جماهير الوداد والرجاء أهم من الأحزاب.. أهازيج المدرجات في الملاعب العربية منصات للتنديد بالظلم

تحوّلت الملاعب العربية في كثير من الأحيان إلى منصّات لتوجيه الانتقادات إلى السلطات والتعبير عمّا يجول في خاطر الشباب الذين يشعرون بالقلق إزاء مستقبلهم

عربي بوست
تم النشر: 2020/03/02 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/02 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش

من الدار البيضاء في المغرب، مروراً بمدينة الجزائر، ووصولاً إلى تونس، أصبحت ملاعب كرة القدم أكثر من أي وقتٍ مضى مساحةً للتعبير عمّا يجول في خاطر الشباب الذين يشعرون بالقلق إزاء مستقبلهم. فقد تحوّلت الملاعب العربية في كثير من الأحيان إلى منصّات لتوجيه الانتقادات إلى السلطات في بلادهم.

"في بلادي ظلموني".. نشأ هذا الشعار الذي ردّده المتظاهرون في المظاهرات الضخمة في المدرجات الهادرة لجماهير نادي الرجاء البيضاوي المغربي

يتعلق الأمر بعنوان أغنيةٍ لألتراس (Ultras Eagles 06) المساند لفريق الرجاء، التي جمعت ملايين المشاهدات على موقع يوتيوب. في كل مباراة في استاد مركب محمد الخامس تغني الآلاف من الجماهير هذه الأغنية على صوت الطبول، والتي يصاحبها إطلاق الكثير من الألعاب النارية.

تقول بعض مقاطع الأغنية: "فهاد البلاد عايشين فغمامة، طالبين السلامة (في هذه البلاد نعيش في غمامة، نطلبُ السلامة)، فلوس البلاد گع كليتوها للبرّاني عطيتوها (أموال البلد كلها سرقتموها، للأجانب سلّمتموها)، قمعتوها ( قمعتم جيلاً بأكمله)"

ينتشر الغناء ويستمر في الملعب بأكمله، وعقب شهرتها في عام 2018، قال الكاتب المغربي عبدالله الطايع إنها "أغنية يائسة، معبرة، صادقة، ودون أي زخرفة".

يقول خالد لموقع El Pais الإسباني، وهو أحد مشجعي نادي الرجاء، وحضر إحدى مبارياته مؤخراً في الدار البيضاء: "تعبر هذه الأغاني عمّا يعيشه آلاف الشباب في الأحياء الشعبية". وأكّد رفيقه أيوب، الذي يرتدي وشاحاً بألوان فريق الرجاء حول رقبته: "نشكو في الملعب من الصعوبات التي نواجهها في الحياة".

جمهور الرجاء ليس حالةً فريدة، فهناك أشكال مماثلة في المغرب والجزائر وتونس، للتعبير عن الاضطرابات الاجتماعية وانعدام المساواة والفساد والحيز المحدود للحريات.

تحصل مقاطع هذه الأغاني في الملاعب على ملايين المشاهدات والمشاركات، على نطاق واسع على الشبكات الاجتماعية، حتى من قبل شباب ليسوا من محبي كرة القدم، لكنهم يضمّون أصواتهم إلى هذه الجماهير.

"حر ومتمرد"، أغنية كتبتها مجموعة من ألتراس الوداد البيضاوي، المنافس التاريخي للرجاء، تنتقد بطالة الشباب، وخصخصة الخدمات العامة.

كما أطلقت جماهير اتّحاد طنجة، المدينة التي تقع بالقرب من جبل طارق، أغنية "هادي بلاد الحكرة"، مندِّدين فيها "بالظلم"، قائلين: "خذونا في قارب. أنقذونا من هذه البلاد"، وهي دعوة صريحة تقول إن محاولات الهجرة غير الشرعية فيما يُطلق عليها قوارب الموت أهون على هؤلاء الشباب من البقاء في بلادهم، وتحمل الظلم وقسوة الحياة.

