دائمًا ما يرغب المستهلكون في أن تكون العلامات التجارية "موثوقاً بها"، وأن تكون داعمة لقضية ما. وترى العديد من الشركات أن ارتباطها مع بطولة كأس العالم 2018 في روسيا، يعتبر مخاطرة – خاصة بعد الانتهاكات الأخيرة -.
لا شك أن بطولة كأس العالم تمثل واحدة من أكثر المناسبات الرياضية مشاهدةً في العالم، التي لا يمكن مقارنتها إلا بالأولمبياد من حيث الجمهور العالمي. مع ذلك، شهد مونديال "روسيا 2018" إقبالاً ضعيفًا من حيث التسويق والإعلان.
وعلى الرغم من أن عديد العلامات التجارية الكبرى على غرار Nike وAdidas وVisa أطلقت جميعها إعلاناتها الخاصة بكأس العالم، إلا أن عدداً قليلاً من الحملات الإعلانية لاقت انتشارًا واسعاً على الشبكات الاجتماعية.
وعلى جبهة حرب العصابات الخاصة بالتسويق في أستراليا، كانت شركة Caltex الوحيدة التي قامت بحملة ترويجية ذكية، عقب اختيار اللاعب السابق، تيم كاهيل، للانضمام إلى منتخب أستراليا.
الاتحاد الدولي لكرة القدم قدم بعض الحقائق بشأن تراجع الحملات الإعلانية، في الوقت الذي تم فيه الاتفاق مع أكبر جهتين راعيتين لكأس العالم 2018، إلا أن الجهة الراعية الثالثة (ألا وهي الشركات الإقليمية) لا تزال لديها برامج لحملات تسويقية التي من المرجح أنها لن تباع. وفي منتصف شهر يونيو/حزيران، قامت "فيفا" لأول مرة باختيار راعٍ ثالث من إفريقيا.
وإجمالاً، تم بيع 20 دعاية فقط من أصل 34 لكأس العالم، ولا شك أن هذا سيكلف "فيفا" مئات الملايين من الدولارات من إيراداتها، وهو ما يمثل خبرا سيئا بالنسبة لرئيس الاتحاد الدولي جياني إنفانتينو، الذي وعد الدول الأعضاء بأن العائدات سترتفع خلال فترة ولايته.
لكن لماذا لا تشهد النسخة الحالية من كأس العالم اهتماماً إعلانيًا كالسابق، على غرار إعلان شركة Nike الشهير "جوغا بونيتو" والعديد الكبير من الحملات الإعلانية في بطولة كأس العالم ألمانيا 2006؟
ويبدو السبب بسيطاً للغاية والمتمثل في نقل العلامة التجارية. وتؤكد هذه النظرية التسويقية أن كل ما يعرفه المستهلك ويظنه عن أي علامة تجارية، سواء كان مكانًا أو شخصًا أو منتجًا، سينتقل للعلامة التجارية المرتبط بها سواء من خلال إعلان أو حملة تسويقية. وفي هذه الحالة، يكون السبب هو التعامل مع "العلامات التجارية" غير الموثوقة، مثلما هو الحال بالنسبة لمونديال "روسيا 2018" و"فيفا"، حيث توخت الشركات الغربية الحذر قبل انطلاق كأس العالم.
مع ذلك، لم تشكل هذه الارتباطات مشكلة بالنسبة لعلامات تجارية من مناطق أخرى في العالم، مثل الشركات الصينية Dalian Wanda، وHisense وVivo، وMengniu Dairy، والخطوط الجوية القطرية، وRussia's Gazprom، التي انضمت بكل سرور لسدّ هذا الفراغ.
ولا تعتبر روسيا بلدًا يستهان به، فالعلامات التجارية تدرك مشاكل النقل المتعلقة بأي علاقة تقوم بها مع روسيا، ابتداء من تدخّل موسكو في الانتخابات الأجنبية والحرب الأهلية السورية وصولاً إلى فضيحة استعمال المنشطات، التي تسببت في استبعاد رياضيين روسيين من الألعاب الأولمبية سنة 2016 و2018.
وكل ما قد تهتم به بعض الشركات هو كيفية تأثير هذه الارتباطات على علاماتها التجارية على المستوى المحلي. وفي أسواق مثل أستراليا والولايات المتحدة، يرغب المستهلكون دائما في أن تكون العلامات التجارية "موثوقة" وأن تكون داعمة لقضية ما، ولا تسعى لتحقيق الأرباح فحسب. وخلال السنة الماضية، أظهر النقاش حول المساواة في الزواج في أستراليا كيف أن العلامات التجارية الرائدة، مثل شركة Apple، كانت تدعم قضية تهم أغلبية السكان.
لكن فيما يتعلق بروسيا، يبدو أن العلامات التجارية تتبع إستراتيجية معينة لتفادي القيام بإعلانات لكأس العالم. ولا تعتبر البلاد مكانًا بارزًا في الحملات الإعلانية للعلامات التجارية الغربية الكبرى لكأس العالم لهذه السنة.
وبالطبع، قد يكون السبب هو أن روسيا ليست من ضمن البلدان التي يرغب الأشخاص في التقاط صورة فيها ومن ثم نشرها على الشبكات الاجتماعية، وهو أمر كانت البرازيل قد استفادت منه خلال كأس العالم 2014. ولا تزال البرازيل تظهر بشكل بارز في الإعلانات لهذا السبب.
مع ذلك، حتى عندما حاولت علامة تجارية مثل Lufthansa إبراز روسيا في إعلانها عن كأس العالم، واجهت الشركة مشاكل بسبب صعوبات في الحصول على إذن للتصوير هناك.
