في كرة القدم المصرية يدور كل شيء في فلك "الأهلي"، إن فاز فهذا هو الوضع الطبيعي والمعتاد، وإن خسر فهذا بسبب أنه لم يكن في أفضل أحواله. الأهلي يخسر لكن الآخرين لا يفوزون، هذا هو التفسير المنطقي لفوز الأهلي بـ40 لقباً من أصل 59 بطولة.
لكن دخل على الخط الآن من يُنافسه أو يشكل تهديداً حقيقياً لهذه الزعامة والهيمنة، إنه نادي "بيراميدز"، الذي نجح في عقد عدة انتدابات كبيرة والإنفاق بقوة، بل وتحقيق عقود رعاية تاريخية وكبيرة.
هذا إن دلَّ على شيء يدل على أن كرة القدم المصرية تتجه نحو عهد جديد، أو ربما إعادة تشكيل لخارطة الكرة المصرية.
وحش غير تقليدي
كان العرض القديم متداعياً تماماً، آيلاً للانهيار في أية لحظة، لكنه كان يحتاج لمن يهدمه، لمن يغلق المسرح ويؤسس مسرحاً جديداً. هنا يظهر "الوحش الجديد"، الرجل الذي سيضحي بصورته عند الجماهير، ويوافق أن يظهر في دور الشرير، من أجل رسم البسمة على شفاه المتفرجين. لكن هذا الوحش لا يظهر كما تصوره هوليوود، فليس له مخالب أو أنياب، وليس بمفتول العضلات الذي يضرب الضعفاء، كما أنه معدوم القرون، وغير قادر على إخراج اللهب من فمه، ولا يتمتع بأي شيء خارق على الإطلاق سوى احتكامه إلى كمية لا منتهية من الأموال.
يفتح الباب، ثم يبدأ "الشرير" في الظهور رويداً رويداً، قصير بشكل ملحوظ، تسبقه رائحة عطر شديدة النفاذية، ربما تكون مسكاً أصليّاً، ويتقدَّمه بطن ممتلئ بشكل واضح ينم عن حسن تغذية، لا يرتدي الجينز وإنما عباءة ناصعة البياض، مع غترة تغطي الرأس وتتدلى على ظهره، مع صندل بنيّ اللون، يبدو أنه صنع من جلد ثعبان نادر، وتغطي وجنتيه لحية متوسطة الطول، ثم يدور المخرج بالكاميرا لينقل لنا باقي أعضاء "العصابة" التي ستثري العرض الجديد.
شهادة ميلاد ثمنها 90 مليون جنيه
90 مليون جنيه هي الثمن الذي كلف أرصدة المستشار تركي آل الشيخ، أحد الرعاة الأساسيين للعرض للقديم وأحد أبطال العرض الجديد، لشراء نادي الأسيوطي من الحاج محمد الأسيوطي، ومن ثم تغيير اسمه إلى "بيراميدز"، لتستخرج شهادة ميلاده الجديدة مع شهادة وفاة نادي "الأسيوطي".
ولأن الكل له دور في هذا العرض الكبير، خرج المستشار القانوني لنادي الأسيوطي في تصريحات تملؤها الثقة والحماس معلناً أن عملية بيع النادي وتغيير اسمه هي تجربة استثمارية رائدة، تحاكي وتحاول نقل تجربة مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان إلى كرة القدم المصرية.
الآباء المؤسسون
فندق شهير في قلب القاهرة، ومؤتمر صحفي كبير، هكذا أعلن نادي "بيراميدز" عن هيكله الإداري والفني، لنجد المدير الفني السابق للنادي الأهلي حسام البدري في دور "الأب الكبير" شاغلاً منصب رئيس جهاز العمل في النادي، أي أنه المسؤول الأول عن النادي.
ثم تنصيب القائد التاريخي للمنتخب المصري أحمد حسن مقاليد الإشراف على قطاع كرة القدم بأكمله، والحديث باسم المولود الجديد.
تتوالى المفاجآت، وينكشف الستار عن القائد السابق للنادي الأهلي هادي خشبة، الذي سيعمل مديراً للكرة في الفريق الأول للنادي، في إعلان أن ما تفرّقه السياسة تجمعه الـ "بيراميدز".
خبير أجنبي
لمصداقية أعلى وضمان بيع أكبر عدد ممكن من تذاكر العرض، كان لا بد من الاستعانة بالخبراء، أو بمن يطلق عليهم في عالم السياسة بـ "التكنوقراط" ويا حبذا لو كانوا أجانب لا يتحدثون لغة الجماهير، لضمان عدم فهم أي شيء على الإطلاق، والاكتفاء بالاندهاش والتصفيق.
