يجمع الرئيس المكسيكي المُنتَخب حشوداً ضخمة أينما ذهب، لكنَّ الأمر اختلف عندما مرَّ صباح الإثنين 17 سبتمبر/أيلول، عبر مدينة كولياكان المكسيكية.
ففي اليوم ذاته، كان فيرناندو فالنزويلا، أحد أساطير الفريق المكسيكي للبيسبول، ينعم بالهدوء أثناء تناول وجبة الغداء برفقة زملائِه لاعبي البيسبول المعتزلين في أحد الفنادق.
لكن ما طغى على اهتمام الصحافيين ومراسلي التلفزيون الذين اجتمعوا في ردهة الفندق هو حضور الرجل الأرجنتيني القصير الممتلئ الأعرج، ذي الـ57 عاماً، الذي تزين وجهه لحية خفيفة، والذي لم يخرج تقريباً من جناحه بالطابق السابع في الفندق منذ أسبوع.
لقد حضر أيقونة كرة القدم العالمية دييغو أرماندو مارادونا إلى مدينة كولياكان، التي تعد موطن تجارة المخدرات في المكسيك، لتدريب فريق دورادو، الذي يحتل المركز الثالث عشر، من خمسة عشر فريقاً، في دوري القسم الثاني المكسيكي، ولم يفُز في أول 6 مبارياتٍ له.
حدث الكثير في مسيرة مارادونا ما بعد اعتزاله، كإدمانه للمخدرات، وزيادة وزنه وإنقاصه، بالإضافة إلى صداقته مع دكتاتوريين يساريين، إضافة إلى أزماته المالية. وهذا الصيف فاجأ الجميع بواقعة رفعه لإصبعه الأوسط في كأس العالم بروسيا، على نحو كاد يتسبب في نفاد حبر صحف الفضائح العالمية.
لكنَّه ما زال قادراً على مفاجأتنا، بوصوله الآن لتدريب فريقٍ مغمور في هذه المدينة المشهورة بتجارة المخدرات وأحداث العنف.
وقال فاوستو كاستانوس، الذي عمل في تغطية الأحداث الرياضية بكولياكان لأربعة عقود: "إنَّه من أفضل لاعبي كرة القدم في كل العصور، هو وبيليه. لكن كيف يأتي لتدريب فريق بدوري الدرجة الثانية في مدينة كولياكان؟".
بالنسبة إلى الغرباء، اشتهرت مدينة كولياكان منذ فترةٍ طويلة بأنَّها عاصمة ولاية سينالوا في المحيط الهادئ، ومعقل صناعة الأفيون والماريغوانا في المكسيك، وموقع كارتل المخدرات الذي يقوده خواكين غوزمان، الشهير بـ "إل تشابو".
غوزمان محتجز في السجن الفيدرالي بنيويورك، في انتظار المحاكمة بتهمة الجريمة المنظمة، لكنَّ النزاع بين خلفائه أدى إلى ارتفاع عدد القتلى في جميع أنحاء البلاد.
والعام الماضي، شهدت المكسيك جرائم قتل أكثر من أي وقتٍ مضى في تاريخها الحديث، وظهر ألم هذا العنف بطريقةٍ غير مباشرة في رد الفعل المحلي تجاه وصول مارادونا. فبينما تجمهر مئات المشجعين عند وصول مارادونا إلى مطار كولياكان هذا الشهر، وتدفقت الحشود إلى الملعب مرتديةً قميصه رقم 10 في أول مباراةٍ له، مساء الإثنين 17 سبتمبر/أيلول، شعر الكثيرون غيرهم بالإحباط من الاحتفال برجل لديه علاقةٌ بالمخدرات، حتى لو كانت بسيطةً.
إذ قال مراسل إذاعة سينالوا المحلية، كريستيان بارسيلو، الذي جلس في مقاعد الصحافيين أثناء المباراة: "يقول الناس إنَّهم لا يريدون مارادونا، والسبب هو المخدرات".
خورخي هانك رون المقامر، العمدة السابق لولاية تيخوانا الذي يمتلك نادي دورادو ونادي تيخوانا لكرة القدم، هو من أحضر مارادونا إلى المدينة. واجه هانك منذ فترةٍ طويلة شائعاتٍ لم تثبت صحتها بخصوص علاقته بالجريمة المنظمة. وأُلقي القبض عليه بتهمة حيازة أسلحة، بعد أن عثرت غارة على منزله على 88 بندقية عام 2011، لكنَّ تلك التُّهم أُسقِطَت لاحقاً.
يشتهر خورخي بذوقه الصارخ، حيثُ يحتفظ بجمالٍ ونمورٍ بنغالية بيضاء في حديقة حيوانات خاصة به، وكان يمتلك سترة مصنوعة من جلد كلب. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، اتُّهِمَ بغسيل الأموال وتهريب أنياب الأفيال، لكنه نفى وجود أي صلةٍ تجمعه بالجريمة المنظمة.
