شباب صغار بطموح كبير.. كيف استفاد القطريون من استضافة بلادهم لكأس العالم 2022؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/06 الساعة 15:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/02 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
Khalifa International Stadium Qatar Doha

يسابق الشاب القطري علي الدوس الزمن، كان طالباً جامعياً عندما فازت فكرته بتمويل من الدولة ضمن جائزة "تحدي 2022". ومع 5 موظفين فقط، يطمح الدوس إلى تقديم تجربة ريادية في عرض مباريات كأس العالم 2022 في قطر، لم يسبقه إليها أحد.

في العام 2010، عندما مُنِحَت قطر حق استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم، كان علي لا يزال في سن المراهقة. الآن، وهو يبلغ الخامسة والعشرين من عمره، يضع نصب عينيه تحقيق أقصى استفادة من البطولة عندما تستضيفها البلاد بعد 4 سنوات.

وحالياً، علي الدوس هو الشريك المؤسس والمدير التنفيذي لشركة "أرفيكس"، وهي شركة تقنية ناشئة تقع بالدوحة، ومتخصصة في تقنيات الواقع الافتراضي VR ومحتوى الواقع المعزز AR.

وبحسب تقرير مطوّل لشبكة CNN الأميركية، تبدأ الشركة قريباً في تقديم جولات بتقنية الواقع الافتراضي بتصوير 360 درجة لملعب خليفة الدولي بالدوحة، وهو أول ملعب بُني من أصل 8 ملاعب سيجري بناؤها من أجل استضافة المسابقة.

وقال الدوس عن هذه التجربة، التي ستكون متاحة على يوتيوب، "سوف ترون جميع زوايا الملعب وغرف الملابس وأرضية الملعب وكل شيء". وفي حال أثبت هذا المشروع نجاحه، فمن المُرجَّح أن تتبعه جولات بتقنية الواقع الافتراضي لملاعب كأس العالم الأخرى.

بل وتطمح شركته إلى بث مباريات كرة القدم مباشرةً بتقنية الواقع الافتراضي بتصوير 360 درجة، لكن الدوس سارع ليضيف قائلاً إن هذه الفكرة لا تزال بعيدة المنال عن شركة ناشئة لديها 5 موظفين فقط حالياً.

أنفقت قطر 500 مليون دولار أسبوعياً تحضيراً للاستضافة

أنفقت قطر ببذخٍ لاستضافة كأس العالم بالشرق الأوسط لأول مرة، وهو إنجازٌ وضعها بقوةٍ على الخريطة الرياضية ورفع مكانتها الدولية.

وقال مسؤولون إن قطر كانت تنفق 500 مليون دولار أميركي أسبوعياً خلال مرحلة واحدة من العام الماضي، مع بناء ملاعب وطرق وفنادق جديدة ونظام مترو لاستضافة البطولة.

وتسعى قطر أيضاً للاستفادة من الحدث الكروي الأبرز في العالم، لتعزيز صناعات وأعمال جديدة ستساعد على تنويع اقتصادها، بعيداً عن الاعتماد على النفط والغاز. وفي جزءٍ من مساعيها تلك، ترغب قطر في تشجيع المزيد من رواد الأعمال المحليين، وتحرص شركة أرفيكس على الاستفادة من هذه الفرص.

وتسعى لتشجيع الشركات في الشرق الأوسط على العمل حتى ما بعد البطولة

كانت شركة أرفيكس إحدى الشركات المشاركة بمسابقة تحدي 22، التي تهدف إلى تعزيز الإبداع في قطر وجميع أنحاء الشرق الأوسط. ويُوفِّر تحدي 22، الذي تديره اللجنة العليا للمشاريع والإرث في قطر، التدريب والدعم المالي والتوجيه للأفكار التي يراها قادرة على المساعدة في تنظيم البلاد لكأس العالم.

وفي حين أن الدعم المالي المقدم يظل ضئيلاً، مقارنة بمليارات الدولارات التي تنفقها قطر على كأس العالم، والاستثمارات الثقافية -إذ حصلت أرفيكس على 135 ألف دولار أميركي لمساعدتها على بدء مشروعاتها- هناك أمل في أن الشركات التي برزت من خلال هذا التحدي ستترك إرثاً للشركات الجديدة عندما تنتهي البطولة.

