ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه البلجيكي عدنان يانوزاي، ولم يكن السبب هو تسجيل هدفه الدولي الأول فقط؛ بل بسبب هوية الشباك التي سجله فيها أيضاً. إنَّها إنكلترا، البلد التي حكمت عليه بأنَّه ليس بارعاً بما فيه الكفاية.
وبدا كما لو أنَّه يسأل، بعد أن ألحق الهزيمة الأولى في هذه البطولة بفريق المدرب غاريث ساوثغيت: هل أعجبكم الآن؟! وهو ليس أول من يفعل ذلك، وقد لا يكون آخر من يعود لنيل الانتقام نفسه.
قدم كلٌّ من الإيطالي ماريو بالوتيلي، والأوروغوياني لويس سواريز، والبرتغالي كريستيانو رونالدو، أداءً ساهم بشكل حاسم في الفوز ضد إنكلترا في المباريات الأخيرة التي خاضوها ضدها، وكان دافعهم لما قاموا به هو شعورهم بالظلم.
فقد تعرَّض بالوتيلي للسخرية ووُصف بأنَّه ساذج، في حين وُصف سواريز بالغشاش – على الرغم من أنَّه فاز في التصويت على لقب أفضل لاعب لتلك السنة -. أما رونالدو فقد اعتبر لاعباً استعراضياً، لكنَّهم حطموا هذه الفرضيات واحدةً تلو الأخرى.
يقول الصحافي الرياضي مارتن صامويل في مقالٍ نشرته صحيفة Daily Mail، إن إنكلترا ستواجه منتخبَ كولومبيا الذي سيلعب في صفوفه على الأرجح راداميل فالكاو، وخوان كوادرادو، وهما لاعبان ربما يشعران بأنَّ عليهما تصحيح بعض الأفكار الخاطئة التي يمتلكها الإنكليز حول قدراتهما.
قال يانوزاي، "في إنكلترا، تلقيت الكثير من النقد في الماضي، وكانت مهمتي أن أظهر للناس بأنِّي موجود، وقد كنت سعيداً جداً بإثبات ذلك عن طريق تسجيل هدفٍ رائعٍ".
وقد نجح في ذلك بكل تأكيد، لكن هذا لا يعني أنَّ تلك الأحكام كانت خاطئة تماماً.
نال يانوزاي ثناءً غامراً وعُدَّ واحداً من أفضل اللاعبين الشباب في الدوري الممتاز، عندما ظهر لأول مرة في صفوف مانشستر يونايتد، لكنه ضلَّ طريقه تحت قيادة الهولندي لويس فان خال، ونَفَر من البرتغالي جوزيه مورينيو، وانتهى به الأمر عاجزاً عن تقديم أفضل أداء له بعد انتقاله على سبيل الإعارة لسندرلاند المتواضع.
وفي أفضل أيامه في إنكلترا، كان يُعدُّ أملاً شاباً جديداً، لكن هذه الأيام لم تدم طويلاً كما كان متصوراً.
وعلى نفس المنوال، استُقبل الكولومبي رادميل فالكاو في مانشستر يونايتد بحماس كبير. فقد كان أحد أعظم المهاجمين في أوروبا، وعلى الرغم من أنَّه انتقل على سبيل الإعارة في البداية، إلا أنَّ تصنيفه كان عالياً بما يكفي ليحصل على 285 ألف جنيه إسترليني (376400 دولار) أسبوعياً.
لكنَّه كان لاعباً تعافى لتوه من إصابة في الرباط الصليبي في الركبة، يُحاول شق طريقه مجدداً إلى صفوف النخبة.
قال ليوناردو يارديم، مدرب فالكاو الحالي في موناكو، إنَّ "المشكلة لم تكن ركبته فقط، بل حقيقة أنَّه لعب لموسمين في مانشستر ومن ثم في تشيلسي. حاول مواصلة اللعب على مستوى عالٍ على الرغم من أنَّه في العادة، عندما يكون لديك إصابة مثل هذه، تبقى في ناديك حتى تتعافى سريعاً وتعود إلى اللعب. ليس من السهل أن تتعافى وتلعب في الوقت نفسه".
وبالتأكيد، ليس سهلاً القيام بذلك في ساحة الدوري الإنكليزي الممتاز حامية الوطيس. لم يلعب فالكاو سوى 14 مباراة في الدوري الممتاز مع مانشستر يونايتد، وكان مورينيو حزيناً بسبب تراجع مستوى لاعب عظيم، حتى أنَّه تعهد بإنقاذ مسيرة فالكاو الكروية عن طريق إحضاره إلى تشيلسي.
لكن في النهاية، لم يستطع مورينيو أن ينقذ نفسه حتى، وأُقيل قبل أن يحل رأس السنة، في حين لعب فالكاو مباراة واحدة في الدوري قبل أن ينتقل إلى موناكو.