موافقة مارادونا على تدريب فريق كرة قدم محلي فاشل، كان آخر أفعاله الطائشة. ولم يكشف الفريق عن تفاصيل عقد مارادونا، لكنَّ التقارير الإخبارية المحلية قدرت قيمة عقده بـ150 ألف دولار في الشهر.
وعلق النجم السابق لمنتخب المكسيك، الذي لعب من قبل لفريق دورادو، غاريد بورغيتي، على راتب الأسطورة الأرجنتينية قائلاً: "الحصول على خدمات مارادونا يُكلف الكثير".
ويمتلك مارادونا علاقةً خاصة بالمكسيك، فهو المكان الذي حقق فيه أعظم إنجازاته كلاعب. إذ كان كابتن الفريق الأرجنتيني الذي فاز بكأس العالم في المكسيك عام 1986، وسجل هدفين من أشهر الأهداف في تاريخ الرياضة، يشتهر أحدهما باسم "يد الإله"، بعد أن ضرب الكرة بيده في الشباك في المباراة النهائية ذاتها ضد إنكلترا.
ويقول بورغيتي: "بقدوم مارادونا إلى المكسيك فإنَّه يُثير هذه الذكريات في النفوس".
لم يمر الأسبوع الأول لمارادونا في المدينة دون جدل، إذ هبط في مطار كولياكان مع المدير الرياضي كريستيان براغارنيك، الذي عمل من قبل مع فريقٍ مكسيكي آخر يملكه رجالٌ مطلوبون على قوائم إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة. ونفى براغارنيك أي صلاتٍ بعمليات تهريب المخدرات.
وظهرت قصصٌ أخرى في وسائل الإعلام المحلية حول مطالِب مارادونا المُبالغ فيها، مثل الرغبة في منزلٍ مع شاطئ خاص، وسفر الفريق للمباريات خارج ملعبه بطائرةٍ خاصة. ولم يُعقب مسؤولو النادي على الأمر.
وأعرب مارادونا في أول مؤتمر صحافي له بولاية سينالوا عن ندمه على تعاطي المخدرات، وامتنانه للحصول على فرصةٍ للتدريب في كولياكان. وقال إنَّ تعاطي المخدرات "كان خطوةً إلى الوراء، وما يتعين على لاعبي كرة القدم فعله هو المُضي قدماً".
وقال: "لقد ارتكبتُ الكثير من الأخطاء في حياتي، لكنِّي أتحمل هذه المسؤولية كمن يحمل طفلاً على ذراعيه".
حتى إنَّ برنامج الفريق الرسمي لمباراة مارادونا الأولى تأثَّر بماضيه، فقد جاء فيه: "الآن، بعد سنواتٍ عديدة، وبعد أن ألقت الحياة بثقلها على كاهله، قال مارادونا إنَّه يريد في النهاية أن ينعم بالسلام والهدوء، وترك خلفه إدمانه وأمراضه، وكرّس نفسه إلى الأبد للعمل كما يرضي الرب".
عندما حانت المباراة ليلة الإثنين، بدت الراحة على وجوه مشجعي دورادوس. ودخل مارادونا الملعب في ظل تصفيقٍ حار، ثم ارتمى على مقاعد البدلاء.
وبعد شوطٍ أول فاتر ضد فريق كافيتاليروس من ولاية تشاباس، الذي يحتل المركز الأخير، اشتعلت الأجواء في دورادوس بعد الثلاثية التي أحرزها فينيسيو أنغولو، الذي كان يرتدي القميص رقم 10 مثل مارادونا.
حقَّق دورادوس أول انتصار له بأربعة أهدافٍ لهدف، وعانق مارادونا أنغولو مقبلاً إياه على خده.
وقال إيفرين أنغولو (54 سنة)، مُعلِّم المدرسة الابتدائية الذي كان ينتظر رد فعل مارادونا بعد المباراة: "إنَّه غريب الأطوار، ونظراً لكل تجاوزاته، فهو لا يمثِّل القدوة الأفضل التي يُمكن لنا الحصول عليها، لكن كرياضي، لا بد من احترامه. إنَّه أحد أفضل الرياضيين على الإطلاق".
وأضاف: "وإذا حصد الانتصارات هنا، فالأمر سيصبح أفضل وأفضل".
ربما احتفل مارادونا ليلة الإثنين بفوزه الأول، لكنَّه في صباح اليوم التالي، كان يجلس في مطعم فندق لوسيرنا في الساعة 7:30 صباحاً.
وعلى شاشات التلفزيون المثبتة على الحائط، عرضت شبكة CNN التلفزيونية خبراً عن أكثر من 100 جثة، اكتُشِفَت في مقطورة في مدينة مكسيكية أخرى، بعد أن امتلأت المشرحة المحلية بسبب قتلى حروب المخدرات.