لأن سعادة المستشار تركي آل الشيخ لا يريد أن تصاب الجماهير بالملل، أو أن تترك العرض في وقت مبكر، جلب لهم رجلاً من القارة الجنوبية، حيث كرة الساحرة الممتعة، ومن البرازيل تحديداً. وهو المدرب الشاب ألبيرتو فالنتيم، الذي يشغل منصب المدير الفني لفريق كرة القدم.
المدرب يبلغ من العمر 43 عاماً، كان لاعباً سابقاً في مركز الظهير الأيمن، وزامل نجم الكرة المصرية حازم إمام في نادي أودينيزي الإيطالي.
بدأ مسيرته التدريبية كمساعد قبل أن يقود نادي بالميراس البرازيلي بشكل مؤقت، وخاض 3 مباريات فقط، حيث حقق الفوز في مباراتين وتعادل في مباراة واحدة.
وفي عام 2017، تولَّى أيضاً مسؤولية المدير الفني المؤقت لنادي بالميراس، وخاض معه 11 مباراة، فاز في 6 مباريات وتعادل في مواجهة يتيمة، وخسر في 4 مباريات.
آخر تجارب "الخبير الصغير" كانت خلال الموسم الماضي، بعدما قاد بوتافوغو البرازيلي، خاض معه 25 مباراة نجح في الفوز بـ11 منها، وتعادل في 7 مباريات وتعرض للهزيمة في 7.
كان المدرب البرازيلي قريباً من تدريب النصر السعودي، قبل أن يتم التعاقد معه لتدريب النادي المصري الثري.
فيلسوف كرويّ
هو أحد فلاسفة كرة القدم في القرن الـ21، ريكاردو لافولبي، الذي تظل لحظة تتويجه بكأس العالم 1978 أعظم إنجازاته كلاعب، حتى وإن كان قد شاهد البطولة بأكملها من على مقاعد البدلاء كحارس مرمى ثالث.
لافولبي الملقَّب بـ "El Bigoton" بسبب شاربه الضخم ذي اللمحة الكلاسيكية، لديه أيضاً ذوق مميز ومختلف في ارتدائه للملابس، التي يبدو أغلبها غير متناسق بالمرة، وستشاهد الكثير من الصور له وهو يُدخن، وينفخ دخان سيجارته بعصبية كلما أدى اللاعبون بشكل سيئ.
ويحظى لافولبي بشعبية كبيرة في المكسيك، لكنها شعبية لا تخلو من جدل، حيث كانت مسيرته هناك مرتبطة دائماً بالتصريحات المثيرة والعداوات، ولهذا ربما لم يجد تركي آل الشيخ أفضل منه ليتولى منصب المستشار الفني للنادي، إذ إنه يصعب تصديق أن المستشار الصغير يعرف شيئاً ما عن فلسفة لافولبي الكروية، وفلسفة الاستحواذ وبناء اللعب من الخلف إلى الأمام، والضغط العكسي السريع، وغيرها من أفكار لافولبي التي نجدها كماركة مسجلة في تكتيكات الكرة باسم Lavolpismo، والتي سار عليها العديد من المدربين من بعده، أمثال بيب غوارديولا، وهي تعتمد في تكوينها على اتباع طريقة 5-3-2 التي تتحول إلى 3-5-2، مع التعويل على أظهرة هجومية.
عرض جديد على وشك الإنطلاق
ملَّت الجماهير من العرض القديم، حيث يقوم البطل الأوحد وهو النادي الأهلي بضرب الأشرار بلا هوادة ولا رحمة، دون أن يصاب بخدش، أو أن يخسر مباراة، لدرجة أن الجماهير بدأت في إبداء الحزن والاكتئاب عندما يتعادل البطل في مباراة واحدة! أو لا قدر الله خسر النقاط الثلاث!
دخول بيراميدز إلى العرض يعلن انتهاء ووفاة العرض القديم، الذي لم يعد صالحاً للتسويق، ولم تعد الجماهير راغبة في حضور فصوله، التي يفوز فيها ناد واحد بـ9 بطولات دوري في آخر 10 مواسم.
أدرك المستشار تركي آل الشيخ حالة الملل التي ضربت الجماهير والمشاهدين الكرويين في مصر، فقرَّر بدء عرض جديد، بسيناريو جديد نهايته غير معلومة. عرض حماسي ومشوق، وعرض كهذا كان يحتاج إلى ممثلين محترفين بالتأكيد، لذلك قرَّر جلب 4 لاعبين برازيليين قادرين على إبهار الجماهير وإجبارهم على التصفيق. ولأنه قد ملَّ من البقاء في الكواليس والاكتفاء بدور الممول، قام باقتحام المسرح وتقديم نفسه كبطل جديد، بعدما لم يجد من هو قادر على ملء الفراغ على الساحة.