هل مرّ معك يوماً مقولة أسطورة فريق ليفربول الإنجليزي بيل شانكلي، "يعتقد البَعض أن كرة القدم مَسألة حياة أو موت، للأسَف هَذا يجعلني حزينا، فهِي أهم من ذلك".
كثيرون رددوا هذه المقولة، لكن وحده أبدون بورتي من نفذها فعلاً.
فمن هو بورتي؟
أبدون بورتي هو اللاعب الذي ولد في أوروجواي عام 1893.
بدأ مشواره في نادي أتليتكو كولون الأوروجوياني عام 1910، ثم انتقل كلاعب وسط إلى نادي ليبرتاد، إلى أن استقر به الحال في نادي ناسيونال منذ العام 1911 حينما كان في الـ18 من عمره.
في ناسيونال كانت بدايته الحقيقية، وكانت أيضا نهايته، ليس في الملاعب فقط، لكن في الحياة عموما.
أبدون بورتي كان هو معشوق الجمهور في فريق ناسيونال، وكان السبب في ذلك كعادة علاقة أي جمهور باللاعبين هي مهارته الفائقة.
أسموه "El Indio" نسبة إلى جذوره التي تعود إلى السُكان الأصليين.
وبدأ مشواره مع ناسيونال في 15 من مارس/آذار 1911 كظهير أيمن في مباراة ضد فريق دبلن الآيرلندي، ومن بعدها صار قائداً للفريق.
خاض على المستوى الدولي ثاني نسخ بطولة كوبا أميركا عام 1917 والتي حققها منتخب الأوروجواي بين جماهيره، ولم يشارك بورتي في أي مباراة خلال تلك البطولة التي كانت اللقب الثاني على التوالي لمنتخب بلاده.
رقم الحظ: 4
كان الرقم 4 يُمثل الفأل الحسن لدى بورتي، فقد نجح في تحقيق بطولة الدوري مع ناسيونال أربع مرات، بطولة الكأس أربع مرات، بالإضافة إلى بطولة دي أونر أربع مرات أيضا، وهي البطولة التي نظمت في الفترة من 1905 وحتى 1920 بين بطلي أوروجواي والأرجنتين.
ويصفه الكاتب الأورجوياني جوزيه إنريكي، "كان لاعب وسط مدافع نموذجي، عنيد وقوي ومتعاون ومحبوب من الجماهير، كان يفعل الخير وصديق لأصدقائه وهادئ الطباع داخل الملعب".
كانت آخر مباراة خاضها بورتي في 4 مارس/آذار عام 1918 قبل موته بيوم واحد فقط، ضد فريق شارلي، حيث فاز فريقه بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد.
ولكن قبل بداية العام 1918، جلب نادي ناسيونال اللاعب أفريدو زيباجي كبديل لبورتي والذي كان يعاني هبوطاً في مستواه بسبب إصابة في الركبة حرمته من مركزه كأساسي في الفريق.
هبوط مستوى بورتي ظهر واضحا في آخر مبارياته مع ناسيونال، وخوفا من أن يتم الاستغناء عنه ويفقد وجوده بينَ جمهور ناسيونال الذي طالما عشقه منذ بداية مشواره، قرر أن يرسم النهاية.
انتهى اللقاء كما ذكرنا بفوز فريقه ناسيونال في 4 مارس/آذار 2018، لكن بورتي لم يفرح أبدا بهذا الانتصار كما كانت عادته بكل فرحة لفريقه، والسبب أن إدارة النادي أبلغته رسميا بالاستغناء عن خدماته.
في تلك الليلة الختامية للموسم، اجتمع الفريق وسهروا في أجواء احتفالية، لكن بورتي وحده ترك السهرة في الواحدة صباحا وغادر.
ظنوا أنه حزين للرحيل عن الفريق، لكنهم أبداً لم يتوقعوا ما سيفعله.
غادر بورتي بالقطار في الواحدة صباحا، مُتجها إلى آخر ما رأت عيناه، ملعب جراند بارك سنتر، معقل ناسيونال.
وفي صباح اليوم التالي، سُمعت أصوات سيارات الشرطة، التي حاصرت ملعب جران بارك سنترال، وكانت علامات الحزن واضحة على كل من وطأت قدمه أرض الملعب.
ما الذي حدث؟
وجد عمال الملعب جثة أبدون بورتي منتحراً في منتصف الملعب، تاركا رسالة لإدارة ناديه.
وكتب في الرسالة: "سيد خوزيه ماريا دلجادو، أسألك أنت وأعضاء النادي أن تعتنوا بعائلتي وأمي كما كنت أعتني بهم دوما. وداعا يا صديقي العزيز. صديقك بورتي".
بورتي لم يحتمل قرار الاستغناء عنه، لم يتخيل أن تستمر حياته دون أن يتواجد يومياً في تمارين فريقه، فكان إنهاء حياته عند تلك النقطة هو الحل من وجهة نظره.
وكان الخبر صادماً ليس على جمهور وإدارة نادي ناسيونال فقط وإنما على أوروجواي بأكملها.
تم دفن جثمان بورتي في مقابر تيجا وتضامنت أندية أورجواي مع عرض نادي مونيفيديو واندرز بلعب مباراة مع ناسيونال يخصص دخلها لعائلة بورتي.
كما كانت قصة بورتي ملهمة للفنانين.
فكتب الكاتب والشاعر الروائي هوراسيو كيروغا قصة قصيرة عنه ونشرها بمجلة أرجنتينية في بيونيس آيرس.
أما إدواردو جاليانو، الكاتب والأديب الأورجوياني، أشار إلى الواقعة نفسها في كتابه الشهير "كرة القدم بين الشمس والظل".
وخلّدت إدارة ناسيونال اسم لاعبها كما ينبغي، فأطلق النادي اسم "أبدون بورتي" على الدرج الغربي لملعب جراند بارك سنترال، وهذا الاسم مازال حتى الآن.
أما جمهور النادي، فلم يكن أقل وفاء تجاه أسطورتهم.
ففي كل مباراة تجد صوره مرتفعة في المدرج الغربي الذي يحمل اسمه ويتغنون بقصته، وفي 2013 كانت اللوحة الأجمل حين رسموا وجهه على سور المدرج.
وهذا العام، كرم نادي ناسيونال الأوروجواياني الراحل بورتي، الذي مرّ على ذكرى انتحاره برصاصة في القلب داخل الملعب مائة عام.
¡A 100 años de pasar de jugador a leyenda! #AbdónLeyenda pic.twitter.com/vwuWGzC3eZ
— Nacional (@Nacional) March 5, 2018
وأطلق النادي فيديو لتكريم لاعب الوسط السابق الذي انتحر وعمره 25 عاما بعدما تأكد من افتقاده لعشقه الأكبر في الحياة، بعد إصابته في مباراة في مايو/آيار 1917 والتي تسببت في تدهور مستواه.