كانت ليلةً عصيبة بالنسبة للأرجنتين، ويبدو أن أحداً لم ينافس أسطورة البلاد دييغو آرمندو مارادونا في الانفعال مع كلِّ فرصة تتاح لمنتخب "التانغو".
طاردت الكاميرات اللاعب الدولي السابق بعد كل لقطة مهمة تحدث على أرض الملعب، ليتحول الأسطورة الجالس على مقاعد كبار الزوار في ملعب سان بطرسبورغ إلى أحد نجوم المباراة التي شهدت فوز الأرجنتين على نيجيريا 2-1 وبلوغها الدور الثاني من كأس العالم 2018.
شوهد مارادونا قبل المباراة وهو يراقص امرأةً، قبل أن يرفع لافتةً مزخرفة تحمل صورته؛ ليُسعِد الجماهير الأرجنتينية الجالسة أسفل منه والذين تزاحموا لالتقاط صور السيلفي ومقاطع الفيديو معه.
وعندما سجل ليونيل ميسي هدف الأرجنتين الأول، احتفل مارادونا كما لو كان الهدف من صنع الله. لكن في مرحلةٍ أخرى من المباراة، بدا بطل كأس العالم 1986 كما لو أنه نائم.
صار مارادونا بكلِّ وضوحٍ أكثر حيوية عندما أحرز مدافع فريق مانشستر الإنكليزي ماركوس روخو، الهدف الذي أهل بلاده للقاء فرنسا في دور الـ 16، رافعاً إصبعه الأوسط للجماهير في إشارةٍ بذيئة!
وبعد وقتٍ قصير من صافرة النهاية، انتشرت لقطاتٌ مرعبة على تويتر تُبيِّن مارادونا محمولاً إلى مقاعد كبار الزوار مرة أخرى والموظفون يتزاحمون ليجلبون له شراباً. ثم انتشرت بعدها بوقتٍ قصير أنباءٌ عن إصابته بأزمةٍ قلبية مميتة، ما دفعه إلى تكذيب الشائعات على الشبكات الاجتماعية.
وأخيراً نشر مارادونا تصريحاً في الساعة 3 صباحاً عبر حسابه على إنستغرام يعترف فيه أنه أسرف في شرب النبيذ الأبيض قبل المباراة وبين الشوطين، ويدَّعي أنه كان يعاني من ألمٍ في رقبته.
أراد الأطباء إرساله إلى المستشفى بين الشوطين، لكنه رفض، "كيف يمكنني الرحيل؟ أردت البقاء لأننا كنَّا على المحكِّ".
ظهرت صورٌ له في ما بعد بصحةٍ أفضل بكثير، التقطتها رئيسة محطة teleSUR التلفزيونية باتريشيا فيلغاس، على متن طائرته الخاصة العائدة إلى موسكو.
هكذا جرت آخر قصص جولة مارادونا العاصفة في كأس العالم في روسيا.
وبحسب صحيفة Daily Mail البريطانية، فإن وجود مارادونا في روسيا جاء بصفةٍ رسميةٍ، كجزءٍ من بادرة "الأساطير" التي أطلقها رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو.
وتنص الفكرة على أن أسطورة أو اثنان كل دولة مشاركة في البطولة؛ يحضرون المباراة في دورالسفراء. لكن ضيافة مارادونا تتكلف أكثر من غيره بفارق كبير.
فبحسب Daily Mail، يدفع الاتحاد الدولي 10 آلاف جنيه إسترليني (13 ألف دولار) في اليوم الذي يقوم فيه مارادونا بأيِّ عملٍ لـ "فيفا" في روسيا، بالإضافة إلى تكاليف سفره وإقامته ونفقاته.
في مباريات الأرجنتين يجلس مارادونا في أفضل مقاعد الضيافة محاطاً بأصدقائه، وكما يبدو لديه مطلق الحرية في فعلِ ما يحب.
فخلال المباراة التي شهدت تعادل الأرجنتين مع آيسلندا 1-1، التُقِطَت له صورٌ وهو ينفث دخان السيجار في ملعبٍ بموسكو لا يُسمَح فيه بالتدخين.
وفي اللقاء الذي خسرته الأرجنتين 1-3 أمام كرواتيا في نيجني نوفغورود، تولَّى دورَ كبير مُشجِّعي الأرجنتين، ورَبَطَ قميصاً حول رأسه وقاد الهتاف مع الكثير من حركات الذراعين.
انخفاض مستوى الـ "تانغو" هو الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يفُتَّ عَضُده، هذا وقد أومأ إيماءةً عنصرية واضحة لمجموعةٍ من المُشجِّعين الكوريين الذين توجَّهوا إليه وهتفوا باسمه "دييغو".
وكتب مارادونا رداً على هذه الاتهامات، "رأيت ولداً آسيوياً يرتدي قميص الأرجنتين. حاولت من بعيد إخباره كم كان رائعاً بالنسبة لي أن يهتف حتى الآسيويون لنا. وهذا كل ما في الأمر يا رفاق".
أصبح حسابه على إنستغرام عبارة عن مجموعة من الرسومات الموضحة لنتائج كأس العالم ومقاطع فيديو صوَّرَها مرافقوه له وهو يشقُّ الجموع داخل الملعب.
الشيء الآخر الذي يشغل وقت مارادونا هو برنامجٌ تلفزيوني يُذاع من محطة teleSUR ومقرها فنزويلا.
يحمل البرنامج اسم "De la mano del Diez – من يد الرقم 10″، يمكنك أن ترى مارادونا مرتدياً عادةً ملابس الراعي الرسمي بوما، والمُعلِّق فيكتور هوغو موراليس، يناقشان آخر أحداث كأس العالم بالإضافة إلى القضايا السياسية المُتعلِّقة بالبطولة.
شارك مارادونا في برنامج مماثل على شبكة التلفزيون في أثناء كأس العالم 2014 في البرازيل، وتمتَّعَ بإطلالةٍ مؤقتة عبر أمريكا الجنوبية واللاتينية بأسرها.
يشير عنوان البرنامج بوضوح إلى هدف مارادونا الشهير "يد الرب" في مرمى منتخب إنكلترا في كأس العالم 1986، وله أغنية جذَّابة تؤديها فنانات أمريكا اللاتينية ليلى داونز، وشارو بوغارين، وماريا موتاتا.
يعيد مارادونا وموراليس ترتيب العالم على طاولةٍ زجاجية مرسوم عليها دمية ماتريوشكا الروسية في البرنامج الذي تستغرق كلُّ حلقةٍ فيه 35 دقيقة وتُبَثُّ من روسيا.
تحدَّث مارادونا على كلِّ منبرٍ بفجاجة، وشنَّ حملاتٍ هجومية على مُدرِّب الأرجنتين خورخي سامباولي وطالَبَ بلقاء اللاعبين قبل مباراة نيجيريا. ولكنه لم يلق تشجيعاً على هذا.
قال بعد مباراة كرواتيا، "أنا غاضبٌ ومستاءٌ للغاية من أعماقي، لأن أيَّ شخصٍ ارتدى هذا القميص لا يسعه رؤية فريقه يُهان بهذه الطريقة أمام فريق كرواتي ليس ألمانيا أو البرازيل أو هولندا أو إسبانيا".
وحتى الآن لم نر صورةً تجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمارادونا، ولكنها على الأغلب مسألة وقت إذا ظلَّ هناك حتى لنهاية البطولة.