بعمر الـ 71، ما زال المدرب أوسكار واشنطن تاباريز قادراً على ابتكار الأفكار الجديدة، وإعادة خلق الشغف داخل صدور لاعبيه، ليمر بمنتخب أوروغواي على حساب "برازيل أوروبا"، إلى الدور ربع النهائي بعد الفوز على المنتخب البرتغالي 2-1 بهدفي أدينسون كافاني.
"مدفع" باريس سان جيرمان ما زال يضرب
ستذهب كل الأضواء الآن إلى مدفع نادي باريس سان جيرمان الذي لم يتوقف بعدُ عن الضرب. في المرة الأولى كانت الهجمة منظمة مع لويس سواريز، الذي أهدى كافاني عرضية "بالمقاس" على رأسه، ليودعها بقوة هائلة ودقة فائقة في المقص الأيسر لحارس المرمى.
في المرة الثانية كان المنتخب البرتغاليّ مستحوذاً على الكرة، بعد إحرازه للهدف، وبدا أن البرتغال في طريقها لإحراز الهدف الثاني وانتزاع بطاقة التأهل، حينها قرَّر المدفع الباريسيّ إطلاق "قذيفة" الرحمة على البرتغال، محولاً أحلامهم إلى أشلاء لا يمكن لملمتها.
أدينسون كافاني يثبت مرة أخرى أنه لاعب من طراز عالمي، ليس لاعباً جيداً أو جيداً جداً، بل لاعباً عالمياً، ربما لا يعتبره الكثيرون أسطورة أو لاعباً عالميّاً، ربما لأنه لا يمتلك عشاقاً وجماهير تهتف لأجله وتدخل في نقاشات حامية الوطيس من أجل الانتصار له، وربما لأنه لا يلعب بناد جماهيري مثل برشلونة أو ريال مدريد، وربما لأنه لا يلعب بمنتخب محبوب تاريخياً، وربما لكل هذا!
لكن كرة القدم لا تعرف شيئاً من هذا، كرة القدم لا تعترف سواء بالموهبة والعطاء، وكلاهما موجودان بين أقدام كافاني. ذلك اللاعب المقاتل الذي يبذل كل ما يملك على أرضية الميدان بلا استعراضات مبالغ بها، وبلا إظهار للعضلات، وبلا قصات شعر مميزة، وبلا وقفات سينمائية، كرة القدم وفقط.
ولمثل هؤلاء اللاعبين تنتصر الساحرة المستديرة.
كما تقول المباراة بوضوح، فإن الخبرة تزن ذهباً، إذ قادت الخبرة لاعبي المنتخب أوروغوياني إلى الفوز بالمباراة، التي لم يكونوا الطرف الأفضل فيها، إجمالاً. لكنهم قادرون على التعامل مع الضغوط النفسية والفنية في الدقائق الأخيرة بالمباراة بشكل يُحسدون عليه.
تماماً كما خبرة "المايسترو" أوسكار تاباريز، مدرب الفريق الذي استطاع منع البرتغال من الوصول إلى ما تبحث عنه، وأجبر زملاء كريستيانو رونالدو على الاستمرار في إرسال كرات عرضية "بائسة" طيلة الـ 96 دقيقة، ليعبر بأوروغواي إلى الدور ربع النهائي.
صاروخ ماديرا لم ينفجر
مباراة افتتاحية ولا بالأحلام لكريستيانو رونالدو، بهاتريك في مرمى "لاروخا"، ثم هدف حاسم في مرمى المغاربة أمَّن به مركزاً مؤهلاً للبرتغال. هذه هي مسيرة رونالدو في كأس العالم، التي كان يمكن لها أن تتحول إلى كارثة على "صاروخ ماديرا"، بعد أن أضاع ركلة جزاء كادت تودي بالمنتخب البرتغالي خارج البطولة بالكامل، لولا سوء حظ لاعبي إيران ورعونتهم أمام المرمى.
أما أمام المنتخب السماويّ، فاختفى رونالدو دون أن يقدم شيئاً حقيقياً يذكر، بقي في منطقة الجزاء أوقاتاً طويلة بانتظار عرضية من هنا أو هناك، أو كرة طائشة يخطفها، لكن الدفاع المُحكَم لرجال الداهية أوسكار تاباريز حال دون تحقيق أمله.
