ربما وأنت تقرأ هذه السطور تجد إجابة واضحة لكل التساؤلات التي جاءت بذهنك، حول الصيام التهديفي الطويل للمصري محمد صلاح، نجم ليفربول، طوال الفترة الماضية، فمنذ التاسع من فبراير/شباط الماضي حينما سجل الفرعون آخر أهدافه مع ليفربول بكل المسابقات، في المباراة أمام بورنموث تحديداً في الدوري الإنجليزي، دخل صلاح في غيبوبة تهديفية غريبة.
هذه الفترة شارك صلاح في 9 مباريات كان أساسياً فيها جميعاً، تارة يضيع فرصاً سهلة، وتارة يعانده السنغالي ساديو ماني ويفضل نفسه ويصوب على المرمى، وتارة ثالثة يفقد طريق الشباك ويدخل في مرحلة انعدام ثقة واضحة، فكيف ذلك؟ وهو النجم الأول في إنجلترا وهداف الدوري الأقوى في العالم قبل شهور قليلة فقط، هل هذا هو صلاح الموسم الماضي؟ أم ماذا يحدث له؟ كل تلك الأسئلة جزء من عشرات علامات الاستفهام حول طول الفترة الفقيرة لصلاح في إنجلترا، ولعلنا نجد لها إجابات في النقاط التي نستعرضها في الآتي:
تركيز خارج الملعب
بدا واضحاً انشغال صلاح كثيراً بأمور خارج الميدان على حساب عمله الأول وشغفه بكرة القدم، فمرة يظهر في حملات إعلانية ويغلق حساباته الشخصية بكافة مواقع التواصل الاجتماعي، ومرة يحلق شعر صدره ويكون هذا الأمر حديث الساعة في مصر وبين رواد السوشيال ميديا، ومرة يحلق لحيته، ورابعة يقحم نفسه في مشكلة جماهير الأهلي والزمالك وصراعات مالك نادي بيراميدز ويطالب بوقف كل هذا.
تكرار هذه الأمور عرضه لانتقادات كثيرة بعضها يحمل كلاماً موجعاً مثلما فعل مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك الذي طالبه بالتركيز في عمله؛ لأنه ليس مصرياً الآن ولا يربطه شيء بالأحوال داخل مصر لمعيشته في إنجلترا بشكل كامل، ثم يعاود صلاح الرد عليه عبر حساباته بصور تثبت أنه مازال مصرياً وخلافه، وأمور كثيرة من دون حصر تثبت أنه بات منشغلاً بأمور أخرى غير أرضية الميدان، ما سبب له توهاناً كاملاً داخل الملعب وإضاعة لفرص سهلة لم يكن ليضيعها من قبل عندما كان مركزاً بشكل كامل على كرة القدم فقط.
غرور وانتقادات
المشهد الثاني هو استمرار للحالة الأولى التي دخل بها صلاح طوال الفترة الماضية، حيث أصدر بعض التصريحات تنم عن تسرب شعور بالغرور لديه، حيث أكد أنه وصل لمكانة لم يصل إليها لاعب عربي أو إفريقي من قبل في أوروبا، صحيح هو خرج ليؤكد أنها فُهمت بشكل خاطئ ولم يكن يقصد به المسار الذي اتخذه الجميع حول تلك التصريحات، ولكنه قوبل في مصر بموجة عنيفة من الانتقادات لم يكن لها مثيل من قبل، الأمر الذي دفعه للخروج سريعاً وتوضيح الأمور واتهام البعض بفهم الأمور على حسب المزاج وما يريده انتقاماً منه، خاصة في وسائل الإعلام وبعض المواقع وأيضاً في السوشيال ميديا، ونشره لصورته مبتسماً عقب حادثة القطار في مصر ساهم في زيادة تلك الحدة أيضآ.
ورغم أن الأزمة مرت وبدأت تهدأ حدة الانتقادات، إلا أنها رسبت انطباعاً عاماً عند الأغلبية، بأن صلاح تغير ولم يصبح كما كان من قبل، وأن أجواء ونجاحات الموسم الماضي وما تبعها من تكريم وترشيحات لأفضل 3 لاعبين على مستوى أوروبا والعالم جعله شخصاً آخر، ومن هنا بدأت المخاوف عليه من أن تكون نهايته قريبة.
على خُطى أسلافه
سبب الخوف على صلاح غالباً جاء من أن أغلب تجارب اللاعبين المصريين المحترفين في أوروبا كانت سلبية في مجملها، تثبت أن المصري لا يقوى على مجاراة أسلوب الحياة الاحترافية والتزاماتها العديدة، بل إن صلاح نفسه كان الاستثناء الوحيد في قائمة تضم العديد من اللاعبين الذين خرجوا وعادوا دون أن يشعر أحد بأنهم احترفوا، مثل حسام غالي وحازم إمام ورمضان صبحي، وغيرهم كثيرين.
كما أن هناك نجوماً آخرين تألقوا من قبل في البداية قبل أن ينتهي بهم الحال لطي النسيان، والأمثلة كثيرة ولعل أبرزها عمرو زكي وإبراهيم سعيد وربما ميدو في آخر فترات مسيرته الاحترافية، وهو أمر أخرجه كثيراً أيضاً لفترة عن تركيزه بالميدان وساهم في إضاعته لفرص كثيرة أو تقديمه مستوى سيئاً أطال فترة الصيام تلك.
