أكثر من 300 مليون دولار متداولة فيه ومدمنوه من الشباب خريجي الجامعات.. الرهان الإلكتروني يصل إلى مستويات قياسية في تونس

هذا ما يفعله أيمن منذ سنتين دون انقطاع، بعد أن تحولت لعبة الرهان الإلكتروني "بلانات وين" ( Planet win ) إلى خبزه اليوميّ وإدمان لم يستطع التخلي عنه.

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/19 الساعة 16:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/20 الساعة 07:10 بتوقيت غرينتش

يطلب من نادل المقهى المختص في الرهان الإلكتروني وضع التلفاز على قناة رياضيّة تبثٌ مباراة لفريقين مغمورين في كرة القدم، ويجلس على كرسيّ متهالك في الصفوف الأماميّة، عيناه مثبتتان على شاشة التلفاز في تركيز كبير، وهو يحتسي قهوته الباردة بيدين مرتعشتين تحملان قصاصة صغيرة تضم رموزاً وطلاسم، كأنه أمام أمر جللٍ سيغير حياته رأساً على عقب.

هذا ما يفعله أيمن منذ سنتين دون انقطاع، بعد أن تحولت لعبة المراهنات الإلكترونية "بلانات وين" (Planet win) إلى خبزه اليوميّ وإدمان لم يستطع التخلي عنه.

أيمن، البالغ 27 عاماً، حصل على شهادة جامعيّة في اللغة العربيّة منذ أربع سنوات، وهو اختصاص "صعب الإدماج في سوق الشغل، ما يجعل آفاق العمل أمامي محدودة"، وفق تعبيره.

ورغم غياب قوانين تنظمها فقد انتشرت لعبة "بلانات وين" بين الشباب التونسي بشكل كبير، خصوصاً أنّها باب للمراهنة على كل رياضات العالم بما في ذلك الرياضات الافتراضية.

اللعبة تديرها شركة SKS365 المالطية، التي تأسّست سنة 2009، وهي متوفّرة بثلاث عشرة لغة وتضمّ أكثر من مليون متراهن مسجل في قاعدة بياناتها. ويعتبر المدافع البرازيلي السابق روبيرتو كارلوس أحد أبرز سفراء علامتها التجارية.

رغم غياب قوانين تنظمها فقد انتشرت لعبة
رغم غياب قوانين تنظمها فقد انتشرت لعبة "بلانات وين" بين الشباب التونسي بشكل كبير /Social media

آفة تتغذّى من وضع اقتصادي صعب

بلغت نسبة البطالة في تونس 15.5 % خلال الثلث الثالث من سنة 2018، حسب إحصائيات رسمية للمعهد الوطني للإحصاء، وتعجز سوق الشغل عن استيعاب قسم كبير من الخريجين الجدد من الجامعات التونسية والبالغ عددهم قرابة الـ80 ألفاً سنويّاً.

وأشار صاحب محل للمراهنات الإلكترونية، في تصريح لموقع "عربي بوست"، أنّ قسماً كبيراً من  زبائنه "ذوو مستوى تعليمي عال ممن عجزوا عن إيجاد وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم".

واعترف أيمن أنّه ينفق معظم مصروفه اليومي على المراهنات أملاً في نسيان حالة الإحباط التي أصابته بسبب عجزه عن الحصول على عمل لائق يوفّر له دخلاً قاراً.

واعتبر عالم الاجتماع سامي نصر أنّ ثقافة الوهم والربح السريع لدى عدد من التونسيين مثلت حاضنة خصبة لتفشي ألعاب الرهان الإلكتروني في البلاد.

وأضاف المتحدث، في تصريح لموقع "عربي بوست" أنّ إدمان الشباب التونسي على المراهنة ساهم في بروز لوبيات تستغل وضعهم المادي المتدهور وتجعل الخروج من هذه المتاهة شديد الصعوبة.

