لماذا يعتبر لقاء الأرجنتين ورومانيا الأمتع في كأس العالم 1994؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/27 الساعة 20:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/28 الساعة 06:42 بتوقيت غرينتش

يمكنك أن تسأل ألف مشجع كرة قدم حول العالم عن أفضل مباراة شاهدوها في حياتهم، وستجد نفسك أمام وابل من الإجابات المختلفة، كلها صائبة وكلها خاطئة أيضاً. لكن وبشكل لا لبس فيه، هنالك مباراة تقع ضمن قائمة "الأمتع على الإطلاق"، وهي موقعة دور الـ 16 من كأس العالم التي خاض غمارها كل من المنتخب الأرجنتيني ونظيره الروماني في العام 1994.

فلنبدأ بالنقاط الرئيسية التي جعلت من هذه المباراة مباراةً فوق العادة، ونزالاً من العيار الثقيل.

تأهلت رومانيا على رأس مجموعتها بفضل طريقة لعبها القائمة على الهجمات المرتدة السريعة، والدفاع المنظم، والأداء السلس الجميل الذي يسر الناظرين.

أما الأرجنتين، فوصلت إلى دور الـ 16 بعد حلولها في المركز الثالث في مجموعتها، لكن مع ذلك كانت تعتبر الطرف المرشح لتجاوز رومانيا والظفر ببطاقة التأهل للدور ربع النهائي، بفضل تاريخها الحافل بالإنجازات الكروية وسُمعتِها الكروية.

لكن النزال المنتظر، الذي تذكرنا به صحيفة The Guardian البريطانية، بين مارادونا الأرجنتين و"مارادونا البلقان"، كما كان يحلو للمشجعين تسمية الأسطورة الرومانية جورجي هاجي في ذلك الوقت، فقدت أبرز رموزها عقب استبعاد المارد الأرجنتيني مارادونا، بسبب ثبوت تعاطيه لمادة منشطة محظورة قبل 3 أيام فقط من مواجهة المنتخبين.

وما زاد الطين بلة هو عدم جاهزية اللاعب كلاوديو كانيجيا هو الآخر، لكن منتخب "التانغو" كان يضم بين صفوفه ثلة من المهاجمين الذين يُحسد عليهم، على غرار غابرييل باتيستوتا وهابيل بالبو.

لم يكن المنتخب الروماني بمنأى عن المشكلات أيضاً، حيث عانى مدربه أنغيل يوردانيسكو من صعوبات جمة خلال محاولته تحديد قوام تشكيلته الأساسية التي ستواجه الأرجنتين. وارتأى المدرب تعويض المهاجم الذي تم إيقافه عن اللعب، فلورين رادوكيو، باللاعب إيلي دوميتريسكو، الذي كان قد سجل 9 أهداف في 8 مشاركات سابقة بقميص المنتخب الروماني. وقد كانت هذه الخطوة ذات شأن في تحديد ملامح المباراة، خاصة مع اعتماد المدرب على تكتيك قائم على وضع مهاجم وهمي في تشكيلته الأساسية.

بعد مضي 11 دقيقة من ركلة البداية، اضطلع دوميترسكو بتسديد ركلة حرة مباشرة على مقربة من خط التماس، نفذها بشكل جميل ليُخادِع حارس العرين الأرجنتيني لويس إيسلاس، وتستقر الكرة في الشباك، معلنة عن تقدم الرومانيين بهدف.

ويمكن تشبيه هذا الهدف بِهدف زميله جورجي هاجي في شباك منتخب كولومبيا في دوري المجموعات.

ولم يدم تقدم أشبال المدرب يوردانيسكو كثيراً، حيث عادل باتيستوتا الكفة لصالح منتخب بلاده من علامة الجزاء بعد مضي 5 دقائق فقط.

لم يدم التعادل بين المنتخبين أكثر من دقيقتين، إذ قطع المهاجم الروماني الكرة من منتصف الملعب، وخلق مساحة لزميله هاجي على الجهة اليمنى، ثم مرَّر له كرة عرضية، وتوغَّل داخل منطقة العمليات، وما كان من هاجي إلا أن قدم له تمريرة حاسمة، تكفل المهاجم بإسكانها الشباك على مستوى القائم الأيمن للمرمى الأرجنتيني.

وكان دوميتريسكو على وشك تسجيل هاتريك خلال الشوط الأول للمباراة، إلا أن المدافع فرناندو كاسيراس حال دون حدوث ذلك بعد تشتيته لتسديدة الرومانيّ من على خط المرمى، عقب هجمة مرتدة منظمة قادها الهجوم الروماني.

