يبدو أنَّ قضية كريستيانو رونالدو والاغتصاب مرشحة لإحداث هزةً في عالم الرياضة: فاللاعب الفائز بجائزة أفضل لاعب في العالم "الكرة الذهبية" 5 مرات، وواحد من أفضل من لعبوا كرة القدم على مر التاريخ، يواجه اتهامات الاعتداء على عارضة الأزياء الأمريكية كاثرين مايورغا.
تُهدد مزاعم الشابة البالغة من العمر 34 عاماً، بإدخال رونالدو في دوامة قضائيةٍ طويلة لا تزال مآلاتها – حتى الآن – غير واضحة.
وبين الطيَّات الكثيرة والخيوط التي تتشكل منها هذه القضية، يبرز بيت القصيد: يواجه لاعب نادي يوفنتوس الإيطالي والمنتخب البرتغالي دعوى مقدمةً ضده من كاثرين – وهي مواطنة أميركية من ولاية نيفادا – التي تزعم أنَّه اعتدى عليها جنسياً في أحد فنادق لاس فيغاس في 2009، ثم أرسل فريقاً من "الوسطاء" من أجل عرقلة التحقيقات الجنائية والتلاعب بها كي تبقى صامتةً مقابل 375 ألف دولار.
رونالدو نفى هذه المزاعم، وأصر على أنَّ "ضميره مرتاح"، لكن القضية تسببت في اهتزاز الأرض تحت أقدام النجم العالمي. فقد قالت شركة Nike للمنتجات الرياضية – وهي أحد أكبر رعاة رونالدو، إنَّها "قلقة للغاية" من هذه الاتهامات -، فيما شهدت أسهم نادي يوفنتوس انخفاضاً حاداً في أعقاب المزاعم.
ولكن ما الذي نعرفه حتى الآن؟ وما الذي نواجهه؟ وإلى أين ستمضي هذه القضية على وجه التحديد؟ وما الذي ينتظر رونالدو؟
نستعرض فيما يلي تحقيقاً أجرته صحيفة The Independent البريطانية عن الموضوع:
ما الذي نعرفه عن قضية رونالدو والاغتصاب؟
اتهمت كاثرين مايورغا (34 عاماً)، رونالدو باغتصابها في جناح بنتهاوس بفندق Palms Casino Resort في يونيو/حزيران 2009، بعد فترةٍ وجيزةٍ من لقائهما في ملهى ليلي. في ذلك الوقت، كان اللاعب البرتغالي انتقل لتوّه من مانشستر يونايتد الإنكليزي إلى ريال مدريد الإسباني مقابل 80 مليون جنيه إسترليني (104.8 مليون دولار)، ليصير آنذاك أغلى لاعب في العالم.
بعد أن ظلت صامتة لما يقرب من عقدٍ كامل، خرجت كاثرين لتعلن عن قصتها ورفعت في سبتمبر/أيلول 2018 دعوى قضائية ضد اللاعب البالغ من العمر 33 عاماً.
يسعى الفريق القانوني لمايورغا أيضاً إلى إبطال اتفاقٍ بعدم الإفصاح يعود إلى العام 2010 وقَّعته الفتاة ضمن تسوية مالية مع اللاعب خارج إطار القضاء. وفي مؤتمرٍ صحافيٍ عُقد مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018 عن قضية رونالدو والاغتصاب، كشف محاموها، أنَّه وفقاً لرأي الطبيب النفسي، فالإصابات النفسية التي لحقت بها جعلتها "عاجزة" عن إبداء الموافقة قانونيًا على هذه التسوية آنذاك.
تضيف الدعوى القضائية أنَّ مايورغا تعرضت للتلاعب ولضغوطٍ من جانب "وسطاء" رونالدو لقبول التسوية في 2010، التي حصلت بموجبها الفتاة الأميركية على 375 ألف دولار. أقر محامي رونالدو بوجود هذه التسوية، لكنه قال إنَّها "ليست بأي شكلٍ من الأشكال إقراراً بالذنب".
وقالت الشرطة في لاس فيغاس أيضاً إنَّها أعادت فتح التحقيقات في الاعتداء المزعوم، الذي يعود إلى العام 2009.
من هي كاثرين مايورغا؟
كانت الفتاة الأميركية تبلغ من العمر 25 عاماً عندما تعرضت للاغتصاب – حسب زعمها -، وكانت عارضة أزياء في بداية حياتها المهنية، حسب مجلة Der Spiegel الألمانية، التي أوضحت أيضاً أنَّ "أحد الأعمال التي مارستها (كاثرين) آنذاك كان الوقوف مع شابات جميلات أخريات أمام الحانات لإغواء الزبائن".
