تُعَد ميزة لعب المنتخبات على أرضها ووسط جماهيرها كبيرةً في بطولات كأس العالم؛ ليس فقط وجود المنتخب على أرضه، بل حتى بمجر الشعور بأنه بين جماهيره.
هذه هي المرة الأولى التي تُقام فيها بطولة كأس العالم في شرق أوروبا؛ وهي المرة الأولى التي يتأهل فيها منتخبان من هذه المنطقة إلى الدور ربع النهائي منذ مونديال "أميركا 1994″، التي شهدت تأهُّل المنتخبين الروماني والبلغاري من شرق أوروبا إلى الدور ذاته.
ومن المقرر أن يواجه المنتخب الروسي نظيره الكرواتي في مدينة سوتشي السبت المقبل 7 يوليو/تموز، وسيكون أمام أحدهما فرصةٌ لمعادلة إنجاز المنتخب البلغاري الذي وصل إلى الدور نصف النهائي في 1994. لكنَّ وصول المنتخب الكرواتي إلى هذه المرحلة ليس صدفةً بالتأكيد.
بالطبع وجود قائد مثل لوكا مودريتش في المنتخب الكرواتي أمرٌ جيد للغاية، وبالتأكيد لم يصل الفريق الكرواتي إلى هذه المرحلة بفضل مكان إقامة البطولة فقط؛ إذ لا تتألَّق جميع المنتخبات الأميركية الجنوبية على سبيل المثال حين تُقام كأس العالم في أميركا الجنوبية، وهو ما حدث مع المنتخبين البولندي والصربي -المنتميان إلى شرق أوروبا – اللذين خرجا من دور المجموعات في البطولة الحالية.
صحيفة Daily Mail البريطانية، لفتت إلى أن بطولات كأس العالم الماضية شهدت تحقيق منتخبات بعض الدول نجاحاً غير متوقع حين أُقيمت البطولة في دولٍ مجاورة لها. ولعل أبرز مثالٍ على ذلك هو تأهُّل المنتخبين الكوستاريكي والأوروغوياني على حساب نظيريهما الإيطالي والإنكليزي في دور المجموعات في البطولة الماضية التي أُقيمت في البرازيل صيف 2014، والتي شهدت كذلك تأهُّل منتخب تشيلي الأميركي الجنوبي على حساب نظيره الإسباني.
أمَّا في كأس العالم 2010 التي أُقيمت في دولةٍ إفريقية للمرة الأولى في التاريخ، كان المنتخب الغاني قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح أول منتخبٍ إفريقي يصل إلى نصف النهائي، لولا اللاعب الأوروغوياني لويس سواريز الذي صدَّ الكرة بيده من على خط المرمى في الدقيقة الأخيرة من الشوط الإضافي الثاني في مباراة المنتخبين. ومنذ ذلك الحين، لم يتأهل أي منتخب إفريقي إلى الدور ربع النهائي، بل ولم يتأهل أيٌّ منها من دور المجموعات في البطولة الحالية.
أمَّا في كأس العالم 2002 التي أُقيمت في قارة آسيا للمرة الأولى في التاريخ، تصدَّر المنتخبان الياباني والكوري الجنوبي مجموعتيهما في الدور الأول عكس كل التوقعات، بل ووصل المنتخب الكوري الجنوبي إلى الدور نصف النهائي بعدما أقصى نظيره الإيطالي من دور ال ـ16، ونظيره الإسباني في الدور ربع النهائي. وبينما تعد المسيرة الناجحة للمنتخب الروسي في البطولة الحالية المُقامة على أرضه مدهشة، فإنَّ مسيرة المنتخب الكوري الجنوبي في العام 2002 كانت صاعقة، وكذلك كانت بفضل بعض القرارات التحكيمية.
الشعور بالارتياح في أثناء البطولات مهم. ففي الليلة التي سبقت لقاء المنتخبين التشيلي والإسباني في بطولة كأس العالم الماضي، ذهب لاعبو المنتخب التشيلي إلى حانة Dom Rosso Grill Bar في فندق راديسون بحي بارا دا تيجوكا البرازيلي، حيث رأوا أطفالهم وجلسوا مع زوجاتهم وصديقاتهن، وشربوا مشروب الكايبيرينيا البرازيلي.
وجذب مُدرِّبهم آنذاك خورخي سامباولي الانتباه بوقوفه على إحدى الطاولات بين أصدقائه في الحانة. كان ذلك مشهداً أميركياً جنوبياً تماماً. وعلى العكس من ذلك الارتياح، لعب الفريق الإسباني المباراة كما لو كانت أقدام لاعبيه متجمدةً من الخوف.
صحيحٌ أنَّ كرواتيا تبعد عن روسيا بمسافة 760 ميلاً (1216 كيلومتراً)، أي نفس المسافة بين العاصمة الإنكليزية لندن والعاصمة النرويجية أوسلو تقريباً. لكنَّ الاختلافات بين الفايكنغ (سُكَّان النرويج القدماء) والسُكَّان الإنكليز القدماء لم تكن كبيرة، تماماً مثلما كانت كرواتيا تُعرَّف على أنَّها دولةٌ تنتمي إلى شرق أوروبا، مع أنَّها أقرب إلى إيطاليا.
جديرٌ بالذكر أنَّ اللاعب الكرواتي فيدران تشورلوكا يلعب الآن في صفوف لوكوموتيف موسكو الروسي، بينما كان إيفيكا أوليتش مساعد مدرب المنتخب الكرواتي بطلاً مع سيسكا موسكو الروسي، ومُنِح وسام الصداقة الروسي.
ولعب 3 لاعبين كرواتيين آخرين في أندية أوكرانية، فضلاً عن أنَّ الدوري الكرواتي يعج بأندية تحمل أسماء مشابهةٍ لأسماء أندية شهيرة في روسيا، مثل لوكوموتيف زغرب ودينامو زغرب على غرار لوكوموتيف موسكو ودينامو موسكو.
إذاً، فكرواتيا ليست روسيا، كما أنَّ كوستاريكا ليست البرازيل، لكنَّ المنتخب الكرواتي لا يشعر بأنَّه يلعب خارج أرضه مثل بقية الفرق الأخرى، وهو ما انطبق على المنتخب الكوستاريكي في البطولة الماضية بالبرازيل.
الشرق هو الشرق، ولم يكن من الممكن أن يواجه المنتخب الروسي في الدور المُقبل خصماً أصعب من المنتخب الكرواتي الذي يبدو أنَّه يمتلك ثقةً كبيرة.