"البرازيل هي المنتخب الوحيد الذي يستطيع، في غضون 4 سنوات فقط، أن يعيد بناء صفوفه من جديد؛ بعد هزيمةٍ مذلّة، مثل تلك التي تجرّع مرارتها أمام ألمانيا 1-7، في نصف نهائي كأس العالم 2014". تحتاج الدول الأخرى إلى 3 أو 4 بطولات كأس عالم للاستفاقة، لكنَّ الأمر مختلف مع البرازيل؛ "3 سنوات كانت كافية لنا لنصبح مرشحين للفوز باللقب مرة أخرى. لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك، ليس لديَّ شك".
يقول محرر الرياضة في صحيفة The Guardian البريطانية تياغو رابيلو، ربما نميل إلى التقليل من شأن كلمات المدرب البرازيلي كارلوس ألبرتو بيريرا – الذي درَّب البرازيل في بطولتيْ كأس عالم وفاز معهم باللقب العام 1994 – بصفته مواطناً متعصّباً لبلده، لكنَّها تنطوي على حقيقة عميقة. فكيف تجاوزت البرازيل آثار الهزيمة الفادحة، بنتيجة 1-7 على ملعب "مينيراو" في بيلو هوريزونتي، التي أقصت مضيف البطولة من المنافسات، واستعادت كرتها الجميلة كما كانت من قبل؟
الاتحاد البرازيلي لكرة القدم لا زال يعاني فوضى إدارية عارمة، دفعت 3 من رؤسائه إلى الاستقالة على خلفية قضايا فساد، أحدهم جوزيه ماريا مارين الموجود في السجن منتظراً الحكم عليه. وبيعت أفضل المواهب البرازيلية الشابة قبل أن تتم عامها الـ 18، إذ وافق فينيسيوس جونيور على الانتقال من فلامنغو البرازيلي إلى ريال مدريد الإسباني، بينما انتقل باولينيو من فاسكو دي غاما البرازيلي إلى باير ليفركوزن الألماني. ويعاني الدوري المحلي قلّة المتابعة – إذ يبلغ متوسط الحضور الجماهيري للمباريات 15 ألف متفرج – وتعاني بعض الفرق بسبب جدول المباريات المزدحم، الذي قد يفرض عليهم أحياناً خوض 80 مباراة في الموسم الواحد.
نجم المنتخب البرازيلي السابق روماريو الذي أصبح عضواً بالبرلمان – ويُعدّ من أشدّ المعارضين للاتحاد البرازيلي لكرة القدم – قال، "نحن محبطون؛ فجوزيه ماريا مارين في السجن، وريكاردو تيشيرا وماركو ديل نيرو (الرئيسان السابقان للاتحاد البرازيلي لكرة القدم) لا يستطيعان السفر لأنهما يخشيان إلقاء القبض عليهما، من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI أو بطلبٍ من الإنتربول. قدمنا للتو بعض اللاعبين الرائعين، لكنَّهم حالما يخطون خطواتهم الأولى في البرازيل، يُباعوا في أسرع وقتٍ ممكن. إنه أمر مخزٍ".
جاء التغيير الأبرز في مقاعد بدلاء المنتخب البرازيلي، حيث يجلس المدرب أدينور باكي الذي يُعرف باسم "تيتي". ورغم توقيعه على عريضة تطالب ديل نيرو بالاستقالة من رئاسة الاتحاد، وافق تيتي على عرضٍ من الأخير ليصبح مدرباً للبرازيل في يونيو/حزيران من العام 2016. ومنذ ذلك الحين، تحسَّن أداء المنتخب البرازيلي، إذ حقق تيتي في مبارياته الـ 21 مع الفريق، 17 فوزاً و3 تعادلات وهزيمةٍ واحدة، كانت أمام الأرجنتين في مباراة خاضها دون نجمه نيمار، الذي كان بطبيعة الحال غائباً أيضاً عن الهزيمة التاريخية أمام ألمانيا بسبب إصابةٍ في الظهر.
وأضاف روماريو الفائز بكأس العالم 1994، "نطالب بإجراء تغييرات لكن لا شيء يتمّ. تحتاج البرازيل إلى تغيير القيادة المركزية لكرة القدم. ولنكن صريحين، نحن نحتاج إلى فصل الحقائق؛ فرغم أنه توجد لدينا مشكلات مع الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، يبلي تيتي واللاعبون بلاءً حسناً. وإذا فازت البرازيل بكأس العالم، فالفضل سيعود إلى اللاعبين والمدرب وطاقم المنتخب فقط، وليس مسؤولي الاتحاد، الذي أُطلق عليه بيت لصوص كرة القدم".