وكانت الفتاة تعمل قبل أن تقابل اللاعب البرتغالي، ثم ذهبت بعد ذلك للاحتفال في ملهى Rain عندما التقته هناك.
حتى فترة قريبة، كانت كاثرين تعمل معلمة في مدرسة ابتدائية. لكنها استقالت، وقالت إنَّ ذلك حدث "لأنَّني أحتاج إلى كل طاقتي الآن".
وفي الوقت الحالي، لا يُعرَّف مكانٌ محدد لها، ومن المتوقع أنَّها غادرت نيفادا لتتجنب تسليط وسائل الإعلام الضوء المكثف عليها.
يمثل كاثرين مكتب محاماة Stovall & Associates، ومقره لاس فيغاس الأميركية.
حسناً، ماذا يقول محامو كريستيانو رونالدو؟
قال رونالدو في تغريدة له على تويتر هذا الشهر، "إنني أنكر بشدة الاتهامات الموجهة لي. فالاغتصاب جريمة بغيضة تتعارض مع كل شيء أؤمن به. بقدر ما أود أن أخلي مسؤوليتي، أرفض تكهنات ساقتها وسائل إعلام نقلاً عن أشخاص يسعون للترويج لأنفسهم على حسابي. سأنتظر بضمير مرتاح نتائج جميع التحقيقات وأياً منها".
I firmly deny the accusations being issued against me. Rape is an abominable crime that goes against everything that I am and believe in. Keen as I may be to clear my name, I refuse to feed the media spectacle created by people seeking to promote themselves at my expense.
— Cristiano Ronaldo (@Cristiano) October 3, 2018
وقال بيتر كريستيانسن، محامي رونالدو، أيضاً إنَّ الوثائق التي تثبت مزاعم مايورغا بحدوث اغتصاب جرى تغييرها. وأوضح كريستيانسن الأسبوع الماضي أنَّ "الوثائق التي يُزعم أنَّها تحتوي على تصريحات من كريستيانو رونالدو وأُعيد صياغتها في وسائل الإعلام ليست إلا محض تلفيقات. ما حدث في 2009 في لاس فيغاس كان بالتراضي تماماً".
ماذا عن موقف يوفنتوس الإيطالي؟
عبَّر النادي الإيطالي في قضية رونالدو والاغتصاب عن دعمه القوي للاعب. ففي بيان صادر عبر تويتر، قال النادي: "أظهر رونالدو في الأشهر الأخيرة احترافيته وتفانيه العظيمين، وهو ما يقدره الجميع في يوفنتوس".
وأضاف البيان، "الوقائع التي يُزعم أنَّها حدثت قبل عشرة أعوام تقريباً لا تغير هذا الرأي، وهو ما يتشارك فيه أي شخص تعامل مع هذا البطل العظيم".
.@Cristiano Ronaldo has shown in recent months his great professionalism and dedication, which is appreciated by everyone at Juventus. 1/1
— JuventusFC (@juventusfcen) October 4, 2018
كيف تصرّف رعاة كريستيانو رونالدو؟
حتى هذه اللحظة، لم يقطع أي من شركاء اللاعب ورعاته العلاقات التي تربطهم به. غير أنَّ ذلك لم يمنعهم عن التعبير عن قلقهم من هذه المزاعم.
كانت منظمة "Save the Children أنقذوا الأطفال"، التي أصبح رونالدو سفيراً لها في 2016، أولى الشركاء والرعاة الذين يتحدثون علناً حول الاتهامات. وقالت المنظمة الخيرية في تصريحات إلى صحيفة The Independent البريطانية، "نشعر بخيبة أمل من التقرير الإخباري الذي شاهدناه ونعمل من أجل الحصول على مزيدٍ من المعلومات".
أما شركة Nike فقد قالت هي الأخرى إنَّها تشعر "بقلقٍ عميقٍ من المزاعم المزعجة وسوف تستمر في مراقبة الموقف عن كثب"، فيما قالت شركة الألعاب الإلكترونية EA Sports، التي تُظهر رونالدو بقوة في نسختها من ألعاب الفيديو Fifa 19، إنَّها "تتوقع من الرياضيين والسفراء الذين ترعاهم أن يتصرفون بطريقة متسقة مع مبادئ شركة EA".
فيما قال الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لصحيفة The Independent البريطانية، إنَّه يراقب موقف اللاعب.
وقالت شركة DAZN، وهي أحد الرعاة الآخرين لرونالدو، "نتعامل مع المزاعم من هذه النوعية بجدية كبيرة، ونواصل مراقبة الموقف عن كثب".