شبح الموسم الواحد
منذ بداية الموسم الحالي، والجميع يشكك في إمكانية تقديم صلاح موسماً كبيراً مثلما فعل بالموسم الماضي، وتسجيله 32 هدفاً في البريميرليغ واكتساحه لكل دفاعات الفرق بالمسابقة الأقوى عالمياً، ومع قلة أهدافه في بداية الموسم زاد ذلك الشعور كثيراً وبدأت تتردد تلك النغمة بقوة، قبل أن يتدارك الأمر ويعود ويسجل أهدافاً كثيرة مرة أخرى ويسكت الجميع.
ولكن ذلك الهاجس ظل يراوده ويراود البعض حتى بدأ يفقد أعصابه وقدرته على التهديف بالفترة الأخيرة، لتبدأ تلك النغمة في العودة من جديد، وأن طموحه توقف عند تلك المرحلة، وحاله مثل أغلب المصريين بعد تقديم مستويات وأعمالاً كبيرة هو التراخي والتراجع لفترة ربما تودي به إلى نهاية مسيرته الكروية، الأمر الذي جعل صلاح متوتراً ومصمماً بأي شكل على إحراز الأهداف ليثبت عكس ذلك، مما جعله يضيع فرصاً أكثر.
تلك الحالة اصطدمت بالتربص الكبير من زميله في ليفربول السنغالي ساديو ماني الذي ينافسه على لقب الأفضل في إفريقيا، ويريد إثبات أنه أفضل منه ليتبوأ مكانته هذا الموسم، ويصبح النجم الأول للفريق حتى ارتدى القميص رقم 10 وبدأ يلعب لنفسه فقط، حتى لو كان صلاح في مكان أفضل للتسجيل يصوب هو نحو المرمى لينفذ هدفه، وبالفعل استغل فترة تراجع "الفرعون" وتركيزه خارج الملعب وعاد بأهداف غزيرة ومستوى كبير، جعله يتساوى معه في عدد أهدافه بهذا الموسم بـ17 هدفاً لكل منهما في المرتبة الثانية بقائمة هدافي البريميرليغ خلف سيرجيو أجويرو مهاجم مانشستر سيتي برصيد 19 هدفاً.
راحة وإعادة الحسابات
في الرمق الأخير من فترته الفقيرة تهديفياً هذا الموسم، طلب صلاح إجازة خلال فترة التوقف الدولي من منتخب مصر، الذي كان مقبلاً على مواجهة غير مهمة أمام النيجر في نهاية التصفيات المؤهلة لأمم إفريقيا ثم مباراة ودية أمام منتخب نيجيريا، وبالفعل وافق الجهاز الفني بقيادة المكسيكي خافيير أغيري واتحاد الكرة على طلبه، ونال الفرعون راحة، أبعد نفسه خلالها عن كل شيء يشتت تركيزه عن كرة القدم والتقط أنفاسه وأعاد حساباته وقرر بدء فترة مختلفة، حتى عاد كما كان من قبل.
وهذا منسوب لحديث مدربه الألماني يورجن كلوب في تصريحات صحفية، أن صلاح استغل فترة الراحة على أفضل ما يكون وعاد كما كان من قبل بحالة فنية وبدنية ومزاجية رائعة، وبالفعل ظهر صلاح أمام توتنهام في الجولة الـ32 من البريميرليغ بصورة أفضل كثيراً من قبل، رغم أنه أيضاً كان مصراً على تسجيل الأهداف وإنهاء الفرص لصالحه، وهذا شعور إيجابي بعد فترة الصيام الطويلة تلك، ولكنه كان مقبولاً نظراً لمجهوده وأدائه الكبير والمختلف.
والذي يؤكد رغبته في العودة من جديد لمستواه المعروف وإنهاء الموسم بأفضل شيء ممكن، وكان له ما أراد حيث ساهم في تحقيق الليفر لانتصار قاتل بالدقيقة 90 وأعاد آماله بشق الأنفس في مسابقة الدوري بعد أن كان في طريقه للتعادل بالمباراة، برأسية رائعة غالطت حارس المرمى واصطدمت في مدافع السبيرز لتسكن الشباك، وكأن القدر أراد أن ينصفه هذه المرة حتى ولو لم يحتسب الهدف لصالحه، ولكن الجماهير اعتبرته البطل، وتغنت باسمه وأغنيته الشهيرة عند خروجه في آخر المباراة لأكثر من دقيقة، كما نال صلاح أعلى تقييم في موقع Who Scored المتخصص في الإحصائيات حيث حصل على 7.53 أعلى من أي لاعب آخر في الفريقين.
لتبدأ أزمة وفترة الصيام الطويلة للنجم المصري في الانتهاء وربما تشهد قادم المباريات ذلك بشكل رسمي بعد أن احتسب هدف الفوز بشكل عكسي لألدرفيلد مدافع الفريق اللندني وليس لصلاح.