أعادت كأس الأمم الإفريقية التي اختتمت مؤخراً في مصر الأضواء من جديد لظاهرة منتخبات النجم الواحد التي تعتمد على لاعب واحد نجم لتحقيق إنجازاتها مع زملاء في الفريق أقل منه في النجومية والتوهج، وربما يتدخل هو شخصياً لاختيار بعضهم ممن يرتاح للعب معه.
كان آخر منتخبات النجم الواحد التي سقطت هو منتخب السنغال الذي أثبت في البطولة الإفريقية بشكل عام، وفي المباراة الأخيرة خصوصاً أنه منتخب ساديو ماني، لاعب ليفربول الإنجليزي، فبدونه لا يوجد شكل هجومي لأسود التيرانغا، وهو ما فطن إليه المدرب الجزائري الكفء جمال بلماضي، فعطل ماني تماماً في المباراة النهائية ليتوقف القطار السنغالي وتسكت أسود التيرانغا عن الزئير طوال المباراة تقريباً، اللهم إلا من بعض التسديدات البعيدة التي تصدى لها بنجاح الحارس رايس مبولحي.
على العكس مثلاً كان منتخب الجزائر الذي تخلص من عقدة النجم الواحد التي دفع ثمنها غالياً في النسخة قبل الأخيرة حين كانت كل الآمال معقودة على النجم رياض محرز في كان 2017، فخرج المحاربون من الدور الأول، كما أخفقوا في بلوغ نهائيات مونديال روسيا الماضي.
وعندما نجح جمال بلماضي في علاج تلك المشكلة وبات المنتخب الجزائري يلعب كوحدة واحدة يمثل محرز فيها القلب النابض لكنه ليس كل الجسد، تمكّن الأفناك من الضرب بقوة في البطولة الحالية، وحتى عندما اختفى رياض في المباراة النهائية بسبب الرقابة الدفاعية، ظهر بغداد بونجاح واسماعيل بن ناصر وسفيان فيغولي وآخرين.
"باصي لصلاح"
لفترة طويلة كان المصريون حينما يريدون السخرية من ضعف أداء المنتخب الوطني مع مدربه السابق الأرجنتيني هيكتور كوبر أو مع المدرب المكسيكي المُقال بعد الإخفاق في البطولة الإفريقية خافيير أغيري، كانوا يقولون إن الفريق المصري هو منتخب "باصي لصلاح"، وهي كلمة عامية مصرية تعني مرر الكرة لصلاح، تعبيراً عما يرونه من فشل المدربين في عمل توليفة قوية ومتجانسة من اللاعبين الأكفاء، واللجوء إلى الحل السهل بتمركز كل الفريق الدفاع والاعتماد على تمرير الكرة في حالة الهجوم إلى النجم محمد صلاح ليتولى التصرف بنفسه في الهجمات.
صحيح أن صلاح نجح في كثير من التحديات وقاد منتخب بلاده للوصول إلى نهائي كان 2017 التي خسرها الفراعنة أمام الكاميرون، ثم قاد المنتخب لبلوغ نهائيات كأس العالم في روسيا بعد غياب 28 عاماً، وسجل هدفين في النهائيات ليخلص المصريين نهائياً من صداع مجدي عبدالغني صاحب الهدف المصري الوحيد (الباقي على قيد الحياة) في المونديال.
لكن لأن يد واحدة لا تكفي للتصفيق كما تقول الحكمة فقد انكشف المنتخب المصري في البطولة الأخيرة، مع تراجع أداء محمد صلاح لأسباب متعددة، وخرج الفراعنة من ثمن النهائي.
البرغوث الوحيد
ربما لا يختلف أحد على أن اللاعب الفذ ليو ميسي موهبة يندر أن تجود بها ملاعب الكرة إلا كل 50 عاماً أو يزيد، لكن البرغوث كما يلقبونه في بلاده لم يكن قادراً على "القرص" بمفرده مع منتخب الألبسيلستي ليرسم معه مشواراً طويلاً من الإخفاق على العكس تماماً من إنجازاته المدوية مع برشلونة.
في تفسيره لهذه الازدواجية الغريبة اعتبر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن منتخب الأرجنتين "يواجه مشكلات" في الفوز بكأس العالم لأنه "لا يلعب بروح الفريق" رغم أنه يمتلك في صفوفه "المذهل" ليونيل ميسي.
ولدى مشاركته في مؤتمر "Exma 2019" الذي اختتم فعالياته في العاصمة الكولومبية بوغوتا، قال أوباما: "حتى أولئك الذين نعتقد أنهم عباقرة يجب أن يعملوا مع أشخاص آخرين من أجل تطوير أسلوبهم الخاص، في الأرجنتين على الرغم من أن ميسي لاعب مذهل، يواجه منتخب بلاده صعوبة في الفوز بكأس العالم".
على العكس تماماً يحظى ميسي بمساندة الكثير من اللاعبين المهرة في برشلونة بداية من تشافي وإنييستا وإيتو وهنري وداني ألفيش ونيمار في السابق، وصولاً إلى بوسكيتس وبيكيه وسواريز وجوردي ألبا في الوقت الحالي، الأمر الذي يساعده بالتأكيد على تقديم كل ما لديه من مهارة.
رونالدو الأول والأخير
حينما أصيب الدون البرتغالي في الدقائق الأولى للمباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية الأخيرة في فرنسا عام 2016 التي جمعت منتخب بلاده مع المنتخب صاحب الضيافة، آمن كثيرون بأن الكأس أصبحت فرنسية، بينما أدرك قليلون جداً أن المنتخب البرتغالي زادت فرصه في الفوز بعدما تحرر من عقدة النجم الواحد من جهة، ولأن بقية اللاعبين تحرروا من الضغوط الجماهيرية من جهة أخرى، حيث كانت آمال الجماهير معقودة عليهم في السابق لتحقيق اللقب بحكم وجود رونالدو بينهم، أما بعد خروجه فلا أحد يراهن على فوزهم.
في نفس الوقت أصيب لاعبو فرنسا بحالة من الاسترخاء لأن الفوز قادم لا محالة، فالنجم الذي كان يهدد دفاعاتهم خرج مصاباً، ولهذا وقعوا في الشرك ليسجل لاعب البرتغال إيدر لوبيز هدف المباراة الوحيد في الدقيقة 109 ويؤمن لأحفاد المستكشف فاسكو دا غاما لقبهم الأول على المستويين العالمي والأوروبي في غياب النجم الذي لم تلد البرتغال مثله في تاريخها.