الخصم بالضغط عليه عندما تكون الكرة معه، يقوم توني بتغيير اتجاه اللعب حينها؛ من أجل تسريع عملية بناء الهجمة.
إن النظرة الشاملة إلى الملعب التي يتمتع بها، بالإضافة إلى دقته تمريراته، تجعلانه يلعب في أي مركز بخط الوسط، وهذا ما يُميز توني كروس عن غيره.
توني كروس.. مجد ريال مدريد الأوروبي
يتساءل البعض: "هل ظهر كروس بالشكل المطلوب في النهائيات التي لعبها مع ريال مدريد؟".
إذا عدنا بالزمن إلى الوراء، نلاحظ أن زيدان ارتأى أن يعول على النظام نفسه في النهائيات الثلاث. بمعنى آخر، ظل يعتمد على خط وسط مكون من توني كروس/مودريتش/كاسميرو.
هذا الثلاثي يخلُق توازناً في وسط ملعب ريال مدريد. هناك خلق الفرص، هناك الواجبات الدفاعية، وهناك توني كروس، صاحب اللمسة الأهم في بناء الهجمات وقيادتها في نهائيات دوري الأبطال.
إن سرعة توني كروس في التحولات، إن كانت الدفاعية منها أو الهجومية، تجعل ريال مدريد هو المُسيطر على وسط الملعب. براعته وسرعته في افتكاك الكرة وإعادتها إلى زملائه بعد أن خسروها مسبقاً، كانتا سلاحاً ذا حدين بالنسبة للمدرب زين الدين زيدان.
ولا بد من الإشارة أيضاً، إلى أن نسبة دقة تمريرات كروس في النهائيات الثلاث الماضية، قد بلغت 90%. كما قام بمعدل 6.43 تمريرة طويلة واحدة نحو الأمام في المباراة الواحدة. أرقام مذهلة يصعُب على أي لاعب وسطٍ الوصول إليها، في مباريات وظروف مشابهة.
في الختام، النسخة الأفضل والأمتع من توني كروس هي عندما يضع القلم والمسطرة على الورقة ويقرر أن يُبهر الجميع، فلا شيء سيقف أمام إبداعه حينها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.