لم يجازف المنتخب الإسباني المعروف بابتكاره طريقة اللعب الشهيرة باسم "تيكي تاكا" أمام روسيا في المواجهة التي جمعت المنتخبين ضمن الدور الثاني، الأمر الذي كلف "لا روخا" الخروج من كأس العالم 2018.
وقبل مواصلة الحديث عن مباراة الأحد 1 يوليو/حزيران، لا بد من الإشارة إلى أن أسلوب "تيكي تاكا" كان سبباً في تتويج الإسبان بكأس العالم 2010 التي أقيمت جنوب إفريقيا.
وبالعودة إلى مواجهة روسيا، دخل منتخب إسبانيا المباراة بآمال كبيرة، لكن الحلم انتهى بالركلات الترجيحية. ويعد هذا الفوز بمثابة مكافأة لروسيا على دفاعها المتميز في وجه الهجوم الإسباني القوي، كما أنه درسٌ يجب أن يتعلم منه الإسبان.
بلغ عدد التمريرات الإسبان في هذه المباراة قرابة 1000 تمريرة، لكن لم تحسم أي تمريرة منهم المباراة لصالح "لا روخا". من جانبه، قدم المنتخب الروسي أداءً جيداً، في حين كان مدعوما بعاملي الأرض والجمهور، حيث أغلق جميع المنافذ في وجه الخصوم. وقد كشفت المباراة عن العديد من الثغرات والعيوب في صفوف المنتخب الإسباني.
سيطر المنتخب الإسباني على المباراة التي استمرت لساعتين والتي لم تكن حماسية، اتبع الفريق طريقة اللعب النمطية لجيل "تيكي تاكا"، لكن أسلوب اللعب هذا لم يكن فعّالاً هذه المرة.
في ظل غياب أندريس إنييستا عن خط وسط المنتخب الإسباني، ألقيت المسؤولية على عاتق لاعب وسط ريال مدريد إيسكو. وعلى الرغم من أن إيسكو يتمتع بالإمكانيات التي تجعله قادراً على أن يبدع في خط الوسط، لكن لديه مشكلة كبيرة فيما يتعلق بالالتحامات الجسدية.
لذلك، لم يستطع إيسكو سد الفراغ الذي خلفه إنييستا. وقد أثر ذلك بشكل واضح على قدرة إسبانيا على اختراق وسط روسيا، مكتفية باللعب في منطقة الوسط.
تسلم إيسكو الكرة في أغلب أوقات المباراة، وتمركز في مناطق خطرة في عمق المنتخب الروسي، ولكنه كان بطيئا في تمرير الكرة. وبالتالي، لم يخلق اللاعب الإسباني فرصا حقيقية للتهديف، وكان سببا في إفشال العديد من الهجمات.
ظنّ الجميع أن جيل الشباب الحالي من المنتخب الإسباني، الذي يمتلك مهارات فردية مميزة، قادرٌ على إضافة ديناميكية أكثر على أداء المنتخب.
كان وجود لاعب مثل ساؤول نيغويز بدلاً من سيرجيو بوسكيتس سيضيف فعالية أكثر على خط وسط إسبانيا، ويشكل تهديداً على منتخب روسيا الذي اعتمد أسلوب لعب دفاعي، ولم يهدد مرمى دي خيا إلا في مناسبات نادرة.
كما أن وجود تياغو ألكانتارا بجانب دافيد سيلفا ليضيف انسجاماً أكثر على خط الهجوم. وتشير نسبة الاستحواذ على الكرة أثناء المباراة، التي بلغت 78% لصالح إسبانيا مقابل 22% للمنتخب الروسي، إلى أن الجيل الحالي من المنتخب الإسباني لا زال عالقاً بين أسلوبين، أو بالأصح بين جيلين.
يشبه الجيل الحالي من المنتخب الإسباني النسخة التي كان عليها منتخب "لا روخا" في كأس العالم 2010، مقارنةً بجل الفترات الموالية. لكن جيل المنتخب في سنة 2010، كان مختلفا في نقطة مهمة ألا وهي أن اللاعبين داخل الملعب كانوا متعاونين ومتماسكين بصورة أكبر من الجيل الحالي.
