أطلق الحكم صافرة النهاية، معلناً فوز منتخب ألمانيا على نظيره السويدي 2-1 بسيناريو دراماتيكي.
وبذلك الهدف الخيالي، أعاد توني كروس الروح في المنتخب الألماني، وأعطاه قبلة الحياة للاستمرار في نهائيات كأس العالم 2018، بعد أن كان قد قاب قوسين أو أدنى من الخروج من الباب الصغير.
استحواذ ألماني وهدف سويدي في الشوط الأول، ثم هدف ألماني مبكر في الشوط الثاني، وعندما ظنَّ الجميع أن النتيجة قد حُسمت عندما كانت ساعة الحكم تشير إلى الدقيقة 94:10 ثوانٍ، أبى توني كروس إلّا أن يبقى الـ "مانشافت" في الصورة، ليعلن أن الماكينات الألمانية تمرض، لكنها لا تموت.
بهذا الهدف الرائع أيضاً، لدقته وأهميته، يمكننا القول إننا في مونديال الـ "+90″، حيث إن هذه هي 6 مباراة تحسم في الدقيقة 90 وما بعدها.
ما قام به الألمان في ليلة الأحد 23 يونيو/حزيران، يبرهن من جديد أن "المستحيل ليس ألمانياً".
الشوط الأول: لأن يداً واحدة لا تُصفِّق
ألمانيا بـ 4-2-3-1 تواجه سويد الـ 4-4-1-1؛ اندفاع ألماني شديد، هجمات من الطرف الأيمن والأيسر ومن العمق، لكن بلا تركيز في إنهاء الهجمات. هجوم كاسح لكنك تشعر وأنه يفتقد العقل المدبر، يفتقد لمسعود أوزيل صاحب اللمسة الجميلة، الذي يرسم اللوحات بقدميه، وليس مسعود أوزيل "المكسيك".
ما حدث للمنتخب الألماني في حالة الهجوم، خلال الشوط الأول مشابه لما حدث له طوال مباراة المكسيك. فهو يواجه دفاعات كثيفة لكنها غيرها منظمة بشكل جيد، ومع ذلك يضيع لاعبوه الفرص الواحدة تلو الأخرى بغرابة شديدة!
في وسط الملعب كانت المشكلة ذاتها، سهولة اختراق العمق الألماني وسهولة شن المرتدات على الدفاع الألماني، خاصة مع بطء روديغير وبواتينغ، وهو ما حدث في مناسبتين، ضاعت الأولى عن طريق المهاجم ماركوس، وسجلت الثانية عن طريق اللاعب أولا تويفونين. ليصبح المنتخب الألماني في مأزق كبير، خاصة بعد التراجع الكثيف للمنتخب السويدي أمام منطقة جزائه، ومن ثم "الدفاع ثم الدفاع ثم الدفاع" دون أن يترك أية مساحات للمنتخب الألماني، لدرجة أنه في الكثير من اللقطات يمكنك عدّ الـ 11 لاعباً سويدياً في منطقة جزائهم.
ملخص الشوط الأول بالنسبة لألمانيا هو ماركو رويس الذي فعل كل شيء من أجل التسجيل لكن يداً واحدة لا تصفق.
الشوط الثاني: عبقرية يواكيم لوف!
عبقرية ممزوجة بالجرأة، هذه هي شخصية يواكيم لوف التي ظهرت في الشوط الثاني، وظهر بها كل من يرتدي رداء الألمان على أرض الملعب.
العبقرية هي في إدارته للأخطاء التي حدثت وطريقة حلها، فرغم احتياجه للهجوم وتسجيل هدفين في 45 دقيقة فاصلة على مشوار الـ "مانشافت" في المونديال، إلا أن أول ما قام به لوف هو إعادة تموضع خطّي الدفاع والوسط لمنع الهجمات المرتدة السويدية، التي كانت خطرة للغاية خلال الشوط الأول، وكادت أن تقتل المباراة.
في الشوط الثاني، تمركز بواتينغ وروديغير (قلبا الدفاع) بشكل متأخر قليلاً عن الشوط الأول لمنع الدخول في سباقات سرعة يعرف الجميع من سيفوز بها، مع تأخير إلكاي غوندوغان، ليحمي العمق عن طريق إفساده لمشاريع المرتدات السويدية، ودخول جوشوا كيميتش إلى عمق الملعب، مسانداً لغوندوغان فيما أزاح الواجبات الدفاعية عن كتفي كروس، وأطلق قدميه لهندسة الهجمات الألمانية، هذا أعطى فاعلية هجومية كبيرة للغاية للمنتخب الألماني، خاصة أنها تزامنت مع القرار الجريء بإشراك المهاجم ماريو غوميز، إلى جانب المهاجم الأساسي تيمو فيرنر، مما أسهم في خلخلة الدفاعات السويدية، وجاء الهدف الأول عن طريق ماركو رويس في بدايات الشوط الثاني.
حينها أعتقد الجميع أن الألمان في طريقهم للانتصار، وأن السويديين سينهارون الآن. إلا أن "الفايكينغ" استطاعوا لملمة شتاتهم، وأعادوا تمركزهم بشكل دفاعي أفضل، وبدأوا في رحلة الصمود أمام الغزو الألماني لمناطقهم. وحينما اشتد الحصار على السويديين قرَّر جيروم بواتينغ تخفيف الضغط عليهم، وقام بعرقلة "مجانية" في منتصف الملعب، ليحصد الإنذار الثاني، ويتم طرده في الدقيقة الـ 82.
حينها جاء دور الجرأة، الدقيقة الـ 87، المنتخب الألماني بعشرة لاعبين، المنتخب السويدي صامد ولديه 11 لاعباً على أرض الملعب. حينها قرَّر يواخيم لوف بنصف جرأة العالم إخراج الظهير الأيسر جوناس هيكتور، وإنزال الجناح المهاجم جوليان براندت، في مغامرة ومخاطرة تبحث عن الفوز، ولا ترضى به بديلاً.
ولأن كرة القدم، لا تحب الجبناء وإنما تُكافئ الشجعان المغامرين، قررت الكرة إنصاف لوف وإهداءه هدفاً قاتلاً، يحصد به النقاط الثلاث الأولى، ويصبح مطلوباً منه الفوز على كوريا الجنوبية في المباراة القادمة، ليعبر بالمانشافت إلى دور الـ 16.
الجزء الرقمي والإحصائي
من الصورة (1) القادمة من موقع Who Scored يمكننا رؤية التقارب الشديد في التقييمات، أما على مستوى التفاصيل فالمنتخب الألماني قد تفوق بالطول والعرض وسيطر على كل شبر في أرضية الميدان وفرص حصاراً تاماً على السويديين جعلهم يختنقون طوال الـ 50 دقيقة في الشوط الثاني حتى أطلق توني كروس رصاصة الرحمة ببراعة شديدة.
على مستوى التسديدات نرةى تفوقاً واضحاً للألمان كما على مستوى الاستحواذ وعلى مستوى المراوغات والصراعات الهوائية. نجح المنتخب الألماني في كل شيء ووضع توني حبة الكرز على مجهودات زملائه وعبقرية مدربه. لقد انتصر الألمان بالجرأة والعبقرية والروح.