استعاد الملاكم البريطاني أنتوني جوشوا، لقب بطولة العالم للملاكمة في الوزن الثقيل من منافسه المكسيكي أندي رويز، بعدما تغلب عليه في منازلة تاريخية السبت 7 ديسمبر/كانون الأول بالعاصمة السعودية الرياض استغرقت 36 دقيقة.
وكان جوشوا قد خسر اللقب قبل ستة أشهر بعدما تلقى هزيمة مفاجئة أمام رويز تحديداً الذي فاجأ الساحة الرياضية العالمية بفوزه في الجولة السابعة داخل حلبة ملاكمة ملعب ماديسون سكوير غاردن في يونيو/حزيران.
وحقق جوشوا، لقبه العالمي بفوزه، بإجماع قرار المُحكّمين، لكنّ مباراة السبت التي كانت أول نزال من نوعه يقام في الشرق الأوسط أثارت الجماعات المعنية بحقوق الإنسان التي وصفت الحدث بأنه محاولة "غسيل عبر الرياضة" لتلميع صورة المملكة العربية السعودية على الساحة الدولية.
واتهمت منظمة العفو الدولية الدولة المضيفة بمحاولة إخفاء سجلها الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان خلف زهو الحدث الرياضي المرموق، وحثّت الرياضيين على استخدام الدعاية في خِضمّ المنافسة لإلقاء الضوء على الانتهاكات.
قال فليكس جيكينز، رئيس حملات منظمة العفو الدولية بالمملكة المتحدة، إنه بالرغم من أنهم لم يتوقعوا أن يصبح جوشوا خبيراً بين ليلة وضحاها، فإذا كنت ستقاتل من أجل أموال ضخمة من بلد له ملف في حقوق الإنسان سيئ مثل ملف المملكة العربية السعودية، "ستتلقى بالتالي نصائح بأن تواجه هذا النقد بالمجاهرة بالحديث عن قضايا حقوق الإنسان".
وأضاف: "هذا النزال ليس سوى غسيل عبر الرياضة، ولهذا من المهم أن نواجه الماكينة الإعلامية السعودية واستخدامها المتزايد للرياضة في التغطية على سجل حقوق الإنسان بالغ السوء لديها".
وأضاف جيكينز: "جوشوا له تاريخ في دعم الجمعيات هنا في بريطانيا، ونأمل أن يكون مستعداً للتعبير عن قلقه تجاه أشخاص مثل الناشطة الحقوقية النسوية السعودية المعتقلة لجين الهذلول".
كانت لجين من ضمن عشر معتقلات على الأقل اعتُقلن في العام الماضي عندما أنهت السعودية حظر القيادة على النساء، الذي نادت به عديد من المعتقلات.
ولكن يبدو أن جوشوا لم يستجب لهذه الدعوة، قائلاً إنه "مرتاح" لخوض نزال الملاكمة على أرض المملكة العربية السعودية، وهو أمر مفهوم في ضوء ما قيل عن إنه ربح مقابلاً كبيراً يقدر بحوالي 60 مليون جنيه إسترليني (78 مليون دولار) مقابل خوض النزال.
في المقابل كان الملاكم آندي رويز قد صرح من قبل بأنّه يفضل خوض نزال الإعادة أمام البريطاني أنطوني جوشوا، في ديسمبر/كانون الأول 2019، في نيويورك بدلاً من السعودية.
لكن إيدي هيرن مروج مباريات جوشوا، الذي أعلن الأسبوع الحالي أن نزال الإعادة سيقام بالدرعية بالقرب من العاصمة السعودية الرياض، هدَّد باتخاذ إجراءات قانونية في حال رفض الملاكم المكسيكي-الأمريكي الالتزام بالمنصوص عليه بخصوص المباراة.
وقالت شبكة NBC News الأمريكية في تغطيتها للحدث إن النظام السعودي اعتمد اعتماداً هائلاً على الرياضة وصناعة الترفيه سعياً منه لتحسين صورته في أعقاب الغضب والإدانة واسعي النطاق، بعد قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول قتلاً وحشياً، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأوّل عام 2018.
وقال الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل آل سعود، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة السعودية للرياضة، في حديث أجراه مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC قبل بدء المنافسة: "لدينا خطّة لتغيير المشهد الاجتماعي داخل المملكة نحو ما هو صائب، والرياضة هي إحدى المجالات المُحقِقة لهذا الهدف، إننا نستخدم الرياضة لدعوة أي شخص يريد أن يرى ما تبدو عليه الأمور حقّاً هنا، ولاستعراض بلدنا".
تتضمن هذه الخطط استقدام رياضات بأموال تساوي مليارات الدولارات إلى المملكة، مثل سباقات الفورمولا E للسيارات، والدورة الأوروبية للغولف، وكأس السوبر الإسباني لكرة القدم.
وقال: "نريد أن نستضيف أكبر قدر ممكن من الأحداث الرياضية، لتغذية استراتيجيتنا والترويج لتنوع الرياضات في المملكة". وأضاف: "إننا نستعرض الأمر أملاً في المحاولة يوماً ما لاستضافة الأولمبياد أو كأس العالم لكرة القدم".
وأطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سلسلة من الإصلاحات منذ تولّيه السلطة في يونيو/حزيران 2017، إذ سمح للنساء بقيادة السيارات وحضور الفعاليات العامّة، ومن بينها الفعاليات الرياضية، في محاولة لإعادة تشكيل منظور العالم تجاه المملكة.
وبرغم ذلك، كانت التغيّرات التقدّمية تخفي وراءها حملة قمعية أوسع نطاقاً، حسبما تشير جماعات حقوق الإنسان.
قال وليّ العهد السعودي في وقت سابق من العام الجاري إنه يتحمّل المسؤولية الكاملة عن مقتل خاشقجي بوصفه زعيماً للبلاد، ولكنّه زعم أنه لم يأمر بقتله. فيما تدحض وكالة الاستخبارات المركزية ووكالات استخباراتية أجنبية مزاعمه حول عدم علمه بمقتل الصحفي السعودي.
وقالت منظّمة هيومن رايتس ووتش إنه برغم أن "الحماس الذي حلّ بالمملكة حديثاً" على الساحة الرياضية سيرغمها على الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان على نحو متزايد، لا تزال الانتهاكات قائمة.وقالت مينكي ووردن، مديرة المجموعة الحقوقية للمبادرات العالمية: "بدلاً من استخدام الرياضة لتلميع صورتها العالمية، سيكون من الأرخص والأسهل على المملكة العربية السعودية إجراء إصلاحات جوهرية في مجال حقوق الإنسان، وأن تحترم الحقوق الأساسية لمواطنيها من أجل تحسين صورتها ومكانتها في العالم".