المؤسسة الحكومية للرهان الرياضي تدق ناقوس الخطر

اعتبر الرئيس المدير العام لشركة النهوض بالرياضة (مؤسسة حكومية)، مكرم شوشان، أنّ لعبة "بلانات وين" جرثومة  تنخر الاقتصاد الوطني، لافتاً إلى أنها تكبد المؤسسة الحكومية خسائر مادية فادحة.

وشدد شوشان في تصريح لعربي بوست على أنّ النصوص القانونية واضحة وتقرّ أنّ نشاط الرهان الرياضي هو حصرياً للدولة عبر شركة النهوض بالرياضة، مؤكداً أن هذه الأخيرة اتخذت جملة من الإجراءات الردعية الصارمة في حق النقاط التابعة لها والتي تبين انخراطها في هذا الرهان غير القانوني.

تضخ السوق التونسية حوالي 800 مليون دينار تونسي (330 مليون دولار) في مجال القمار الإلكتروني / Social media
تضخ السوق التونسية حوالي 800 مليون دينار تونسي (330 مليون دولار) في مجال القمار الإلكتروني / Social media

وصنع عامل التطور التكنولوجي الذي يميز لعبة "البلانات وين" الفارق مع لعبة "البروموسبور" الحكومية، إذ تتميز اللعبة الأولى بكونها متوفرة للعب والمقامرة يومياً، مقابل اقتصار نظيرتها على مباريات آخر الأسبوع.

يُشار إلى أنّ شركة النهوض بالرياضة حققت مداخيل قياسية في 2014 ببلوغها ما يزيد على مائة مليون دينار (37 مليون دولار) من بينها أربعون مليون دينار (15 مليون دولار) للفائزين، إلا أنّ بروز لعبة "بلانات وين" بداية من سنة 2015 جعل أرقام الشركة تتراجع بشكل ملحوظ رغم محاولات تطوير اللعبة وإضافة مسابقات للرهان الإلكتروني تدعم القصاصات الورقية التي عُرفت بها الشركة الحكومية منذ تأسيسها سنة 1984.

وفشلت محاولات شركة النهوض بالرياضة في حجب موقع "بلانات وين" في ظلّ تعهدات حكومية باحترام حرية الإبحار على الإنترنت وعدم حجب المواقع التجارية التي لا علاقة لها بالإرهاب أو بتهديد أمن الدولة.

السلطات التونسيّة تحاول إيقاف النّزيف

أصدرت السلطات التونسية تعليمات إلى كافة المراكز الأمنية للتضييق على محلات "البلانات وين" التي يتخفّى أغلبها برخص محلات طباعة وألعاب فيديو، بعد أن تبين لوزارة المالية التونسية أنّ أموالاً طائلة بالعملات الأجنبية يقع تداولها في السوق السوداء دون مرورها بالمسالك القانونية.

وتحتل تونس المرتبة 33 من مجموع 247 دولة في الرهان الإلكتروني بنسبة تقدر بـ0.8 بالمائة من مجموع الأموال التي يُمارَس بها القمار، البالغ  حجمها ما يناهز الـ 50 مليار دولار.

وتضخ السوق التونسية حوالي 800 مليون دينار تونسي (330 مليون دولار) في مجال القمار الإلكتروني، وهو ما يعمّق الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها البلاد ويضعف احتياطي العملة الأجنبية لديها.

ويشكك مراقبون في قدرة السلطات على الحد من المراهنات "غير المقننة"، بعد العجز عن معالجة الأزمة منذ البداية، خصوصاً أنّ أطرافاً سياسية تتهم الحكومات المتعاقبة بغض النظر عن الظاهرة لإلهاء المواطنين عن الارتفاع الجنوني للأسعار وتدهور قدرتهم الشرائية إلى مستويات غير مسبوقة.

ويقترح عالم الاجتماع سامي نصر أنّ "الحل الجذري لمشكلة "الرهانات الإلكترونية" يمر عبر إنشاء مراكز "للثقافة الإلكترونية" لتوعية الشباب بالمخاطر المنجرّة عن هذه الممارسات، علاوة على إرشادهم إلى الطرق المثلى لاستعمال المواقع الإلكترونية بما يعود بالنّفع عليهم."

علامات:
تحميل المزيد