مكالمة هاتفية هزّت إسبانيا.. تفاصيل إقالة لوبيتيغي من تدريب “لا روخا”

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/14 الساعة 14:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/14 الساعة 20:13 بتوقيت غرينتش

يرفع لويس روبياليس، رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم، سماعة الهاتف، لا يتكلم، لكنه ينصت بذهول. لقد كان وقع الخبر الذي تلقاه كالصاعقة. وما كان منه إلا أن طلب الحصول على المزيد من الوقت، لكن مطلبه قوبل بالرفض. أغلق رئيس الاتحاد الملكي الإسباني لكرة القدم سماعة الهاتف، وعمد إلى الاتصال بجولين لوبيتيغي على الفور، لكنه لم يجد أي رد من الطرف الآخر. ولم يتحصل على أي إجابة من الطرف المقابل، وتفطن إلى أن الأوان قد فات.

يوم الثلاثاء 12 يونيو/حزيران 2018، بحلول الساعة السادسة إلا الربع بتوقيت روسيا، وبعد 5 دقائق فقط من إخبار رئيس الاتحاد الملكي الإسباني لكرة القدم بما حدث، أصبح الكل على دراية بالخبر أيضاً. في تلك الأوقات ذهب المدرب لوبيتيغي لرؤية لاعبيه، ليخبرهم بما قاله مسؤولو نادي ريال مدريد منذ لحظات لروبياليس، أي أنه سينضم إلى النادي الملكي بعد انتهاء المغامرة الإسبانية في المونديال. وفي الوقت ذاته، نشر كبير العاصمة بياناً في هذا الصدد عبر موقعه الإلكتروني.

كانت وطأة القرار شديدة للغاية على إسبانيا كلها، وعلى القائمين على الكرة في إسبانيا، واستغرق الأمر قرابة الساعة، ليصدر الاتحاد الإسباني بياناً مقتضباً خاصاً به. وعلى الرغم من كونه في موسكو وبصدد حضور مؤتمر الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في ذلك الوقت، غادر روبياليس إلى المطار على وجه السرعة، ليستقلّ الرحلة التالية المتجهة إلى مدينة كراسنودار، المدينة التي تبعد 1196 كم حيث يقام المعسكر التدريبي للمنتخب الإسباني. وأثناء تفكيره فيما يتوجب عليه فعله، كانت ملامح الغضب والسخط بادية على وجه روبياليس.

حدث كل ذلك قبل يومين فقط من انطلاق فعاليات كأس العالم لكرة القدم، وبعد 3 أسابيع من تجديد لوبيتيغي لعقده مع المنتخب الإسباني حتى سنة 2020. وقد قال روبياليس آنذاك، إن "هذا هو مشروعنا". أما الآن فقد انهار هذا المشروع وباتت التساؤلات تحوم حول ما إذا كانت حظوظ منتخب "لا روخا" في التتويج بلقب كأس العالم قد تراجعت، أو إذا كانت قد انهارت بشكل لا رجعة فيه قبل بداية المحفل العالمي.

وقد بات من المؤكد أن المؤتمر الصحفي لمباراة البرتغال وإسبانيا سيكون خارجاً عن المألوف، حيث سيبادر الصحافيون إلى طرح سؤال حول ما إذا كان انتقال لوبيتيغي إلى "سانتياغو برنابيو" أمراً غير مرحب به أم لا. ولكن المؤكد أن المسؤولين سيخبرونهم بضرورة طرح أسئلتهم حول المباراة فقط، لكن قلة من الصحفيين ستُلقي بالاً لهذه التعليمات.

مؤتمر صحافي متوتر للوبيتيغي

ومنذ وقت ليس ببعيد، كان لوكاس فاسكيز، لاعب ريال مدريد، عرضة لوابل من أسئلة الصحفيين الذين كانوا يتحرّون عن أسباب رحيل زين الدين زيدان، وعن هوية المدرب الجديد. وبعد إجابته عن هذا السؤال، عمد ضابط الفيدرالية الدولية للصحفيين بتذكير الجميع بأن الغرض من المؤتمر هو الحديث عن المنتخب الإسباني، وليس ريال مدريد الإسباني.

حينها، ما كان من المدرب لوبيتيغي، الذي كان يجلس جانباً، إلا أن قال "اللعنة، نحن هنا للحديث عن كأس العالم"، في محاولة منه للإشارة إلى أنه لا شيء أهم من المونديال. وعندما نقوم باستحضار هذه الكلمات وتذكرها، يبدو جلياً أنها كانت مجرد عبارات جوفاء فارغة من أي معنى حقيقي سوى محاولة التمويه على ما كان يقوم به لوبيتيغي بالفعل.