يتذكر زائرو ساحة التدريب شكله الذي يوحي بالوحدة، وهو يدور راكضاً حول الملعب في دورات لا تنتهي، محاولاً أن يجد مجدداً سرعته وحركته المفاجئة الخاطفة.
وبالرغم من أنَّه كان من المستحيل في ذلك الوقت أن تقرأ عنواناً عن فالكاو لا يتضمن كلمة "خيبة"، إلا أنَّ أقرانه قد أعجبوا به.
كان لاعباً مشهوراً في مانشستر يونايتد، وشعر اللاعبون هناك بأنَّه يعمل بجدِّ كبير، ولم يحط نفسه بهالة النجومية في تعاملاته مع اللاعبين في غرفة تبديل الملابس. ويؤكد زملاؤه في تشيلسي على مدى بذله وبراعته أثناء التدريب، حتى وإن لم يتحول هذا التدريب إلى فرصٍ على أرض الملعب.
قال مدافع تشيلسي والمنتخب الإنكليزي غاري كاهيل، "كان يمر بوقت عصيب، ولكن من الواضح أنَّه سجَّل الكثير، الكثير من الأهداف خارج بلادنا. لعبت ضده في مباراة في كأس السوبر الأوروبي عندما كان يلعب في صفوف أتليتيكو مدريد".
وتابع "ظهرت شخصيته مجدداً حين عاد إلى موناكو، محاولاً التماس أسلوبه وطريقته مرة أخرى، وهو الآن لاعب كبير بالنسبة لهم وهدافٌ أثبت قدراته. أنا واثق من أنَّ جزءاً كبيراً من مشكلته مع تشيلسي كانت ثقته في نفسه. كان يحظى بذلك السحر في مانشستر يونايتد، ومن ثم انتقل إلى صفوفنا، ولم يكن بارعاً في المرتين. أظنّ أنَّه بعد استعادته لأسلوبه وطريقته يرى ما حدث معه في إنجلترا باعتباره زمناً قد ولى".
وتابع كاهيل، "كان لعبه معنا عبارة عن فترة توقف ليبدأ مجدداً. أحياناً لا تحظى بالكثير من الفرص، فأنت تلعب في مباراة واحدة أو مباراتين، ومن ثم لا تلعب لمدة 90 دقيقة كاملة، ربما كان هذا ما يحبطه. لكنَّ الجميع عرف قدراته. فهو مخادع في منطقة الجزاء، ويحب أن يتلقى الكرة بكتفه، كما أنَّه جيد في استغلال الفرص أمام المرمى. إذا حصل على نصف فرصة، فسوف يجد لها طريقاً إلى المرمى، هذا ما رأيناه في التدريبات".
كان هذا هو الحال تماماً في 31 أغسطس/آب 2012 عندما أحرز فالكاو 3 أهداف خلال 39 دقيقة، حقق بها الفوز لأتلتيكو مدريد الذي كان يلعب في صفوفه حينها الفوز على تشيلسي، وفاز بكأس السوبر الأوروبي.
كان غاري كاهيل يلعب في صفوف الفريق المنافس في ذلك اليوم. وكان جون ستونز يلعب مع مانشستر سيتي، عندما سجل فالكاو هدفين لموناكو في مباراة الذهاب في دوري أبطال أوروبا، سجل إحداهما بركلة مقطعية ارتفعت فوق رأس حارس المرمى.
حتى ولو لم يكن العداء بين فالكاو وإنكلترا شخصياً، فإنَّ نفحةً من انتصاراته التي حققها في الوطن سوف تكون مفاجئة، ناهيك عما سيعنيه ذلك للمنتخب الكولومبي. فقد اكتسبوا ثقة مفرطة مثيرة للفضول بعد تقديم إنكلترا مستوى متوسطاً في المباراة التي خسروها أمام بلجيكا.
وقد استندت هذه الثقة إلى فكرة أنَّ إنكلترا بحلولها في المركز الثاني، ستلعب في النصف الأسهل من القرعة في الدور الثاني. حاول أن تخبر كولومبيا بأنَّ إنكلترا تعدهم مجرد جسرٍ أو مرحلة سوف يعبرها بلا شك ساوثغيت ولاعبوه بينما يتوجهون نحو حصد المجد الأكبر.
تُظهر صفحة خلفية لإحدى الصحف صورة لساوثغيت وهو يشير بسبابته نحو الأمام، كُتب تحتها العنوان التالي: "من هذا الطريق للوصول إلى النهائي". حتى أنَّهم لا يأخذون بالاعتبار أنَّ كولومبيا قد يكون لديها ما تقوله حيال هذا. وقد أشاد آخر بخسارة اللاعبين عندما كتب رسالة تقول "أحسنتم يا فتيان!".
وفي حين تكمن المفارقة في استفادة إنكلترا من الخسارة، عبر تجنب المواجهة المحتملة مع البرازيل في نصف النهائي، إلا أنَّ اعتبار كولومبيا جندياً رخيصاً قد يضحي به لاعبو إنكلترا الأساسيون الذين نعموا بالراحة في البطولة حتى الآن ليس سوى عجرفةً زائدة.