يرى الباحث الاجتماعي المغربي عبدالرحيم بورقية، مؤلف دراسة "ألتراس في المدينة"، أن هذه الطريقة من التعبير "تقول الكثير عن الصعوبات" التي يواجهها الشباب، وعن "انزعاجهم". وأضاف: "إنهم ينتقدون كلَّ شيءٍ، ويستخدمون السياسة والرياضة".

برغم تعريف أنفسهم على أنهم مجموعة، يضيف بورقية: "يزعمون أنهم خارج المنظومة، ويرفضون أن يكون لهم طابع مؤسسي".

بينما يرى منصف اليازغي، الباحث المتخصص، أن هذا "شكل جديد للاحتجاج لا يتطلب أي تصريحٍ، في وقتٍ توقَّف فيه السياسيون والوسطاء التقليديون عن ممارسة أدوارهم".

غير أن الأمر تجاوز المدرجات أحياناً؛ إذ عبَّرت جماهير الرجاء البيضاوي مؤخراً على موقع تويتر، عن "دعمها لجميع مَن اعتُقلوا بسبب التعبير عن آرائهم" في الأسرة الحاكمة في المغرب.

في الجزائر المجاوِرة، كانت الملاعب منذ سبعينيات القرن الماضي، متنفساً -عنيفاً في بعض الأحيان- للشباب، الذين يعجزون عن استشراف مستقبل مشرق. بدأت هذه الظاهرة في عام 1977، عندما ردَّدت جماهير شبيبة القبائل أغاني تدعم هوية الأمازيغ.

في السياق نفسه، انضمَّت أعدادٌ من الجماهير إلى الاحتجاجات الجزائرية، المعروفة بالحراك، وهي الحركة التي اندلعت منذ عام ضد ولاية رئاسية خامسة للرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

تحوَّلت أغنية "لا كازا ديل مورادية"، التي أطلقها ألتراس نادي اتحاد العاصمة إلى ما يشبه النشيد الوطني، وكانت الأغنية محاكاة ساخرة لمسلسل La Casa de Papel، في إشارةٍ إلى القصر الرئاسي.

في إطار هذه الحركة الاحتجاجية التي ترفض النظر إليها بوصفها حركة "تقليدية"، يلخّص المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو في آخر أعماله (الجزائر.. الاستقلال الجديد)، فيقول "يُعد الألتراس، في الواقع، أفضل تيار منظم".

وفي تونس ما بعد ثورة عام 2011، ما زالت المدرجات منابر للتعبير عن المطالب الاجتماعية والسياسية باستخدام أغنيات رائعة ودقيقة التصويب. وتُعدّ أغنية "يا حياتنا" للنادي الإفريقي التونسي دليلاً على ذلك.

وفي أقصى شمال شرق القارة، كان للمشجعين المصريين دور فعال خلال الربيع العربي. ورغم انخفاض سقف حرية التعبير منذ ذلك الحين، فقد اندلعت أثناء مباراة للنادي الأهلي في القاهرة مظاهرات صغيرة، مناهضة للحكومة، في العام الماضي، وكانت تلك المظاهرات نادرة للغاية خلال رئاسة عبدالفتاح السيسي.

كان رد السلطات قاطعاً، الآلاف من الاعتقالات التي شملت قادة الألتراس.

وفي المغرب، ندَّد مشجعو الرجاء بـ "حملة الاعتقالات الجماعية" قبل إحدى المباريات، في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وفي عام 2018، حُكم على 14 من مشجعي فريق تطوان المغربي بالسجن، لمدة تصل إلى عشرة أشهر، بتهمة التلويح بالأعلام الإسبانية، للتنديد بوفاة طالبة قُتلت برصاص البحرية المغربية، أثناء محاولتها الهجرة إلى أوروبا بطريقة غير شرعية.

ومع ذلك، يرى طارق، أحد مشجعي الرجاء البيضاوي، أن الملعب  مازال هو المكان الذي "يمكنك فيه التعبير عن نفسك دون أي مشكلة".

تحميل المزيد