شهد كأس العالم 2018 الكثير من المفاجآت التي بلغت أوجها بنهائي 15 يوليو/تموز، حين تلتقي أحدث الدول الأعضاء بالااتحاد الأوروبي؛ كرواتيا، مع فرنسا التي تُمثِّل إحدى البلدان المؤسسة للاتحاد.
والسؤال المطروح هو: مَن سيفوز بالمباراة؟
قبل الشروع في التوقع المستحيل، دعنا نتذكر ما حدث قبل شهر من الآن. فقبل انطلاق البطولة، حاول الاقتصاديون ومحللو الأسواق الوصول لتنبؤات باستخدام الذكاء الاصطناعي والنمذجة الإحصائية.
فرجّح بنك UBS السويسري فوز ألمانيا بالكأس، بعد إجراء نمذجة حاسوبية للبطولة 10 آلاف مرة.
في حين استخدم بنك غولدمان ساكس الذكاء الاصطناعي، وراهن على فوز البرازيل.
وحتى نكون منصفين، تمكَّنت العديد من المؤسسات المالية مثل غولدمان ساكس، ومؤسسة ING المالية، وشركة Nomura من التنبؤ بدقة بأحد طرفي المباراة النهائية على الأقل، وهو فرنسا، لكنَّ شبكة CNBC لم تتوصل حتى الآن إلى أي اقتصادي تنبأ بوصول كرواتيا إلى النهائي، ما يؤكد صعوبة التنبؤ بفائزٍ بكأس العالم.
ويصيغ كبير الاقتصاديين ببنك DBS ومقره سنغافورة تيمور بايج، الأمر على أفضل نحو. فقال لـ CNBC، "في أي بطولة كأس عالم، أعتقد أنَّ الأخطبوط سيحدد الاحتمال (بالفوز)، أفضل من أي اقتصادي أو محلل أسواق"، مشيراً إلى الأخطبوط المُتنبئ الشهير بول.
وفي حين تمكَّن الاقتصاديون من التنبؤ بعدد الميداليات الأولمبية التي تحصل عليها الدول بمعدل دقة بلغ 98% باستخدام عوامل مثل السكان، ونصيب الفرد من الدخل، والأداء في الماضي، فإنَّ تنبؤاتهم فيما يتعلَّق بكأس العالم باستخدام هذه العوامل جاءت قاصرة.
ففي نهاية المطاف، لم تنجح البلدان الأكثر سكاناً والأكثر قوة على المستوى الاقتصادي، أمثال الصين والهند والولايات المتحدة، في التأهل لنهائيات كأس العالم.
بينما كرواتيا التي تمتلك أقل من 5 ملايين نسمة استطاعت الوصول إلى النهائي الحلم. وفي حين أنَّه من المنطقي أنَّ يكون لدى البلدان الأكثر ثراءً بنية تحتية أفضل ومواطنون أكثر غنى لديهم الوقت للتمتُّع بالرياضات، فإنَّ ذلك ليس مؤشراً واضحاً للنجاح في عالم كرة القدم.
ويشير بايج إلى أنَّ الصين تُعَد قصة ذات مغزى وعبرة، فيما يتعلَّق بمحاولة شراء النجاح في كرة القدم، "فالأمر ليس مرتبطاً بكمية الاستثمارات، بل نوعيتها".
فرغم إنفاقها أكثر من 600 مليون دولار على الاستثمارات في كرة القدم في العام 2016، خسر فريق ثاني أكبر اقتصاد في العالم أمام منتخب سوريا، البلد الذي مزَّقته الحرب، ولا يوجد لديه ملعب لاستضافة مبارياته على أرضه. أغضبت تلك الخسارة المشجعين الصينيين كثيراً، لدرجة أنَّهم خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج.
ومن بين المنتخبات الـ 32 التي تأهلت إلى النهائيات، ينتمي النصف إلى بلدان عالية الدخل، والنصف الآخر خارج حدود البلدان الغنية.
في الواقع، التباين في نصيب الفرد من الدخل صارخ. فالبلد الأغنى هي الدنمارك، التي يبلغ نصيب الفرد من الدخل القومي فيها نحو 57 ألف دولاراً. وهذا يماثل تقريباً 10 أضعاف الدولة الأفقر، السنغال، التي يبلغ المعدل فيها 5,950 دولاراً فقط.
علاوة على ذلك، وفي حين تستحضر كرة القدم الاحترافية صور مبالغ انتقالات ضخمة للغاية، مثل صفقة انتقال كريستيانو رونالدو التي بلغت 117 مليون دولار إلى يوفنتوس الإيطالي، فإنَّ كأس العالم أكثر تواضعاً بالمقارنة.
فوفقاً للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، ستفوز الفرق بحصص من قيمة الجائزة المالية الكلية البالغة 400 مليون دولار، وسيحصل الفائز وحده على 38 مليون دولار.
ومن المعروف عن دول مثل قطر والبحرين استثمارها في الرياضيين الأجانب، لتعزيز عدد ميدالياتهما في الأولمبياد. لكن فيما يتعلَّق بكرة القدم، يشترط "فيفا" أن يكون اللاعب عاش في ذلك البلد 5 سنوات على الأقل ليرتدي قميصه، شريطة ألا يكون قد مثَّل بلداً آخر في منافسات الكبار.
وقد يُفسِّر ذلك لِمَ نصف الـ 82 لاعباً في كأس العالم المولودين في بلدان أجنبية كانوا مولودين في بلدان أوروبية، مع دخلٍ أعلى نسبياً بالنسبة للفرد، لكنَّهم مع ذلك اختاروا اللعب لصالح بلدان إفريقية أقل ثراءً نسبياً، مثل المغرب وتونس والسنغال.
في حين قد تكون كرة القدم الاحترافية مُتعلِّقة بالدولارات والسنتات، فإنَّ الجانب المالي في كأس العالم ربما يكون أقل أهمية بكثير، إذ تطغى المهارة والرغبة والاجتهاد فوق أي قيمة مالية.