واصلت رومانيا سيطرتها على مجريات المباراة خلال الشوط الثاني، وتمكنت من تعميق الفارق مع الأرجنتينيين قبل حلول الدقيقة 60 من عمر المباراة، وذلك عندما توغل اللاعب تيبور سيليميس من الجانب الأيسر، وركض بالكرة نحو المرمى الأرجنتيني، قبل أن يقدم الكرة على طبق من ذهب لزميله هاجي الذي سدد الكرة بطريقة جميلة لتعانق شباك الحارس إيسلاس.

هاجم الأرجنتينيون بضراوة لتقليص الفارق، ليتمكنوا من تسجيل هدف ثانٍ بأقدام المهاجم بالبو، الذي استغلَّ خطأ الحارس فلورين برونيا وعجزه عن الإمساك بالكرة التي سدَّدها زميله دييغو سيميوني، ليتابع الكرة ويودعها الشباك بتسديدة قوية. وانتهت المباراة حامية الوطيس بالنتيجة ذاتها، ليتمكَّن الرومانيون من تحقيق فوز شهير، ساهم في بلوغهم مرحلة لم يسبق لهم الوصول إليها خلال مشاركاتهم السابقة.

شهدت هذه الملحمة الكروية تسجيل 5 أهداف كاملة، وشارك فيها ثلة من اللاعبين العالميين في قمة عطائهم الكروي، ليمنحوا عالم كرة القدم مباراة ساخنة حتى الدقائق الأخيرة، مما يجعل أحداثها أقرب لأحداث فيلم إثارة وتشويق. لكن هذه المباراة ليست بقيمة المباريات الكلاسيكية التي عاصرناها في السابق، فما الذي يجعلها تتبوأ هذه المكانة المميزة وتتجاوز المباريات الأخرى؟

يمكن القول إن وتيرة المباراة وتناقل اللاعبين للكرة بسرعة مذهلة على الرغم من الظروف المناخية الحارة، فضلاً عن الجودة الفنية الاستثنائية التي أظهرها اللاعبون على أرضية الملعب، والمعركة التكتيكية المذهلة بين اثنين من المديرين الفنيين اللذين كانا يستخدمان أسلوبين مختلفين تماماً، قد ساهمت في جعل هذه المباراة الأفضل على الإطلاق.

اعتمد المنتخب الأرجنتيني تشكيلة ذات خطوط متقاربة 4ـ4ـ2 لضمان نقل الكرة بسرعة وسلاسة إلى لاعبي الوسط، على غرار ريدوندو وسيميوني وأرييل أورتيغا، ومد المهاجمين باتيستوتا وبالبو بالكرات التي يحتاجانها للتسجيل. في الطرف المقابل، تبنَّت رومانيا تشكيلة شبيهة بنهج 4ـ6ـ0 لخلق كثافة عددية وسط الميدان، واعتماد الهجمات المضادة السريعة عند افتكاك الكرة من أقدام الأرجنتينيين.

خلال هذه مباراة، تابع زملاء هاجي تبادل المراكز فيما بينهم لإرباك المدافعين، مما ساهم في خلق ما يشبه عاصفة كروية دامت 90 دقيقة كاملة بين الفريقين. ويمكن القول إن هذه المباراة الرائعة مثلت مزيجاً متكاملاً من السرعة والذكاء والتقنية المثالية والتكتيك الصارم.

شهدت هذه المباراة أفضل أداء على الإطلاق خلال نسخة 1994 من كأس العالم، بيد أن ذلك عنى أيضاً أن أحد المنتخبين مجبر على مغادرة المحفل الكروي، وسيعود إلى بلاده بشكل مؤسف.

أما فيما يتعلق بأداء منتخب رومانيا ونتيجة المباراة، فقد صرح المدرب يوردانيسكو "مثَّل هذا الانتصار أعظم حدث يحتفل به شعبنا منذ الثورة، كما أنها أعظم لحظة في تاريخ كرة القدم الرومانية".

لطالما كان مارادونا عاجزاً عن تجاوز ألم الخروج المبكر، الذي ساهم في تقهقر عنفوانه وخدش كبريائه، حيث قال "لم تهزمنا رومانيا في الملعب، لقد هُزِمنا خارج الملعب وهذا ما يؤلمنا".

ولنأمل أن مارادونا سيتغاضى عن الشعور بجنون العظمة ليفكر بعقلانية ولو لمرة واحدة، ويدرك أنه لا يوجد عار إزاء الخسارة بفارق ضئيل في إحدى أكثر المباريات إثارة على الإطلاق.

تحميل المزيد