هل تغيّر شيء منذ العام 2017؟
في أبريل/نيسان 2017، نشرت مجلة Der Spiegel تقريراً بعنوان "سر كريستيانو رونالدو"، ذكر تفاصيل مزاعم اغتصابٍ ضد لاعب كرة القدم. فيما عدا أنَّ الصحيفة لم تذكر في ذلك التقرير اسم كاثرين مايورغا، بأنَّها هي التي تتهم رونالدو.
ونظراً إلى أنَّها لم تكن متأهبة بعد لطرح قصتها، إضافة إلى خوفها من القوة التي يفرضها اسم رونالدو، نأت الفتاة الأميركية بنفسها عن التقرير. وفي الوقت الذي استمر فيه سطوع نجم كرة القدم فوق المستطيل الأخضر، سيما بعد فوزه ببطولة دوري أبطال أوروبا في 2017، ذهبت الاتهامات نتيجة لذلك أدراج الرياح.
غير أنَّها قصة مختلفة في الوقت الحالي. على عكس ما حدث في 2017، إذ مضت كاثرين قدماً الآن في عرض قصتها، وذكرت أنَّ صعود حركة MeToo كان أحد الأسباب التي جعلتها تُقدم على ذلك.
كما أنَّ محامية الفتاة رفعت دعوى قضائية ضد اللاعب البرتغالي، وفي الوقت ذاته أعادت الشرطة فتح تحقيقها الذي بدأ في 2009 حول قضية الاعتداء الجنسي المزعوم. ومع العمق الذي تتسم به هذه القصة، والأبعاد القانونية التي اتخذتها، فليس هناك سوى احتمال ضئيل في أن تصبح غير ذات صلة.
ما التوقع للقضية على الصعيد القانوني؟
تشير كل الاحتمالات في قصة رونالدو ولاغتصاب إلى معركة قضائية كبيرة ومطوَّلة.
حسبما يتضح، فاتفاقية عدم الإفصاح التي وَقَّعَتها مايورغا في العام 2010 تُضعف موقفها في القضية. بموجب هذه الاتفاقية – حسبما سيزعم محامو رونالدو – تنازلت الفتاة الأميركية حسب نصوص العقد عن شكواها ضد اللاعب. وإذا أرادت مايورغا لدعواها القضائية أن تمضي في طريقها، ستحتاج قبل ذلك إلى إقناع محكمة لاس فيغاس بإبطال التسوية.
نقلت صحيفة The Independent البريطانية عن نائب عميد كلية الحقوق بجامعة نيو هامبشير والمحلل القانوني لمجلة Sports Illustrated مايكل ماكان، "بالرغم من ذلك، يُعْتَدُّ بالتسويات في المعتاد، في ظل غياب سبب مقنع لرفضها".
تتردد المحاكم لعدة أسباب في مسألة إبطال التسويات، ما يمكن استيضاحه من التقييم القانوني الذي أوضحه المحامي ماكان حول هذه القضية. فمن المؤكد أنَّه إذا كان من السهل إبطالها، لن توافق الأطراف المتورطة في معركة قضائية على مثل هذه التسويات في المقام الأول.
بالرغم من أنَّ مايورغا تواجه عقبة قانونية كبيرة من هذا المنطلق، تتضمن دعواها القضائية عدداً من المبررات التي تُجيز إبطال هذه التسوية، حسبما أوضح ماكان.
وأضاف، "المبرر الأول الذي تذكره مايورغا هو عجزها عن إبرام عقدٍ ملزمٍ (وهي في هذه الحالة). أما المبرر الثاني… فهو أنَّها خضعت لتأثيرٍ وإكراه (لإبرامه). فيما يتمثل المبرر الثالث في إدعائها بأنَّ رونالدو توصل إلى التسوية بطريقةٍ احتيالية".
ومن الطبيعي أن يطعن محامو رونالدو على كل مبررٍ من هذه المبررات، وسيجادلون بأنَّ مايورغا كانت قادرة تماماً على استيعاب بنود الاتفاقية التي وَقَّعَت عليها في 2010، وفي الوقت ذاته سوف يصرون على أنَّهم كانوا مجبرين على اتباع استراتيجيات يستفيد منها موكلهم في هذا الوقت.
تزعم الدعوى القضائية التي تقدمت بها الفتاة الأميركية أيضاً أنَّها معفيةٌ من التسوية لأنَّ رونالدو نفسه انتهكها. إذ جرى الاتفاق ضمن بنود تسوية عدم الإفصاح التي وُقِّعت في 2010 على أنَّ اللاعب سيقرأ خطاباً مُرسلاً من مايورغا ليوضح بالتفصيل الصدمات النفسية والعاطفية التي تعرضت لها في أعقاب الاغتصاب المزعوم. لم يُثبُت بعد ما إذا كان رونالدو قد قرأ هذا الخطاب أم لا، وهو شيء يمكن أن تقرره المحكمة.