تمكن جيل 2010 قبل ذلك بسنتين من الفوز بكأس أوروبا 2008. وكان العمود الفقري للمنتخب الإسباني يتكون من جيرارد بيكيه، وكارليس بويول، وتشافي هيرنانديز، وأندريس إنييستا وبيدرو رودريغز، وقد كان جميعهم يلعبون في نادي برشلونة الإسباني.
كان المنتخب الإسباني قادراً على الاستحواذ على الكرة في المباراة التي جمعته بروسيا، على غرار الجيل السابق. ولكن، في حين كان منتخب "لا روخا" الذي توج بكأس العالم يعتمد أسلوب نقل الكرة بصورة بطيئة – بطيئة – بطيئة ثم سريعة، ومن ثم تحيّن الفرصة والانقضاض على مرمى الخصم، كان أسلوب الجيل الحالي قائما على التمريرات البطيئة ولكن دون التمكن من التوغل داخل مناطق الخصم وهز شباكه.
عمد المنتخب الإسباني إلى تبني أسلوب اللعب البطيء، حيث يجسد التروي في بناء الهجمة مدى ثقة اللاعبين في التكتيك المعتمد. ولكن هناك فرق كبير بين السيطرة على مجريات اللعب وتشكيل خطورة على الخصم. لقد ظهرت السيطرة ولكن اختفت الخطورة. وفي حين برزت مدى سيطرة المنتخب الإسباني ضد نظيره الروسي، غاب عامل الخطورة بشكل تام.
اعتمدت إسبانيا في طريقة لعبها على مجموعة لا نهائية من التمريرات الجانبية، حتى تمكن إنييستا من تمرير الكرة إلى سيلفا، الذي حاول أن يبعث الأمل من جديد إلى إسبانيا. وقع تناقل الكرة بين أقدام لاعبي المنتخب الإسباني من يمين الملعب إلى يساره ذهابا وإيابا 3 مرات، في انتظار أن ينطلق أحد المهاجمين وتنفيذ تمريرة لضرب الدفاع المتكتل، ولكن لاعبي الهجوم الإسباني كانوا متجمدين في مواقعهم.
كنا نشاهد بالفعل أصحاب القمصان الحمراء وهم يتحركون في المساحات الفارغة في قلب الدفاع الروسي، ولكن بمجرد استلامهم للكرة كانوا يعيدونها مرة أخرى للوراء. كان هناك بعض اللاعبين الذين ينتظرون حدوث مفاجأة، بينما تقدم البعض الآخر لمساندة زملائهم في إكمال تمريراتهم اللامتناهية. في الأثناء، نحج الإسبان في إنهاء نحو 30 أو 40 تمريرة دون أي ضغط، وكان ذلك دليلا على الاستحواذ العقيم على الكرة، الذي لا يشكل أي خطورة على الخصم، والذي ميز أداء إسبانيا طوال المباراة.
لم يخاطر أي لاعب إسباني طوال المباراة، حيث لم يكن اللاعبون على استعداد للعب "الروليت" الروسي. وأمام منتخب بالكاد تمكن من الاستحواذ على الكرة في الوقت الإضافي، أو تنفيذ أي هجمة مرتدة باتجاه مرمى دي خيا، اتسم لعب الإسبان "بالجبن"، ليخونوا بذلك كل أعراف كرة القدم الإسبانية المعروفة.
كان من المفترض أن يحفز يقين اللاعبين الإسبان بأنهم أفضل فريق يلعب كرة قدم في العالم، المنتخب لتقديم مباراة جيدة. وبدلا من تهديد مرمى المنافس، صنع المنتخب الإسباني فرصا قليلة، ولم يتمكن من تعزيز حصيلة أهدافه حتى وجد نفسه خارج البطولة.
في حال كان هذا الأداء يجسد وقوع الإسبان في شباك جيلين مختلفين، فلا بد من أن يعمل المنتخب على تطوير نفسه مستقبلا. سيعتزل إنييستا قريبا، وسيترك الفرصة لجيل من الشباب، تمكن قبل عدة سنوات من حصد العديد من ألقاب بطولات الشباب، في حين نجح لمرة واحدة في التتويج بكأس العالم، حتى يثبت نفسه. لقد آن الأوان حتى تعمل إسبانيا على تحليل ما ستفعله في المستقبل، أو بصورة أدق، كيف ستقوم بذلك؟