لم يشكك أي شخص في مدى التزام لوبيتيغي بشكل جدي، ولم يبادر أي أحد للاعتقاد بأن هذا الالتزام قد تراجع، بيد أن هذا التناقض بين الأفعال والأقوال لم يمر مرور الكرام. فهل أصبح طلبه بمزيد التركيز على كأس العالم أقل قبولاً الآن؟ وما مدى القدرة على الحفاظ على تركيز اللاعبين، وإجبار الصحافة والجماهير على الحديث عما يحدث على أرضية الملعب فقط؟

ومن الناحية العملية، هل كان يتوجب على لوبيتيغي التعامل مع التعاقدات داخل ريال مدريد خلال فترة البطولة، أم كان سيخصص بعضاً من وقته للتخطيط لناديه بينما يقود منتخب بلاده؟

ليس أول مدرّب يمرّ بهذا الموقف

لا يعد لوبيتيغي أول مدرب يضطلع بالإشراف على منتخب دولي أثناء معرفته بوجهته القادمة بعد انتهاء البطولة. لقد سبق للويس أراغونيس أن قام بأمر مماثل قبل التوجه إلى فناربهتشة سنة 2008، بالإضافة إلى المدرب الهولندي لويس فان غال قبل ذهابه إلى مانشستر يونايتد سنة 2014، لكن لا يمكن مقارنة هذه الأمثلة بوضعية لوبيتيغي.

ولم يذهب أي أحد للاعتقاد بشكل جدي أن رغبة لاعبي المنتخب الإسباني للفوز بكأس العالم ستتراجع، لأن مدربهم كان متوجهاً إلى ريال مدريد، حيث  إن فكرة مثل أن اللاعب أندريس إنييستا وزملاءه في نادي برشلونة سيعبثون بمخططات المنتخب لمجرد توجه لوبيتيغي للريال يعد أمراً غاية في السخافة، ناهيك عن المزاعم التي تفيد بأن قرارات إشراك اللاعبين ستصب في مصلحة لاعبي ريال مدريد، وبأن العلاقة بين جميع الأطراف داخل المنتخب ستكون مشروطة بالسيناريو الجديد.

ومن المرجح أن أي شك سيكون مدمراً للسلطة داخل المنتخب الإسباني، لكن الجميع يعلم أنه لا أساس له من الصحة. ويمكن تبين هذا الواقع من خلال مقولة يحبها الإسبان ألا وهي: "لا يجب على زوجة القيصر أن تكون صادقة فقط، بل يجب عليها أن تبدو كذلك".

ويبدو من المنطقي التساؤل حول ما إذا كان التطرق لمثل هذه التخمينات يعتبر أمراً معقولاً، وحول ما إذا كان الجميع قادرين على المضي قدماً وكأن شيئاً لم يكن. وقد فكر روبياليس ملياً حيال هذا الشأن، لكن ما كان ذا أهمية بحق هو شعوره بالغضب، إزاء ما أشار إليه بالقيم والمبادئ وليس تفكيره في مونديال إسبانيا.

في تلك الليلة العصيبة، بالكاد استطاع رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم النوم، حيث حرص على التكلم مع الموظفين واللاعبين ولوبيتيغي نفسه. كما أخبره بعض لاعبي المنتخب الإسباني بضرورة الإبقاء على مدربهم الحالي، لكنه لم يستطع الهروب من ذلك الشعور الذي كان يسيطر عليه.

رئيس الاتحاد الإسباني لم يشعر بـ "الخيانة"

يوم الأربعاء، قال روبياليس "أنا لا أشعر بالخيانة"، لكنه بدا كرجل تعرَّض للخيانة، حيث كان رد فعله كعشيق مكلوم. ولم يكن الأمر يتعلق بما تم فعله فقط، بل بالطريقة التي تم بها ذلك، وكم كان ذلك مؤلماً.

ويؤمن روبياليس أن ما حدث لم يكن الطريقة المناسبة لتسيير مثل هذه الأمور، كما لم تكن أفضل طريقة ممكنة لبدء نهائيات كأس العالم، خاصة بالنظر إلى أن إسبانيا اعتبرت نفسها مرشحة للظفر بهذه الكأس.

وقد ترددت كلمتان ورقمان برزا بقوة خلال المؤتمر الصحفي وهما "اثنان وخمسة"، حيث انتشر خبر توقيع لوبيتيغي لريال مدريد قبل يومين من نهائيات كأس العالم. وقد أُخبر روبياليس بالقرار قبل 5 دقائق فقط من إعلام العالم بأسره، ولم يمنح روبياليس أية فرصة لإنقاذ الوضع، وقرر اتخاذ الطريق الأصعب وإقالة لوبيتيغي، قبل أسابيع من مغادرته المتوقعة.

وبالنسبة للبعض، فإن روبياليس قد تعرَّض للخداع والخيانة، أي أن الأمر جرح كبرياءه، مما جعله يتخذ قراراً "عاطفياً" في خضم أزمة حادة، ليزيدها عمقاً. أما بالنسبة له، فكان الوضع بالفعل "في غاية الصعوبة"، "ومحزنا" "ومعقداً"، ناهيك عن كونه "غير عملي".