ومثلما أشار هاري ماغواير إلى أنَّه لو لم يطرد لاعب الوسط الكولومبي كارلوس سانشيز مورينو في مباراتهم ضد اليابان، لكان من الممكن أن تنهي كولومبيا المجموعة السادسة بثلاثة انتصارات متتالية، وتحصد 9 نقاط كاملة.
وهم بفوزهم على السنغال تغلبوا على منافسٍ أقوى بكثير من كل الذين واجهتهم إنكلترا، بالأخص عند الأخذ بعين الاعتبار أنَّ بلجيكا لعبت بتشكيلة البدلاء في تلك المباراة. كما أنَّ لدى كولومبيا ياري مينا الذي يلعب في مركز قلب الدفاع ويبلغ طوله 1.95 متر، بالإضافة إلى المدافع دافينسون سانشيز، وهو ما يجعلهم أقلَّ عرضةً للتأثر بالكرات الطويلة (الركنيات والضربات الحرة)، التي لا يرجح أن تصل إلى المرمى بالدقة التي أرادتها إنكلترا.
لذلك يجب أن يجابه الإقدام والتفاؤل المفرط بتحذيرات شديدة. إذا كان ساوثغيت يأمل في التغلب على معضلة اختيار التشكيلة الأساسية، عن طريق النظر إلى الأداء الفردي لبدلاء فريقه في المباراة التي خاضوها ضد بلجيكا على سبيل المثال، فسوف يكون ذلك مُحبطاً.
فقد قدم ترنت ألكساندر-أرنولد أداءً جيداً في أول ظهور له، لكنَّه لا ينافس كيران تريبير في تخليصه للكرات الميتة. وكان داني روز يلعب جيداً قبل أن يتمكن يانوزاي من مراوغته وتسجيل الهدف.
كان المدافعون الثلاثة جيدين وأقوياء لكنهم لم يهددوا خيارات ساوثغيت الأولى، غير أنَّ أولئك الذين لعبوا في المقدمة كانوا مخيبين للأمل.
فبعد أن شاهدنا أداء لاعب الوسط إريك داير كلاعب ارتكاز، سوف نكنّ احتراماً أكبر لأداء جوردان هندرسون في هذا المركز، وبعدما رأينا ماركوس راشفورد يضيع الفرص، ربما تخفت الآن الأصوات المتذمرة والمطالبة بتغيير رحيم ستيرلينغ.
فابيان ديلف ليس جيسي لينغارد، وجيمي فاردي ليس هاري كاين. وفي الحقيقة، قد يعتقد بعض الذين لعبوا بأنهم لم يمنحوا الفرصة التي يستحقونها.
هل كان جيمي فاردي ليلعب بشكل أفضل لو أنَّ لاعبي خط الوسط الذين سلموه الكرات كانوا من اللاعبين الأساسيين في إنكلترا؟ لم ينسَ برايان كلوف أنَّه حين حظي ابنه نايجل بفرصة للعب في قميص المنتخب الإنكليزي، كان يلعب إلى جانب جون فاشانو كنوع من الاختبار وليس إلى جانب واحدٍ من الهدافين الإنكليز المحترفين.
وكما هو متوقع، فشل نايجل في إثبات جدارته. ولم يستطع والده برايان كلوف أبداً مسامحة بوبي روبسون على ذلك.
وعلى نفس المنوال، يعرف العالم اليوم أفضل تشكيلة قد تلعب بها إنكلترا. وقد قدَّمها ساوثغيت للمنافسين بشكل أكثر تفصيلاً وحسماً مما قد يفعل مراسل متطفل أو مصور متلصص.
وفي حالة عدم تعرض أي من اللاعبين للإصابة أو الإيقاف، فإنَّ منتخب إنكلترا سيبقى هو نفسه الذي بدأ البطولة ضد تونس. أي أنَّ الذين لا يلعبون في التشكيلة الأساسية ليسوا سوى خياراً بديلاً لا ينافس جودة الخيار الأول.
إذن هذا ما يبدو عليه الأمر. سوف تكون مهمة سهلة على يبدو. وبالتأكيد سوف يكون فالكاو كما نتذكره، ولنتذكر أنَّ تشيلسي قد تخلى عن كوادرادو كذلك.
فالبلد التي فازت مرة واحدة فقط في الأدوار الإقصائية منذ أن هزمت الدنمارك في 2002، تتجه نحو النصر لا محالة. ما الذي قد يعرقل هذا الأمر؟
لكن هناك فكرة واحدة مثيرة للقلق؛ هل أخذنا بعين الاعتبار يوماً أنَّ كولومبيا ربما تعتقد هي الأخرى أنَّها في النصف الأسهل من المباريات المتجهة نحو النهائي؟