بعد أسبوعين من بداية مباريات كأس العالم 2018، أصبح هناك أمرٌ واحد واضح تماماً؛ انخفاضُ المستوى الكرويّ حينما تجمع المباراة بين فريقين ليسا ضمن أفضل 15 فريقاً في العالم.
فحتى يوم الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، كانت هناك 7 فِرَقٍ، أحرز كلٌّ منها هدفاً واحداً فقط بمبارتين، في حين كانت هناك 4 فرَِق لم تُسجِّل أي أهداف، وإن كان المنتخب المغربي ونظيره السعودي قد تمكنا أخيراً من إحراز أهدافٍ في ثالث مبارياتهما وآخرها يوم الإثنين 25 يونيو/حزيران 2018.
لكنَّ المنتخب السعودي استقبل 6 أهدافٍ في أول مباراتين، منها 5 في المباراة الافتتاحية لكأس العالم. بينما تلقَّى المنتخب التونسي 7 أهدافٍ أول مباراتين له، لكنَّه يحتل المركز الثالث في مجموعته فوق منتخب بنما، الذي يحل رابعاً بعدما استقبلت شباكه 9 أهداف.
هذه الإحصاءات الأولية، بالإضافة إلى إحصاءاتٍ أدق مثل نسب الاستحواذ وعدد التسديدات، تُشجِّع مُعارضي زيادة عدد الفرق المُشاركة في كأس العالم إلى 48 فريقاً، والتي من المقرر العمل بها في بطولة كأس العالم 2026 التي ستُقام في أميركا الشمالية، وربما حتى قبل ذلك؛ إذ حصل هؤلاء المعارضون الذين ينتقدون عدم التكافؤ بين الفرق المُتنافسة، على كل الأدلة التي يحتاجون إليها لتدعيم موقفهم الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، بمدينة نيجني نوفغورود، حيثُ أحرز المنتخب الإنكليزي 5 أهدافٍ بمرمى نظيره البنمي، الذي يشارك في كأس العالم للمرة الأولي، في 37 دقيقة فقط من شوط المباراة الأول!
وانتهت المباراة بنتيجة 6-1، وكان من المحتمل أن تنتهي بفارق أهدافٍ أكبر، وهي حقيقةٌ دفعت مُدرِّب المنتخب البنمي، هرنان غوميز، إلى التشبَّث بتحقيقه انتصاراً معنوياً، أي ذلك الهدف الشرفيّ، بعدما انتهت المباراة بهزيمةٍ مُذِلة.
تحدَّث غوميز عن الهزيمة، قائلاً "أنا فخورٌ؛ لأنَّنا لم نُهزَم بفارقٍ أكبر من ذلك. فبعد انتهاء الشوط الأول بخماسيةٍ نظيفة، كان من الممكن أن تُصبح النتيجة النهائية كارثية". (لم يتضح تعريف النتيجة الكارثية من منظور غوميز بعد).
وقال محاولاً النظر إلى الجانب الإيجابي، "لقد تأهلنا إلى كأس العالم، علينا الاحتفال بذلك".
وفي الواقع، هذه أقوى حجة لزيادة الفرق المشاركة بكأس العالم؛ وتتمثل في أنَّ دعوة المزيد من الفرق إلى البطولة تمنح تلك المنتخبات التي تخسر دائماً في التصفيات وتفشل في التأهل فرصةً على الأقل لوضع اسمها يوماً ما في كبرى بطولات كرة القدم. حاول مثلاً إقناع الشعب البنمي بأنَّ هدف حفظ ماء الوجه الذي أحرزه اللاعب البنمي فيليبي بالوي متأخراً، ويُعَد أول هدفٍ للمنتخب البنمي في كأس العالم، لا قيمة له.
بيد أنَّ المذبحة التي تعرَّض لها المنتخب البنمي كانت واحدةً من عدة مباريات في بطولة كأس العالم الحالية شهدت تفوقاً كاسحاً لبعض المنتخبات على نظيرتها الأخرى، وكُلُّ هذه المباريات تجعل فكرة زيادة عدد الفرق المُشارِكة في البطولة بنسبة 50% وضمِّها منتخباتٍ أقل بكثير في التصنيف العالمي كل 4 سنوات، مُثيرةً للقلق بشكل كبير.
وفي مباراةٍ أخرى، أحكم مُدرِّب المنتخب الكوستاريكي، أوسكار راميريز، الرقابة على لاعبي المنتخب البرازيلي، الذين لم يكونوا في أفضل مستوياتهم الأسبوع الماضي؛ إذ دافع بـ 10 لاعبين، ودعا ربه معظم أوقات المباراة كي ينتزع نقطة التعادل، لكنَّه خسر المباراة في الوقت المحتسب بدل الضائع، حين نجح المنتخب البرازيلي أخيراً في اختراق دفاعاته وإحراز هدفين. وبعد المباراة، طلب راميريز مسامحته على طريقة لعبه، معترفاً بتفوق المنتخب البرازيلي الكاسح على فريقه.