ليس أول مدرّب يمرّ بهذا الموقف

وقد تقلَّصت فرص فوز إسبانيا بكأس العالم عند الجمهور، تماماً مثلما هو الحال بالنسبة لاتحاد الكرة ومسؤوليه. وأصبح ذلك أمراً واقعاً بالفعل، إذ إن المنتخب خسر الكثير، بما في ذلك الفارق الدقيق والتغييرات التكتيكية التي قدَّمها لوبيتيغي. ومع ذلك، ما زال بإمكان هذه المجموعة من اللاعبين التنافس، كما أنها تتمتع بالمهارات التي تجعلها قادرة على القيام بالإدارة الذاتية.

وتكمن الفكرة هنا في الاستمرارية، حتى في غياب مدرب للمنتخب، على الرغم من أنه ليس بالحل المناسب بالنسبة لأي طرف. ولكن ربما لم يكن هناك حل مناسب لأي شخص، كما أن قليلين هم من فكروا في تأثير ذلك على "اللاروخا"، الذي يبدو أنه فقد فرصة التنافس على كأس العالم بشكل كبير.

ما هو شعور لوبيتيغي حيال ريال مدريد؟

فعلى الرغم من كل مميزات تدريب ناد بحجم ريال مدريد، إلا أن ثمن الانتقال كان باهظاً. ومن المؤكد أن طعم المرارة سيبقى لمدة طويلة في حلق لوبيتيغي. الأمر بالنسبة إلى روبياليس، لاعب ريال مدريد في يوم من الأيام، ليس أفضل كثيراً بسبب الطريقة التي تم بها انتقال المدرب إلى القلعة البيضاء. 

وما يثير الحزن الشديد هو أنه كان بالإمكان تجنب كل ذلك، نظراً لأن الإعلان عن التوقيع لم يكن أمراً ضرورياً. وقال روبياليس: "لو كان الأمر يتعلق بجولين، فقد كان من الممكن أن تحدث الأمور بشكل مختلف". ولكن، لم تسعف هذه التصريحات الرئيس الجديد، الذي واجه ما اعتبره البعض أسوأ أزمة في تاريخ كرة القدم الإسبانية، حيث اعتراه الغضب وأصر على أن الأمر يتعلق بالقيم الأخلاقية. وقد كانت تلك الرسالة الخاصة بالأخلاق والقيم ذات أهمية قصوى، خاصة بعد مرور ما يقرب من ثلاثة عقود في ظل الرئيس السابق لاتحاد الكرة، انتهت بالزج بإنخيل ماريا فيلار في السجن. وقد قال روبياليس: "لا يمكننا تجاهل هذا، ولا يمكننا قبول معرفة ذلك قبل خمس دقائق من صدور بيان صحفي". 

وقد صادفت المرة الأولى التي نوه فيها روبياليس إلى الموضوع قبل يومين فقط من نهائيات كأس العالم، حيث تباطأ وأومأ برأسه، مؤكداً على الفوضى التي تُرك المنتخب فيها قبل يومين فقط. وقد تحدث روبياليس عن هذا كرسالة بعث بها لجميع موظفي الاتحاد، حيث أفاد: "رغم ذلك، هناك طرق للتصرف يجب الالتزام بها".  وقد ادعى روبياليس أنه كان مجبراً على اتخاذ موقف من الناحية المبدئية والأخلاقية، وأضاف قائلاً: "قد نبدو أضعف الآن، لكننا سنكون أقوى على المدى البعيد"، وذلك على الرغم من أن الطرد يبدو شخصياً أكثر من كونه مهنياً. إلا أن روبياليس قال: "ما كنا لنبلغ هذا المستوى لولا جولين (لوبيتيغي)". أما الآن، فقد أصبح المنتخب من دون لوبيتيغي الذي تركه دون مدرب قبل 48 ساعة من انطلاق كأس العالم. وقد تم اختيار فيرناندو هييرو، المدير الرياضي للفريق الوطني، بديلاً له، وهو الذي لم يقدم مردوداً جيداً في المباريات النهائية من دوري الدرجة الثانية مع ريال أوفييدو، في موسم 2016-2017.

وفي مقابلة إذاعية، صرَّح لوبيتيغي أنه لم يكن ينوي ولم يفكر أبداً أنه سيصبح مدرب منتخب إسبانيا. وبعد مرور يوم ونصف اليوم، أصبح ذلك حاله بالفعل. وفي هذا السياق، قال روبياليس: "نريد إحداث تغيير ولو بأقل قدر ممكن". من هذا المنطلق، جاء هذا القرار.

ولكن تغيّر كل شيء بالفعل منذ اللحظة التي دق فيها جرس الهاتف.

تحميل المزيد