انتهت مباراة المنتخب التونسي أمام المنتخب الإنكليزي بفوز "الأُسود الثلاثة" 2-1، برأسية قاتلة في الدقائق الأخيرة، كعادة عرب شمال إفريقيا منذ انطلاق البطولة؛ حيث خسرت كل من المغرب ومصر برأسية في الدقائق الأخيرة أيضاً، لتنتهي مباريات العرب في الجولة الأولى ورصيدهم خالٍ من النقاط.
وجاءت خسارة المنتخب التونسي مستحقة، بعدما سيطر وهيمن الإنكليز على أحداث المباراة منذ الدقيقة الأولى وحتى الأخيرة، في مباراة كانت ستنتهي بنتيجة أكبر من ذلك لولا رعونة الإنكليز أمام المرمى وتألُّق الحراس التونسيون.
وهنا تحليل فني لما جاء في شوطي المباراة:
الشوط الأول: زئير إنكليزي
بدأ الشوط الأول للمباراة بضغط إنكليزي رهيب في أرجاء الملعب كافة، وبدا المنتخب التونسي في المقابل غير قادر على مقاومة هذا الضغط الإنكليزي أو تحمُّل الضغط النفسي، فكان لاعبوه تائهين على أرضية الميدان، لا يعرفون واجباتهم ولا متطلبات مركزهم، مما جعل المنتخب الإنكليزي يواجه المرمى التونسي عدة مرات حتى نجح هاري كاين في تسجيل الهدف الأول.
ثم توالت بعدها الفرص الإنكليزية عن طريق رحيم ستيرلنغ وجيسي لينغارد وهاري كاين بشكل غريب، ولأن القاعدة الذهبية تقول إن "من يضيّع يقبل". أشار الحكم إلى احتساب ركلة جزاء للمنتخب التونسي بعد خطأ فادح من المدافع الإنكليزي كايل ووكر على الجناح التونسي صيام بن يوسف، حوَّلها فرجاني الساسي إلى هدف التعادل.
لكن المثير للدهشة خلال الشوط الأول، بعيداً عن تضييع الفرص، هو سهولة الوصول إلى المرمى التونسي، اللاعبون الإنكليز لم يبذلوا مجهودات تُذكر للسيطرة على المباراة وتهديد مرمى "نسور قرطاج"؛ بل تشعر وكأن المنتخب التونسي كان في حالة استسلام تام منذ صافرة البداية، حالة من تقبُّلٍ لقدر الخسارة قبل أن يحاولوا حتى. فالمنتخب التونسي بلا فرص تهديف حقيقية تماماً وبلا محاولات خطرة على المرمى ما عدا تسديدات نعيم السليتي "البائسة".
منذ الدقيقة الأولى، اكتشف الإنكليز، أو لنكن أكثر دقة، كان يعرف الإنكليز أن الظهير الأيسر للمنتخب التونسي علي معلول ضعيف جداً على المستوى الدفاعي وعلى مستوى التغطية في عمق الملعب، كما أنه ليس مدافعاً صلباً في حالة "واحد على واحد "، ما جعل كل من الظهير الأيمن كيران تريبير والجناح رحيم ستيرلنغ يستبيحان جبهته تماماً ويخلقان منها عدداً لا نهائياً من الفرص.
في عمق الملعب، لم يكن الوضع أفضل حالاً، حيث سيطر هندرسون ولينجارد بمساهمة ديلي آلي، في حين بدا أنيس البدري، وإيلايس سكيري، ونعيم السليتي قليلي الحيلة وغير قادرين على مواكبة النسق السريع جداً الذي فرضه أبناء المدرب غاريث ساوثغيت، والذي أسفر بنهاية الشوط الأول عن 9 تسديدات، في حين لم يسدد المنتخب التونسي تسديدة واحدة بين الخشبات الثلاث سوى ركلة الجزاء.
الشوط الثاني: قتال تونسي وإصرار إنكليزي
في الشوط الثاني، بدا أبناء المدرب نبيل معلول متخلِّصين من العبء النفسي والضغط العصبي الذي صاحبهم طيلة الشوط الأول، غير أنهم لم يستطيعوا التخلص من الضغط الإنكليزي.