وقال، "أعتقد أنَّنا بذلنا كل ما في وسعنا بالنظر إلى إمكاناتنا".
قبل 4 سنوات ببطولة كأس العالم 2014 التي أُقيمت في البرازيل، بدا أنَّ مستوى منتخبات اتحاد الكونكاكاف القاري، الذي يشمل الأميركتين الشمالية والوسطى، في تصاعد؛ إذ تأهل المنتخب الكوستاريكي إلى الدور ربع النهائي، وكان قريباً من الوصول إلى الدور نصف النهائي، لكنَّه خرج من البطولة بركلات الترجيح، وتأهَّل المنتخبان المكسيكي والأميركي إلى دور الـ 16، وكانا قريبين من الصعود إلى الدور ربع النهائي لكنَّهما خسرا.
أمَّا في البطولة الحالية المُقامة بروسيا، فالمكسيك قد وصلت بالفعل إلى دور الـ 16 للمرة السابعة على التوالي، لكنَّ المنتخب الأميركي أخفق في التصفيات المؤهلة إلى البطولة، والمنتخب الكوستاريكي استعان بلاعبيه الأساسيين أنفسهم، الذين قدَّموا أداءً ناجحاً في البرازيل، لكنَّ أعمارهم الآن صارت أكبر بـ 4 سنواتٍ كاملة من أعمارهم آنذاك.
في حين ظهر المنتخب البنمي بمجموعةٍ من بعض أكبر اللاعبين سنَّاً في البطولة، لمكافأة جيلٍ من اللاعبين الذين أمضوا مسيرتهم في محاولة التأهُّل إلى هذه المرحلة، لكنَّ مصيره كان واضحاً جداً، لدرجة أنَّ بعض مسؤولي الاتحاد البنمي غادروا روسيا بعد مباراة منتخبهم الأولى.
ووفقاً للنموذج الذي وضعه الاتحاد الدولي لكرة القدم بشأن زيادة الفرق المشاركة في كأس العالم إلى 48 فريقاً، ستُشارك مزيدٌ من المنتخبات التي لا تملك آمالاً كبيرة في الفوز؛ إذ ستحصل قارة آسيا على 8 مقاعد بدلاً من 4.5، وستُمنَح قارة إفريقيا 9 مقاعد بدلاً من 5، وستضمن الأميركتان الشمالية والوسطى 6 مقاعد بدلاً من 3.5، وستحصل قارة أميركا الجنوبية، التي تُعَد واحدةً من أقوى الاتحادات القارية، على 6 مقاعد بدلاً من 4.5، في حين سيرتفع عدد المقاعد المُخصَّصة لقارة أوروبا من 13 مقعداً إلى 16.
أمَّا منطقة أوقيانوسيا، التي يضطر المنتخب الفائز في تصفياتها حالياً إلى خوض مباراة فاصلة مع أحد منتخبات الأميركتين الشمالية والوسطى أو آسيا أو أميركا الجنوبية من أجل التأهُّل إلى كأس العالم، ولم يتأهل أي منتخبٍ منها إلى كأس العالم سوى مرتين فقط منذ العام 1982، فستضمن الآن مقعداً في كأس العالم كل 4 سنوات.
كانت زيادة عدد الفرق المشاركة في كأس العالم أولويةً من الناحيتين الأخلاقية والسياسية لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو، الذي يرغب في تعزيز إثارة الحدث الرياضي الأكثر مُشاهدةً بالعالم في عددٍ أكبر من الدول وزيادة الإيرادات. دافع إنفانتينو عن زيادة الفرق بالإشارة إلى مدى وصول الرياضة إلى مستوىً هائل من الإثارة بدولٍ لا تُشارك عادةً في البطولات الكبرى، وخصَّ بالذكر ظهور آيسلندا مؤخراً، وهي الدولة التي حظيت بشعبيةٍ كبيرة بعد فوز منتخبها المفاجئ على نظيره الإنكليزي في بطولة كأس أوروبا 2016 وإخراجه من البطولة. جديرٌ بالذكر أنَّ المنتخب الآيسلندي كذلك يُشارك في كأس العالم للمرة الأولى بتاريخه.
يُذكَر أنَّ إنفانتينو قال في شهر يناير/كانون الثاني 2018، بعد موافقة الاتحاد الدولي على زيادة عدد الفرق المشاركة في كأس العالم إلى 48 فريقاً، "نحن في القرن الـ 21، وعلينا تشكيل بطولة كأس العالم لكرة القدم بما يُناسب القرن الحالي. كرة القدم لا تقتصر على أوروبا وأميركا الجنوبية، إنَّها لعبة عالمية".
لم يردَّ الاتحاد الدولي لكرة القدم فوراً على الطلبات التي وصلت إليه مؤخراً للتعليق على زيادة عدد الفرق المُشاركة في كأس العالم. لكنَّ رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم راينهارد غريندل، قال في مقابلةٍ أُجريت معه مؤخراً، إنَّه يفهم الرغبة في زيادة عدد الفرق المشاركة، لكنَّه أضاف: "من ناحيةٍ أخرى، نشعر بالأسف؛ لأنَّ ذلك ليس جيداً لمستوى المباريات في دور المجموعات".