مهندسات سعوديات يصنعن مقاعد الملاعب من النخيل

ومن بين المشروعات المدعومة من مبادرة "تحدي 22″، كان هناك مشروع لمجموعة من المهندسات السعوديات اللاتي يرغبن في استخدام النفايات الناتجة عن عمليات تصنيع نخيل التمور لصنع مقاعد مدرجات الملاعب.

وأستاذ بريطاني يبتكر حلاً لمقاومة الحرارة

وفي الوقت ذاته حصل أستاذ فيزياء بجامعة فرجينيا كومنولث في قطر، على تمويل لإجراء أبحاث عن مركب بوليسترين، الذي يمكنه أن يجعل مواد العزل المستخدمة في مشروعات البناء الخاصة بكأس العالم أكثر مقاومة للحرارة.

وقد مكَّنَ هذا البرنامج قطر من تشجيع ريادة الأعمال، بالإضافة إلى مشاركة بعض من فوائد استضافة البطولة مع جيرانها، من خلال دعوتها لتقديم المشروعات من جميع أنحاء الشرق الأوسط على حد قول محفوظ عمارة، أستاذ مساعد الإدارة الرياضية بجامعة قطر.

لكن الحصار عقّد الأمور

لكن هذا التعاون، الذي كان جزءاً من ملفها للترشُّح لاستضافة كأس العالم، تعقَّد بسبب الخلاف الخليجي الذي جعل بعض جيران قطر يفرضون حصاراً اقتصادياً مُكلِّفاً عليها.

كما تعرَّضت قطر لضغوطات دولية بشأن معاملة العمال في مواقع بناء ملاعب كأس العالم، وهي قضية تقول إنها تعالجها من خلال سن تشريعات جديدة للحد الأدنى من الأجور والعمالة.

وقال الشيخ سيف آل ثاني، مدير الاتصال الحكومي القطري، في تصريحٍ لشبكة CNN الأميركية، العام الماضي، إن قطر ملتزمة بإصلاح العمل، وتستمر في مراجعة سياستها لضمان "حصول العمال الوافدين على الحماية الضرورية في مواقع العمل". وفي الوقت ذاته، نفت قطر اتهامات بتقديمها رشاوى في أثناء عملية التصويت للملفات المترشحة لاستضافة المونديال.

السؤال هنا: هل يمكن أن يكون للشركات الناشئة تأثير دائم بعد كأس العالم؟

لن يتضح الأمر إلا بعد أن تنتهي البطولة وتغادر البلاد؛ فالعديد من الأحداث الرياضية الكبرى انطوت على خطط إرث طموحة فشلت في تحقيقها، وهي نقطة تتضح من خلال الملاعب التي استضافت دورة الألعاب الأولمبية عام 2004 بالعاصمة اليونانية أثينا، أو ملعب ماني غارينشا الذي نادراً ما تحتشد به الجماهير الآن بالعاصمة البرازيلية برازيليا، بعد أن بُني لاستضافة نهائيات كأس العالم 2014.

ملعب ماني غريشنا

هيئات محلية تسعى لدعم شركات لا علاقة لها بالمونديال لترشيد الاستثمار، وقالت فاطمة النعيمي، مديرة الاتصالات في اللجنة العليا للمشاريع والإرث، إن قطر على درايةٍ كاملة بالأخطاء التي وقعت بها برامج الإرث التي لم تُنفَّذ.

وتضيف فاطمة قائلة، إنه من المرجح أن يجري استكشاف الكثير من الأنشطة المرتبطة بتشجيع ريادة الأعمال وتنويع الاقتصاد على المدى الطويل، حتى دون كأس العالم، رغم أن البطولة كانت عاملاً منشطاً لذلك.

وأنفقت قطر مليارات الدولارات على تطوير برامج جديدة في مجالات التمويل والتعليم والسياحة والثقافة والرعاية الصحية على مدار العقد الماضي.

وفي غضون ذلك، بدأت هيئات مثل حاضنة قطر للأعمال في الضغط لتأسيس شركات ناشئة جديدة، وشركات قطرية بالقطاع الخاص لا علاقة لها بمشروعات كأس العالم في السنوات الأخيرة.