وعلى الرغم من أن الشركات تبحث بشكل متزايد عن طرق للوصول إلى المستهلكين، إلا أنها تتعامل بحذر مع المنحى العنيف الذي يمكن أن تتخذه ردود فعل الجماهير خلال أيامنا هذه، على غرار الحادثة التي مرت بها شركة Pepsi بعد الإعلان الشهير لعارضة الأزياء كيندال جينر.
وقد يكون هذا هو الدافع وراء قرار شركة Visa بإعادة تسجيل بعض إعلاناتها الخاصة بكأس العالم التي تحمل تعليقات صوتية للممثل مورغان فريمان، الذي وقع اتهامه مؤخرا من قبل العديد من النساء بقيامه بتصرفات لا أخلاقية.
ويشير هذا التوجه إلى أن روسيا أصبحت واحدة من أكثر الأسواق جذبا للعديد من الشركات، وذلك بفضل صعود الطبقة الوسطى التي تولي اهتماما للعلامات التجارية الغربية. لذلك فإن الشركات الغربية التي تتجنب التعامل مع "العلامات التجارية" الروسية أو إقامة شراكة مع الدولة استنادا إلى الصور النمطية القديمة، يمكنها أن تدفع الثمن محليا عند محاولتها التواصل مع المستهلكين الروس.
وقد تكون القضية الأكبر بالنسبة للعلامات التجارية تتمثل في "فيفا" نفسها، لذلك تحتاج هذه الهيئة الإدارية العالمية لكرة القدم إلى الخضوع إلى إصلاحات أكثر من أي منظمة أخرى، خاصة على خلفية فضائح الفساد الأخيرة التي لا تزال حاضرة في أذهان الكثيرين.
في الواقع، أصبحت صورة "فيفا" سلبية للغاية، خاصة وأن العديد من العلامات التجارية الكبرى قررت عدم تجديد عقودها بين سنة 2014 و2015، ولعل أبرزها شركة Sony، وEmirates، وContinental، فضلا عن شركات Johnson & Johnson وCastrol.
لكن، بينما ترى بعض الشركات أن التعامل مع الفيفا يشكل تحديات بالنسبة لها، ترى شركات أخرى فرصا كامنة في ذلك. ومع انخفاض الأسعار إلى حد كبير، وقعت بعض الشركات الصينية، التي لم يكن تعاقدها مرتقبا، عقودا لرعاية كأس العالم لهذه السنة، على غرار شركة صينية متخصصة في تصنيع الزبادي للشرب.
وبالنسبة لهذه الشركات، ليس هناك فساد يتعلق بعلامة "فيفا" كما هو الحال عند الغرب. ومع الإغراء الذي يحيط بفرضية احتضان الصين لكأس العالم في المستقبل، هناك المزيد من التغيرات في الإستراتيجيات نحو إرتباط وثيق مع "فيفا" أكثر من أي شراكات سلبية.
وبالطبع، سيكون من الصعب تجاهل نقل العلامة التجارية من بعض أشهر الرياضيين على وجه الأرض في أسواق مثل الصين، بغض النظر عما إذا كانت العلامة التجارية موصومة بالسلبية أم لا.
وأخيرا، قد نشهد تحولا أيضا في عالم التسويق الرياضي نفسه. فعلى الرغم من أن الصفقات الأخيرة لوسائل الإعلام الرياضية في كل من الولايات المتحدة وأستراليا وأماكن أخرى تشير إلى وجود سوق خال من الفساد للمنتجات الرياضية، إلا أنه على الأرجح أن الأرباح المتأتية من رعاية هذه العلامات لحدث كأس العالم قد وصلت إلى ذروتها.
ومع تنامي تبني الألعاب الإلكترونية والرياضات الإلكترونية من قبل عشاق الرياضة الأصغر سنا، تتضاءل الرغبة في معايشة حدث كبير على غرار نهائيات كأس العالم أو الأولمبياد بشكل منفرد. ومع تزايد التأثير القادم من الجهات المؤثرة الصغرى، كالوجوه المعروفة في مجال التسويق، لم تعد العلامات التجارية في حاجة ملحة إلى التعاقد مع نجوم كرة القدم ذوي الأجور العالية الذين قد يقومون بظهور وحيد خلال السنة، خاصة في سوق مثل أستراليا. وفي الواقع، يعتبر كأس العالم ضحية لنجاحه.
بطبيعة الحال، لا تزال هذه البطولة تستقطب قاعدة جماهيرية كبيرة لا تستطيع سوى فعاليات رياضية قليلة تحقيقها. ولا تزال هناك طرق أخرى يمكن للعلامات التجارية اتباعها للعثور على المزيد من التجارب "الموثوقة" التي يمكن من خلالها التواصل مع المعجبين.
وعلى سبيل المثال، نجد الإعلان التجاري الذي قامت به شركة الطيران الآيسلندية Icelandair، التي احتفلت بالنجاح غير المتوقع الذي حققه المنتخب الوطني الآيسلندي وترشحه لكأس العالم.
لذلك، هل ستستمر العلامات التجارية الغربية الكبرى في رعاية كأس العالم لكرة القدم على المدى الطويل؟
ستجرى فعاليات بطولة كأس العالم لسنة 2026 في أميركا الشمالية، وقد يسجل هذا عودة العديد من العلامات التجارية الغربية إلى واجهة البطولة، وهي على أتم الاستعداد لدفع إمتيازات مقابل أي صفقة. وفي حين أنه من غير المحتمل أن تستضيف أستراليا بطولة كأس العالم في المستقبل، فربما تكون فرضية استضافته من قبل الصين كافية لإغراء العلامات التجارية المحلية لاستثمار أموالها في شراكات إقليمية.