وبعد استضافة كأس العالم، عيَّن الاتحاد البرازيلي كارلوس دونغا بدلاً من لويس فيليبي سكولاري في تدريب المنتخب، وهو قرار لم يستطع أحد استيعابه بالنظر إلى مهمة دونغا الأولى مع المنتخب التي انتهت بإقصائه من ربع نهائي كأس العالم 2010. وفي الفترة بين عامي 2010 و2014، درَّب دونغا فريقاً واحداً فقط – وهو إنترناسيونالي البرازيلي – حيث استمرَّ في منصبه لأقلّ من عامٍ.
وبعد تولّي دونغا تدريب المنتخب البرازيلي، جعل الأمور أسوأ مجدداً؛ إذ دخل في خلافاتٍ مع مدافع المنتخب تياغو سيلفا، الذي سُحبت منه شارة قيادة الفريق، ومارسيلو ونيمار. وكانت نتائج الفريق سيئة أيضاً، إذ حصدت البرازيل 9 نقاط فقط من مبارياتها الست الأولى في تصفيات التأهل للمونديال؛ لتقبع في المركز السادس في الترتيب. ونفد صبر المسؤولين البرازيليين على دونغا في بطولة كوبا أميركا 2016، حين ودَّع الفريق المنافسات من مرحلة المجموعات؛ ليقيل الاتحاد البرازيلي -الذي كان يخشى عدم تأهل منتخبه الفائز بلقب كأس العالم 5 مرات إلى المونديال- دونغا ويستدعي تيتي.
كانت إحدى أولى مهمات تيتي مع الفريق استعادة ثقة اللاعبين، وحصَّن نفسه من ضغط الرأي العام باستدعاء لاعب الوسط باولينيو، الذي كان أحد أهم لاعبيه في فريق كورينثيانز البرازيلي؛ لكنَّه كان بعيداً عن المنتخب البرازيلي، منذ كأس العالم 2014. وربح تيتي الرهان، إذ لعب باولينيو دقائق أكثر من أي لاعب آخر، تحت قيادة تيتي (بلغت 1556 دقيقة). وأُعيد اكتشاف باولينيو -لاعب الوسط الذي شارك أساسياً في ثلاث مباريات فقط بالدوري الإنكليزي الممتاز، في موسمه الثاني مع نادي توتنهام تحت قيادة المدرب الأرجنتيني ماوريسيو بوكتينو، قبل أن ينتقل إلى الدوري الصيني – من جديد في صفوف برشلونة الإسباني في الموسم المنقضي.
وقال باولينيو، "سرُّ تيتي هو التخطيط والثقة والتحفيز. إنه متفانٍ للغاية في عمله، ولديه قدرة مذهلة على شرح أفكاره واستكشاف أفضل ما في كل لاعب".
تضم قائمة اللاعبين البرازيليين المشاركين في مونديال روسيا 6 لاعبين فقط، ممَّن كانوا جزءاً من الهزيمة المخزية أمام ألمانيا، وهم: مارسيلو، وفيرناندينيو وباولينيو وويليان الذين خاضوا المباراة، بالإضافة إلى تياغو سيلفا الذي غاب عن اللقاء بسبب الإيقاف ونيمار الذي غاب بسبب الإصابة. ومن المرجَّح أن يبدأ 5 منهم مباراة سويسرا، إذ يُتوقع أن يبقى فيرناندينيو على مقاعد البدلاء، وستكون خبرة هؤلاء اللاعبين بالغة الأهمية للفريق.
وقال باولينيو: "التمتع بالخبرة سيساعدنا كثيراً، لكننا نحتاج إلى تقاسم المسؤوليات وكل اللاعبين يتحملون مسؤولية فريقنا. أعتقد أننا نتمتع بمزيجٍ رائع من الشباب والخبرة".
وفي مونديال 2014، كان المهاجم البرازيلي الوحيد الذي يلعب في أحد أكبر الأندية الأوروبية هو نيمار، وكان حارس مرمى الفريق جوليو سيزار يلعب في الدوري الأميركي لكرة القدم مع نادي تورنتو. أمَّا هذه المرة، يوجد أليسون حارس مرمى روما الإيطالي الذي يرغب ريال مدريد وليفربول في ضمّه، وهو الحارس الأساسي للسيليساو، بالإضافة إلى بديله الجاهز إيدرسون أغلى حارس مرمى في العالم والحائز على لقب الدوري الإنكليزي مع فريقه مانشستر سيتي.