ودائرة الانتفاع من الحدث تتسع لتشمل الإمارات ومصر والسعودية ولبنان

ومع ذلك، لا تُعد قطر البلد الوحيد في المنطقة الذي يطمح لتطوير أعمال جديدة. توضح الأبحاث التي أجرتها منصة البيانات ماغنيت، التي تتخذ من دبي مقراً لها، أن النظام البيئي للشركات الناشئة في قطر شهد نشاطاً أقل من نظيره في الدول المجاورة مثل الإمارات والسعودية.

وفي الوقت نفسه، أفاد تقريرٌ جديد لوحدة الأعمال الذكية بقمة عرب نت، أن ثلاث شركات تقنية ناشئة قطرية فقط تلقت استثمارات بين عامي 2013 و2017، مقارنةً بـ298 شركة في الإمارات و169 شركة في مصر و162 شركة في لبنان خلال الفترة ذاتها.

لكن قطر متأخرة نسبياً لناحية احتضان الشركات الناشئة

ورغم أن تقرير قمة عرب نت (التي انعقدت في دبي) لا يتضمن أرقاماً للشركات الناشئة في قطاعات أخرى مثل المواد الغذائية والبيع بالتجزئة، فإنه يسلط الضوء على عدم وجود مستثمرين ممولين – أفراد أو مجموعات توفر رؤوس أموال أولية للشركات الناشئة – في قطر.

ومن ناحيةٍ أخرى، يمكن أن يكون التوسُّع والانتشار في أسواقٍ كبيرة أخرى بجميع أنحاء المنطقة أكثر تعقيداً أيضاً بالنسبة للشركات القائمة في قطر، ما دام الحظر المفروض عليها من جيرانها مستمراً.

وقالت جين كينينمونت، نائب رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني، إن قطر كانت متأخرةً نسبياً من حيث نظامها البيئي للشركات الناشئة.

وما إذا كان من الممكن أن يحل قطاع الشركات الناشئة، إلى جانب كل خطط تنويع الاقتصاد الأخرى في قطر، محل الثروات الضخمة التي جمعتها البلاد بفضل النفط والغاز، فإن هذا الأمر يظل محل تساؤلات أيضاً، كما أوضحت جين.

والتحدي الأهم إظهار مقدرة هذه الشركات على خلق فرص عمل

لا يزال الدوس طموحاً رغم هذه التحديات.

وقال إنه يشارك مساحة العمل حالياً مع 15 شركة ناشئة محلية أخرى، وسلط الضوء على شركة مكتب لخدمات الحلول السحابية، وتطبيق صمام للكشف عن تسرب الغاز كأمثلة على الشركات الشابة التي لديها أفكار لا تتعلق بكأس العالم.

وتحرص شركة "أرفيكس" أيضاً على تنويع الاقتصاد، من خلال المساهمة في قطاع السياحة والفعاليات والتعليم بالبلاد.

وتشمل مشروعات "أرفيكس" قيد التنفيذ جولات بتقنية الواقع الافتراضي للمواقع الثقافية في جميع أنحاء قطر، بالإضافة إلى ورش عمل للمعلمين. وبدأت الشركة أيضاً في تقديم خدمات البث الحي بتصوير 360 درجة للمؤتمرات والفعاليات المحلية وحفلات توزيع الجوائز.

لكن الدوس يعتقد أن الأهم من ذلك هو استخدام الاهتمام والدعم الذي يحصل عليه رواد الأعمال بسبب كأس العالم، لإظهار أنه يمكن للشركات مثل شركته الخاصة أن تساعد في خلق فرص عمل جديدة.

وقال الدوس إن مفهوم شركات القطاع الخاص الصغيرة أو الشركات الناشئة أصبح مألوفاً حقاً في قطر منذ خمس سنوات فقط.

وأضاف: "إذا كان يمكن للحدث الكروي الأبرز أن يلفت انتباه الناس لما يستطيع رواد الأعمال الشباب في البلاد فعله، سيكون ذلك إرثاً يمكن لقطر أن تفخر به".

علامات:
تحميل المزيد