للأمانة، كان أداء منتخبات اتحاد كونكاكاف أفضل في بطولات كأس العالم من نظيرتها الآسيوية والإفريقية منذ زيادة عدد الفرق المُشاركة في البطولة إلى 32 فريقاً بنسخة العام 1998. ومنذ بطولة 1998 إلى بطولة 2014، تأهلت منتخبات كونكاكاف إلى الأدوار الإقصائية 9 مراتٍ من أصل 17 مرة شاركت فيها، مُقارنةً بـ 5 مراتٍ من أصل 20 مشاركة للمنتخبات الآسيوية، و6 مراتٍ من أصل 26 مشاركة للمنتخبات الإفريقية. وحتى مساء الأربعاء 28 يونيو/حزيران 2018، لم يتأهل أي منتخبٍ من كونكاكاف أو آسيا أو إفريقيا إلى دور الـ 16 بكأس العالم المُقامة حالياً في روسيا.
المنتخب السعودي ونظيره المصري اللذين يُمثِّلان قارتي آسيا وإفريقيا على الترتيب مُنيا بهزيمتين ثقيلتين من منتخب روسيا البلد المضيف، الذي كان يحتل التصنيف الـ 70 عالمياً قبل بدء البطولة. وبلغت نسبة استحواذ المنتخب التونسي على الكرة في مباراته ضد نظيره الإنكليزي 30%، وفي الـ 15 دقيقة الأخيرة من المباراة، بلغ استحواذ المنتخب الإنكليزي على الكرة 85%.
وقال تاب راموس، المُحلِّل في قناة Telemundo الأميركية والمدير الفني للمنتخب الأميركي للشباب "القوى الكروية العُظمى لديها مجموعةٌ من أفضل اللاعبين. لذا يتفوقون في المباريات المهمة".
إنَّ وصفة راموس للتحسُّن بسيطةٌ بقدر ما هي مُعقَّدة. لتحدي صفوة المنتخبات في كأس العالم، تحتاج الدول ذات الإمكانات الكروية الأقل إلى امتلاك لاعبين من الطراز العالمي، يلعبون بانتظامٍ في بطولاتٍ كبرى مثل دوري أبطال أوروبا. لكنَّ الانضمام إلى هذه الأندية الكُبرى صعب، لا سيما على لاعبي تونس أو المملكة العربية السعودية أو بنما.
في حين يقول مؤيدو زيادة الفرق المشاركة في كأس العالم إلى 48 فريقاً، إنَّ الأمر أكثر تعقيداً من مُجرَّد النظر إلى فارق الأهداف في مباراةٍ غير متكافئة بين المنتخب الإنكليزي ونظيره البنمي، والخلوص إلى توقُّع المزيد من الهزائم الثقيلة؛ إذ قال أليكسي لالاس، لاعب كرة القدم الدولي الأميركي السابق والمُعلِّق في قناة Fox Sports الأميركية الرياضية، إنَّه لا يرى كيف كانت مشاركة منتخبات الولايات المتحدة وتشيلي وهولندا وغانا وإيطاليا، على سبيل المثال، ستضر بمستوى البطولة لو تأهلت إلى النسخة الحالية من كأس العالم في روسيا.
وكتب لالاس، متحدثاً عن احتفال جماهير المنتخب البنمي بسكب الجعة بعدما أحرز المنتخب البنمي أول أهدافه في تاريخ كأس العالم، "انظروا إلى هذه المشاهد التي رأيناها بعدما أحرز المنتخب البنمي هدفاً ضد نظيره الإنكليزي. لا ينبغي أن تكون كأس العالم بطولةً خيرية، لكنَّها أيضاً أكثر من مُجرَّد نتيجةٍ نهائية لإحدى المباريات. وأعتقد كذلك أنَّ الفرق حين ترى أنَّ أمامها فرصةً للمشاركة في كأس العالم، سيكون لديها حافزٌ حقيقي للتحسُّن سعياً لبذل كل ما في وسعها أمام العالم بأَسره".ومع ذلك، ما زال أمام الوافدين الجدد، مثل المنتخب البنمي وغيره من المنتخبات، طريقٌ طويل لتقطعه. فبعد الهزيمة الساحقة التي تلقاها المنتخب البنمي أمام نظيره الإنكليزي، وصف المُدرِّب غوميز قائمتي لاعبي المنتخبين الإنكليزي والبلجيكي الذين اكتسحوا فريقه بأنَّهما "مُرعبتان".
وقال اللاعب الدولي السابق، "هذا النوع من المباريات يُخبرك بمستواك الحقيقي".
وما زال الجدل دائراً حول فكرة زيادة عدد الفرق المشاركة في كأس العالم بين مؤيد ومعارض.