تقييم رونالدو على موقع Who Scored المتخصص هو (7.0)، وهو خامس أعلى تقييم في المنتخب البرتغالي، بالتالي يمكننا القول إنه لم يكن الأفضل ولم يكن الأسوأ.
نجح رونالدو في 5 مراوغات من أصل 7 محاولات كأعلى رقم في الملعب، وسدَّد 6 مرات تسديدة واحدة فقط، كانت بين القائمين والعارضة، وبذلك هو أسوأ مسدد في المباراة. وقام بصناعة فرصة واحدة فقط. ما قدَّمه رونالدو هو مباراة تقع بين الجيد والمتوسط، في ظلِّ إغلاق منتخب أوروغواي لكل المنافذ الهجومية، وقطعهم لكافة الإمدادات التي تأتي لرونالدو، وإجباره على الخروج إلى الأطراف للمشاركة باللعب.
مشكلة البرتغال، أنها وجدت نفسها مجبرة على أخذ المبادرة منذ الدقيقة 7 بعد هدف كافاني الأول، وحتى عندما تعادلت وفي عز تفوقها الهجومي وقطعها لكافة المرتدات الزرقاء، أتى خطأ دفاعي كارثي ليدمر نصف أحلام جزيرة آيبيريا.
باختصار أغلب عوامل تفوق ونجاح رونالدو اختفت في مباراة اليوم، لأن الـ "One man show" الذي قام به أمام إسبانيا كان استثناءً وليس قاعدة لا يمكن توقعها مرة أخرى، خاصة مع تقدمه بالعمر، كما أن منتخب إسبانيا فريق هجومي يترك مساحات شاسعة في الخطوط الخلفية، يمكن الاستفادة منها، عكس أوروغواي الذي ترك الكرة للمنتخب البرتغالي ليستحوذ عليها، حيث وصلت نسبة استحواذ البرتغال على الكرة إلى 67%، وخلق 4 أضعاف محاولات منتخب زملاء كافاني وسواريز بالتمام والكمال (20 لـ 5).
خروج البرتغال لا يقلل من كريستيانو رونالدو في شيء، لكن يؤكد مرة أخرى أن كرة القدم لعبة جماعية بامتياز، يلعبها 11 لاعباً معاً، ولا يمكن للاعب واحد الفوز بمباراة مهما بلغت قوته.
الجانب الإحصائي والرقمي
توضح الصورة المنقولة عن موقع Who Scored المتخصص أن كرة القدم كثيراً ما تعطي ظهرها للطرف الأشجع. المنتخب البرتغالي تفوق في كل شيء وبشكل واضح لكنه لم يكن قادراً على صنع الفارق أمام خصم عنيد ومنظم مثل أوروغواي. كان قرار أوسكار تاباريز منذ بداية اللقاء أنه لن يلعب كرة القدم، لكنه سيفوز بالمباراة. فلتذهب المتعة إلى الجحيم، ولتذهب أوروغواي إلى الدور ربع النهائي.
أمام هذه العقلية كان فرناندو سانتوس مدرب البرتغال مجبراً على تعديل الكثير من الأشياء في خطته وأسلوب لعبه الدفاعيّ بالأساس. فانتقل إلى أسلوب يحتفظ بالكرة بين أقدام لاعبيه ويتناقلها بشكل سريع لكن دفاعات أوروغواي كانت أكثر تنظيماً من أسلوب اللعب البرتغالي وأكثر نجاعة. فاضطر البرتغاليون إلى إرسال أطنان من العرضيات كان لها دييغو غودين و خوسي ماريا خيمينيز.
الآن، جماهير الكرة بصدد مباراة كرة قدم مثيرة للغاية بين مدرستين مختلفتين تماماً، مباراة الكرة الدفاعية المنظمة ضد كرة المهارات الهجومية. مباراة بين المنتخب الفرنسي ونظيره الأوروغويانيّ. فليربط الجميع الأحزمة، كأس العالم ما زال في جعبته الكثير.