الزمان: عصر يوم التاسع والعشرين من يونيو/حزيران عام 1986
المكان: ملعب أزتيكا الشهير في العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي
المناسبة: نهائي كأس العالم لكرة القدم
أفراح واحتفالات هيستيرية للاعبي منتخب الأرجنتين على أرض الملعب، بعدما نجحوا في تحقيق ما لم يراهن عليه أحد في بلادهم وهو الفوز بالمونديال في وجود منتخب فرنسا بطل أوروبا 1984، وإيطاليا حامل لقب المونديال السابق، بجانب منتخبي البرازيل وألمانيا المرشحين الدائمين في أي بطولة وأي مناسبة للمنافسة على لقبها.
كانت الفرحة المجنونة هي عنوان احتفالات اللاعبين داخل الملعب والجماهير الأرجنتينية في بيونس آيرس وبقية مدن الأرجنتين، بجانب سعادة عشرات الملايين حول العالم من عشاق الفنان مارادونا الذي قدم في تلك البطولة واحدة من أروع ما يمكن للاعب كرة قدم أن يقدمه من مهارات وفنون كروية شاملة.
لكن من المؤكد أن أحداً من المحتفلين في تلك الأمسية الاستثنائية يتوقع أن تكون تلك الفرحة هي بداية الفأل السيئ على ما تبقى من حياته، وكان كل مَن شاركوا في تحقيق هذا الإنجاز تعرضوا للعنة ما.
آخر تلك اللعنات أصابت اليوم المدافع الشهير خوسيه لويس براون، صاحب الهدف الأول في مباراة النهائي ضد ألمانيا التي انتهت أرجنتينية بثلاثة أهداف مقابل هدفين.
فقد نقلت وكالات الأنباء وفاة المدافع الذي اشتهر بلقب تاتا، الإثنين الثاني عشر من أغسطس/آب عن عمر يناهز 63 عاماً في بلاده، حسبما أعلن نادي إستوديانتس، الذي بدأ فيه اللاعب مسيرته الاحترافية ويعد من أبرز رموزه التاريخيين.
ونعى إستوديانتس اللاعب السابق في تغريدة على موقع (تويتر) قائلًا: "إنه يوم حزن شديد لأسرة النادي، لرحيل محاربنا خوسيه لويس براون. ذكراه وحبه للنادي سيبقيان خالدين للأبد" .
ربما لا يكون الموت في حد ذاته مأساة باعتبار أنه مصير كل البشر، لكن ربما بدأت المأساة مطلع 2019 حين تم الكشف عن أن براون كان يعاني من أحد أمراض الانتكاس العصبي، وأنه في مرحلة متقدمة.
كذلك فان براون الذي أبلي بلاء حسناً في مونديال المكسيك عاش نفس محنة أغلب زملائه الذين لم يحصلوا على ما يستحقونه من شهرة ونجومية وحتى عروض من أندية أوروبية كبرى، حيث كان أشهر نادٍ لعب له براون خارج الأرجنتين ناديي ريال مورسيا الإسباني وفي بريست الفرنسي.
وهناك أيضاً الحارس بومبيدو الذي تألق في مونديال 86، لكنها عاش بعدها 4 سنوات من عدم الاستقرار بين الأندية التي تنقل بينها مثل ريال بيتيس في إسبانيا وكل من ريفر بليت ويونيون دي سانتافي وفيليز سارسفيلد الأرجنتينية.
ناهيك عن حادث عرضي يكشف مدى النحس الذي أصيب به المنتخب المونديال، حيث فقد بومبيدو إصبعه خلال التدريب في عام 1987 عندما شبك خاتم الزواج الذي يرتديه في أصبعه بمسمار مثبت أعلى العارضة، لكنه أعيد بعد ذلك عن طريق إجراء عملية جراحية، ولحسن الحظ انه لم يفقد اصبعه نهائيا في الحادث الذي لم نسمع بوقوعه لأي حارس معروف في العالم قبل أو بعد ذلك.
كذلك لا ننسَ أن خورخي بورتشاغا أحد أهم اللاعبين في تشكيلة المدرب كارلوس بيلاردو وقتها لم يحصل على أي عقد للعب في نادٍ غير نادي نانت الذي كان يلعب له وهو أحد أندية الوسط في فرنسا بلا طموحات مهمة محلية أو قارية.
وعندما انفتحت أمامه أبواب سوق الانتقالات في وقت لاحق وتحديداً صيف 1992، انتقل لنادي فالنسيان الأضعف مستوى والأكثر فقرا من نانت.
ومثلما قدر لبوروتشاغا الذي سجل الهدف الثالث التاريخي في المباراة النهائية من تمريرة مارادونا الساحرة، أن يعيش بعد إنجاز المونديال على هامش التاريخ، كتب نفس المصير على نجوم آخرين غيره شاركوا في الفوز باللقب.
مثل لاعب الوسط بابتيستا وهيكتور انريك والمدافع روجيري وبورخي الذين لم يسمع أحد عنهم بعد مونديال المكسيك، رغم أن كل التوقعات كانت تشي بأن أكبر أندية أوروبا سوف تتهافت على التعاقد معهم.
وهناك أيضاً القائد السابق دانييل باساريلا الذي حمل كأس العالم في عام 1978، وامتد به العمر في الملاعب ليمحو تاريخه تقريبا في تلك النسخة بجلوسه احتياطياً طوال مباريات البطولة بطلب من القائد وقتها مارادونا، الذي لم يكن يستسيغ الشخصية القيادية لباساريلا.
ثم لحق القائد السابق بزملائه في أرشيف تاريخ كرة القدم الأرجنتينية مقدماً الدليل العملي على وفائه لزملاء الملعب.
يتبقى من هذا المنتخب الذهبي اثنان فقط هما مارادونا نفسه وفالدانو صاحب الهدف الثاني في المباراة النهائية.
مارادونا نعرف جميعاً سلسلة العار التي لاحقته في سنوات لاحقة من إدمان لتعاطي منشطات بجانب عشرات العلاقات النسائية خارج إطار الزواج، ويمكن القول إن الأسطورة الذي أبهر العالم في مونديال 86 فشل في كل مهمة أوكلت له بداية من التدريب مروراً بالتحليل ثم التقديم التلفزيوني والإعلانات.
أما فالدانو فربما يكون الناجي الوحيد من "مثلث" النحس الذي ضرب الألبيسيليستي حيث عاد ليكمل الموسم التالي للمونديال مع ريال مدريد، قبل أن يعتزل في نهاية الموسم.
على عكس أغلب رفقاء دفعته الموندياليين نجح فالدانو في التدريب، حينما قاد الملكي للفوز بالدوري الإسباني في أول موسم له مع الفريق 1994/1995، لكنه لم يطل البقاء في منصب المدرب ولا في مهنة التدريب من الأساس، حيث انتقل للعمل مديراً رياضياً للنادي الملكي قبل أن يصطدم مع البرتغالي جوزيه مورينيو في مايو/أيار من عام 2011 ليتم الاستغناء عنه دون رجعة، وينال حصة من حظ زملائه المنحوسين.