بعد مرور سنتين على نهائي كأس أوروبا 2016 الذي خسرته فرنسا، يستعد منتخب "الديوك" لخوض نهائي كأس العالم 2018 في روسيا الأحد 15 يوليو/حزيران.
وتمثل المباراة فرصةً جديدةً لرجال المدرب ديدييه ديشان من أجل إضافة لقب جديد لخزينة فرنسا. وتبدو المؤشرات واعدة، حيث يعد المنتخب الأزرق الأوفر حظاً في هذه المواجهة ضد كرواتيا.
وفيما يلي بيان للأسباب التي تفسر ذلك، نقلاً عن صحيفة France Football الفرنسية:
اللاعبون تعلموا من الدروس السابقة
تقول الحكمة إن "ما لا يقتلك، يجعلك أقوى"، ويقال أيضاً إنه يمكن الاستفادة من الفشل واستخلاص العبر منه.
يمكن أن نحيل إلى كل هذه العبارات الرائجة اليوم، ونحن نعود بالذاكرة إلى الخيبة التي مني بها منتخب فرنسا في "يورو 2016″، لكن الأمر المؤكد يكمن في أن ذلك النهائي الذي عرف فيه "الديوك" الهزيمة ضد البرتغال 0-1، ترك أثراً كبيراً في أنفسهم.
وقد تحدث المدرب ديشان حول تلك المباراة، قائلاً، "يعتبر ذلك النهائي الذي خضناه قبل سنتين، خيبة لم نتمكن من استيعابها بعد، ولا تزال حاضرة في أذهاننا".
وقد جاءت هذه التصريحات على لسان المدرب لصالح TF1، بعد النجاح في تجاوز عقبة المنتخب البلجيكي في نصف النهائي، ليكشف بذلك ديشان عن الجرح الذي لا يزال حيا في داخله.
ولكن ديشان ليس الوحيد الذي كان مشاركا في تلك المباراة، إذ أن هناك 9 لاعبين من مجموع 23 لاعب الذين قدموا إلى روسيا لتمثيل فرنسا، كانوا حاضرين في نهائي "يورو 2016". وربما لا يمثل هذا العدد أغلبية، إلا أنه كاف لنقل العبر التي استخلصوها من تلك التجربة القاسية إلى بقية اللاعبين الذين شاهدوها من أمام التلفزيون، خاصة وأن لاعبين من أمثال لوريس، وأومتيتي، وبوغبا، وماتويدي، وغريزمان، وجيرو يمثلون اليوم العمود الفقري، للنسخة الجديدة من المنتخب في مونديال 2018.
ومن الملاحظ أنه عند إطلاق الصافرة النهائية في مباراة بلجيكا في النصف النهائي، لم نشهد إحتفالات كبيرة في صفوف لاعبي وطاقم المنتخب، حيث كانت تجليات الفرحة بسيطة وعلى قدر من الانضباط، وقد بادر بوغبا بتفسير هذا الأمر في المؤتمر الصحافي صباح الخميس، حيث قال "أنا أعرف مرارة الهزيمة وقد تجرعتها في النهائي وهي فعلا مؤلمة، وهذه المرة لن نتعامل مع المباراة كما سبق وأن وفعلنا في نهائي (يورو 2016). ففي ذلك الوقت كنا متسرعين واعتقدنا أننا ضمنا اللقب، لقد كنا نظن أن مباراة نصف النهائي ضد ألمانيا هي العقبة الأخيرة، وبتجاوزها نكون قد أتممنا المهمة. لقد خابت توقعاتنا، ولكن هذه المرة تفكيرنا مختلف تماما. يدرك لاعبو المنتخب جيدا ما ينتظرهم في المباراة النهائية ضد منتخب كرواتيا، ولا تزال أمامنا عقبة واحدة لنتجاوزها، من أجل إتمام المهمة بنجاح".
إظهار نضج كروي
إلى جانب كل ما ذكرناه، أظهر لاعبو المنتخب الفرنسي المزيد من الخبرة والنضج. ويعد هذا الأمر طبيعيا باعتبار أن سنتين مرتا على نهائي "يورو 2016″، وخلال هاتين السنتين استفاد اللاعبون من الأوقات التي قضوها مع بعضهم.