لكن، ظهر الدفاع التونسي أكثر تماسكاً وصلابة مما ظهر عليه في الشوط الأول، لكنّ هذا عنى قتل الجانب الهجومي تماماً للمنتخب التونسي، الذي لم يصنع أية فرصة حقيقية في الشوط الثاني واكتفى بالدور الدفاعي، في محاولة لتأمين الخروج بنقطة وحيدة تحفظ آماله في التأهل إلى الدور الثاني، إلا أنه ومع توالي الضغط والهجمات الإنكليزية كانت مهمة الصمود التونسية أشبه بالمستحيل، وبدا أن الهدف الإنكليزي قادم لا محالة، وهذا ما حدث في الدقيقة الـ89 عندما سجل هاري كاين هدفه الثاني عن طريق رأسية من داخل منطقة الـ 6 ياردة دون أي رقابة تُذكر من مدافعي المنتخب التونسي، في لقطة غريبة، لكنها تفصح بالكثير عن حجم الضغط الكبير الذي ولَّده الإنكليز على أبناء قرطاج.
صحيحٌ أن شكل المنتخب التونسي كان أكثر تماسكاً في الشوط الثاني، إلا المنتخب الإنكليزي كان قوياً بما فيه الكفاية، ليسجل الهدف الثاني، والحقيقة أنه لولا سوء تصرف لاعبيه في بعض الفرص وسوء الحظ في بعض الفرص الأخرى لانتهت المباراة منذ الدقائق الـ15 الأولى؛ إذ أبدى الإنكليز إصراراً وتصميماً واضحَين من أجل الفوز، كما كان المنتخب قوياً جداً على مستوى الالتزام التكتيكي والفني، وتشعر بالانسجام بين مجموعة اللاعبين على أرض الملعب مع شعور كامل بسيطرتهم على الموقف حتى بعد تعادل المنتخب التونسي، الذي لولا ركلة الجزاء لما تحدثنا عنه تماماً. ويبدو أن ساوثغيت قد توصل إلى التوليفة المثلى بعد سنتين من قيادته المنتخب الإنكليزي، وإلى الخطة المثالية التي
سينتهجها خلال البطولة، وإذا استمر المنتخب بهذا الشكل فلربما يكون أحد الأحصنة السوداء في البطولة.
الجزء الرقمي وإحصائيات المباراة
بخطة 3-1-4-2 بدأ المدرب الإنكليزي ساوثغيت اكتشاف قدرات لاعبيه الحقيقية بدءاً من التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم التي سحق فيها الإنكليز منافسيهم ثم المباريات الودية، والتي أثبتوا فيها أن المنتخب الإنكليزي خصم لا يستهان به وأنه ليس فقط مجموعة أسماء مبالغ في تقديرها.
بثلاثي في الخلف يؤمن المنتخب نفسه جيدًا بتوفير العمق الدفاعي ومع رباعي أو خماسي في خط الوسط، يستطيع المنتخب الإنكليزي تأمين منطقة العمليات واسترجاع الكرة بشكل سريع ومع تواجد أطراف سريعة كتريبير وآشلي يونغ، يستطيع المنتخب الإنكليزي فتح أطراف الملعب وخلق المساحات في عمق دفاعات الخصوم عن طريق اختراقات لاعبي الوسط وتمركزات هاري كاين.
وهذا ما حدث أمام تونس حيث استطاع المنتخب استغلال كل المساحات الممكنة لخلق الفرص لكن لاعبي المنتخب الإنكليزي تنافسوا على تضييع الفرص التي كان بإمكانها جعل النتيجة أثقل بكثير.
صورة (1)
وهذه السيطرة يمكن رؤيتها بوضوح في هذ الإحصائية القادمة من موقع Who Scored. حيث خلق الإنكليز قرابة الـ 18 محاولة بينما خلق التونسيون 6 فرص فقط لاغير.
مع حصول أصحاب القمصان الحمراء على 13 ضربة ثابتة بينما لم يحصل المنتخب التونسي على أي كرات ثابتة ولم يشن أي هجمة مرتدة في عجز واضح بسبب فرط قوة المنتخب الإنكليزي.
الصورة (2)
وبهذ الخسارة تصبح مهمة المنتخب التونسي في التأهل شبه مستحيلة حيث ينبغي عليهم هزيمة منتخب بلجيكا وبنما للمنافسة على أحد المقاعد المؤهلة وهو الأمر الذي يتطلب ما يشبه بالمعجزة.