وبعيداً عن نيمار، هناك فيليب كوتينيو، الذي كان مستواه الرائع مع ليفربول سبباً في انتقاله إلى برشلونة؛ ودوغلاس كوستا، الذي خاص موسماً ناجحاً مع يوفنتوس؛ وفيرناندينيو، الذي أصبح لاعباً مهماً للمدرب الإسباني بيب غوارديولا في مانشستر سيتي؛ ومارسيلو، الظهير الأيسر صاحب الفنيات العالية، الذي يقدّم مستويات رائعة مع ريال مدريد، لكنه كان مستبعداً لسببٍ غير مفهوم من جانب دونغا.
وقال ويليان، لاعب تشيلسي والمنتخب البرازيلي، "الجميع يشاهد المنتخب البرازيلي من منظور جديد. إنه لأمرٌ إيجابي للغاية أن يكون لديك لاعبين في قمة مستواهم، وسيساعدنا ذلك في القيام بأمور رائعة. يحظى المنتخب البرازيلي باحترام كبير دائماً ولن يتغير ذلك الآن. أعتقد أنَّ بإمكاننا الحفاظ على ثقتنا وثقة مشجعينا".
لم يقتصر عمل تيتي على الملعب فقط، فبعد صدمة 2014، كان يعلم أن الثبات الذهني سيكون مهماً أيضاً. لذا كان أول قرارٍ لتيتي هو عدم اختيار قائد محدّد للفريق، وفي 20 مباراة حمل 16 لاعباً شارة قيادة المنتخب، وهم أليسون وكاسيميرو وفيرناندينيو وفيليبي لويس وغابرييل جيسوس ومارسيلو وماركينيوس ونيمار وكوتينيو وريناتو أوغوستو وروبينيو وتياغو سيلفا وويليان وداني ألفيس (أربع مرات) وميراندا (ثلاث مرات). وسيكون مارسيلو هو قائد المنتخب البرازيلي أمام سويسرا.
وكان تياغو هو قائد المنتخب البرازيلي في آخر كأس عالم، وأصبح غاضباً من دونغا، عندما سُحِبت منه الشارة. والآن، بعد أن أصبح أنضج، لم يعد حمل شارة القيادة هو أكبر اهتماماته. وقال تياغو، "عندما تفشل، يقولون إنك خاسر أو شيء آخر. ولكن في كرة القدم، يمكن أن يحدث أي شيء. نحتاج إلى أن نكون مستعدين، ونحن مستعدون بالفعل. عانينا أمام ألمانيا في نهاية المطاف، لكننا نتمتع بحالة ذهنية قوية. كانت لدينا العديد من المشكلات، ولا سيما الذكريات السيئة للخسارة بنتيجة 7-1. كان الأمر قاسياً، لكن لدينا رغبة ونحتاج إلى أن نكون مستعدين. تيتي يُعِدُّنا جيداً ولدينا أجواء رائعة. الأمور تسير على نحوٍ جيد للغاية، ولدينا العديد من الأمثلة السابقة لتحفيزنا".
ولكن رغم هذا الحماس، لدى البرازيل أخطاء ليتعلموا منها أيضاً؛ إذ قال باريرا قبل 4 سنوات مضت، حينما كان يتولى منصب منسّق المنتخب البرازيلي "لقد وصل الأبطال"؛ وهو ما وضع ضغطاً هائلاً على الفريق. وكانت الأخطاء الأخرى تُرتكب خارج الملعب في مونديال 2014، وشملت غياب خصوصية اللاعبين؛ ففي إحدى الحالات، سُمِح لأحد مقدمي البرامج التلفزيونية بالبث الحي من داخل غرفة تغيير الملابس للاعبين.
ولهذا السبب اختار تيتي العاصمة البريطانية لندن لإقامة المعسكر التدريبي للبرازيل، قبل مونديال روسيا 2018. يحاول تيتي القيام بالأمور بشكل مختلف، لكنه لا يتهرب من التوقعات العالية.
وقال تيتي، "البرازيل هي أحد المرشحين للفوز باللقب، بسبب طريقة لعبنا وتشكيلتنا القوية. خط الوسط لدينا منظم للغاية. نحتاج إلى تقبل هذا الوضع، لكن الجميع يحتاج إلى قول الحقيقة". وختم قائلاً: "أنا لستُ مغروراً. نعم، البرازيل هي أحد المرشحين للفوز باللقب".