والجدير بالذكر أنه منذ سنة 2014، ظل 6 لاعبين وهم لوريس، وفاران، وبوغبا، وماتويدي، وغريزمان، وجيرو يلعبون أساسيين في المنتخب.
نتيجة لذلك، يمتلك هؤلاء اللاعبين تجربة مشتركة، وقد تطور دورهم في الفريق وبات ينظر إليهم على أنهم قادة على الميدان. وقد كانوا على مستوى هذه التطلعات في روسيا.
فعلى الرغم من الشكوك والانتقادات، ظهر الحارس لوريس بمردود أشاد به الجميع. أما قلب الدفاع فاران فهو يتصرف مثل قائد حقيقي، إلى جانب بوغبا الذي تحمل مسؤوليته كاملة في وسط الميدان، ناهيك عن غريزمان الذي وضع نفسه في خدمة المجموعة.
وقد تطور مستوى الفرنسيين مع فرقهم في أبرز الدوريات الأوروبية، حيث بات فاران يمتلك الآن لقبين إضافيين في رابطة الأبطال الأوروبية، كما أن غريزمان فاز بنهائي يوروبا ليغ، في حين تحسن أداء كانتي مع فريق تشيلسي الإنجليزي. كما لا يجب أن ننسى أومتيتي وتوليسو الذين نجحا في الاندماج ضمن أكبر الفرق الأوروبية، برشلونة الإسباني وبايرن ميونيخ الألماني.
وقد برز هذا النضج الذي اكتسبه اللاعبون مع فرقهم، جليا منذ بداية منافسات مونديال روسيا، وذلك من خلال الهدوء الذي اتسم به المنتخب أمام الأرجنتين، والسيطرة التي فرضها في مواجهات صعبة ضد الأورغواي وبلجيكا. ويعد هذا الأمر مثيرا للانبهار عندما نعلم أن معدل الأعمار في هذا الفريق هو 25.6 سنة (المنتخب الوحيد الأصغر سنا هو نيجيريا). لكن الخبرة التي اكتسبها هؤلاء الشبان ستكون حاسمة، ليحسنوا اللعب في المباراة النهائية ضد كرواتيا، التي تدخل مدججة بكتيبة من النجوم المخضرمين، يتقدمهم مودريتش، وراكيتيتش وماندزوكيتش.
الدور الحاسم لكليان مبابي
في سنة 2016، كان كليان مبابي بصدد اجتياز امتحان الثانوية العامة. وبعد سنتين بات هذا الشاب أساسيا في مباراة كأس العالم. ولا يعد هذا الصعود المذهل الذي حققه مبابي، مفاجئا جدا إذا أخذنا بعين الاعتبار المواهب المميزة التي يتميز بها هذا اللاعب.
فقد حظي مبابي بإشادة خاصة من الأسطورة البرازيلية بيليه، إلى جانب أسماء أخرى كبيرة في عالم كرة القدم مثل المدافعين ريو فرديناند وكارلوس بويول. ويبدو أن هذا الشاب الذي ترعرع في ضاحية بوندي الباريسية، حصد إعجاب الجميع. واليوم، يعتبر مبابي مثل الهبة الإلهية التي نزلت على المنتخب الفرنسي، حيث أظهر مهاجم فريق باريس سان جيرمان، وخاصة في المباراة ضد الأرجنتين، أنه قادر بمفرده على صنع الفارق، وتحقيق الإنتصار لمنتخب الديوك.
وعلى الرغم من صغر سنه، يتمتع مبابي ببرودة أعصاب واضحة عند الاقتراب من المرمى، كما يتميز بذكاء كروي نادر، إلى جانب الثقة بالنفس واستفزاز المنافس، وهو أمر شعر به البلجيكون في نصف النهائي.
وحتى في أصعب فترات المباريات، يعلم المدرب ديشان جيدا أنه يمكنه الاعتماد على مبابي من أجل إرباك الخصم وخلق الفرص. وفي حين أن مبابي لم يبلغ بعد مستوى اللاعبين الكبار، وهو أمر طبيعي بالنظر لصغر سنه، إلا أنه يمتلك كل المؤهلات التي تسمح له بنحت اسمه في تاريخ كرة القدم في أسرع وقت. واليوم، هناك فرصة ذهبية أمام مبابي، ألا وهي نهائي كأس العالم الذي سيدور يوم الأحد في روسيا.