كم المدة المتوقعة للإجراء القضائي؟
قال المحامي ماكان، "في الأسابيع القادمة، سيرد محامو رونالدو على الشكوى وسينكرون بالتأكيد أثناء ردهم المزاعم الأساسية (بالدعوى). وبعد ذلك، سيستمر الإجراء القضائي وسيجادل محامو رونالدو بأنَّ القضية ينبغي أن تُرفض".
وأوضح ماكان أنَّ القضية قد تستغرق شهوراً بل وسنوات من أجل الوصول إلى قرار، حول ما إذا كان سيجري إبطال التسوية أم التصديق عليها.
إذا أُبطلت التسوية، ستمضي الدعوى القضائية التي تقدمت بها مايورغا وسيجري بحث التفاصيل الإضافية التي ترويها. يمكن أن يستغرق هذا أيضاً شهوراً، نظراً إلى أنَّ كلا الطرفين يُطلب منه تقديم أدلة والإدلاء بشهادته.
ماذا عن التحقيق الذي فتحته الشرطة؟
حسبما يقول ماكان عن قضية رونالدو والاغتصاب، يتمثل القلق الأكبر للاعب البرتغالي في ما إذا كانت شرطة لاس فيغاس ستوجه إليه اتهامات بارتكابه جريمة الاغتصاب من عدمه. وإذا حدث هذا – وعلينا إدراك أنَّ "إذا" هنا ليست هيِّنة – يمكن أن تطالب السلطات الأميركية بتسليم اللاعب.
يعتقد ماكان أنَّ احتمالية توجيه اتهامٍ إليه بارتكاب تهمة حدثت في 2009 يبدو ضعيفاً للغاية. ونظراً إلى أنَّ 9 سنوات مرت منذ حدوث الاغتصاب المزعوم، فالأدلة وما يتذكره الشهود لا يُرجَّح أن يكون مقنعاً بنفس قدر الإقناع إذا وُجِّهت الاتهامات بعد وقوع الحادث مباشرة، حسبما يقول ماكان.
إضافةً إلى أنَّ حقيقة أنَّ الشرطة لم تحقق في مزاعم كاثرين في 2009، تشير إلى احتمالية وجود عناصر في روايتها لا تتماشى مع مزاعمها، وهو أمرٌ يُمكن أن يضعف موقفها في المحكمة نتيجة لذلك، حسب تفسير المحلل القانوني.
ومع ذلك، قد يكون ثمة أسباب لتثير قلق رونالدو وفريقه القانوني، حسب رأي ماكان. يشير الحس الذي ينتاب شرطة لاس فيغاس بوجود مبرر لإعادة فتح التحقيقات في قضية حدثت في 2009، إلى أنَّهم يتابعون المعلومات التي أدلت بها مايورغا وربما يشير أيضاً إلى أنَّهم توصلوا إلى دليلٍ جديد.
فماذا يمكن أن يكون هذا الدليل؟ في اللحظة الحالية، لا نعلم ماهية الدليل. لكن في ظل مزاعم مجلة Der Spiegel بأنَّها تملك الوثائق التي تدين رونالدو، والتي يعترف فيها باغتصاب كاثرين، يوجد فرصةٌ بأنَّ تكون المجلة الألمانية قد سلَّمت هذه الوثائق إلى السلطات المعنية.
وسواءٌ كان محققو الشرطة وأي محكمة قادرين على استخدام هذه المادة أم لا – في ظل حصول المجلة الألمانية على هذه الوثائق من خلال موقع Football Leaks، واحتمالية انتهاك الامتياز بين المحامي والموكل – فإنَّ هذه المسألة تضيف تعقيداً آخر إلى هذه القضية.
كيف سيتأثر اللاعب البرتغالي؟
قال ماكان لصحيفة The Independent إنَّه "يمكن أن يكون لرونالدو أفضلية فيما يتعلق بالتعاون (مع الشرطة) لأنَّه لا يمكن إجباره على القدوم إلى لاس فيغاس في هذه المرحلة. وإذا كان سيتعاون، فيمكن أن يوافق فقط على فعل ذلك من خلال مكالمة عبر الفيديو أو من خلال الإجابة على الأسئلة كتابةً. وقد يكون أيضاً عازماً على المشاركة بالأدلة الإلكترونية".
وختم حول قضية كريستيانو رونالدو والاغتصاب، "إذا لم يتعاون، قد تستخلص الشرطة أن عدم تعاونه يحمل استدلالاً سلبياً. لا يعني ذلك أنَّه من الممكن توجيه اتهام إليه (بسبب هذا)، لكن عدم التعاون يمكن أن يجعل سلطات إنفاذ القانون أكثر تشككاً في الشخص".