محمد صلاح.. المسلم العربي في مواجهة موجات العنصرية والإسلاموفوبيا

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/26 الساعة 19:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/26 الساعة 23:03 بتوقيت غرينتش
LIVERPOOL, ENGLAND - Sunday, January 14, 2018: Liverpool's Mohamed Salah prays as he celebrates scoring the fourth goal during the FA Premier League match between Liverpool and Manchester City at Anfield. (Pic by David Rawcliffe/Propaganda)

في فبراير/شباط الماضي، كشف مشجّعو ليفربول عن صيحةٍ جديدة تكريماً لمهاجم ناديهم المتألق، اللاعب المصري محمد صلاح. صدح المشجّعون، الذين سافروا إلى البرتغال لحضور مباراة لدوري الأبطال ضدّ نادي بورتو، بأنغام الصيحة الجديدة، وهم يلوّحون بقبضة أياديهم ويتقافزون وفي أيديهم زجاجات صغيرة. 

ردّدوا حينها أغنية Good Enough، التي أطلقها العام 1996 فريق البوب الإنجليزي Dodgy. وتقول كلماتها: "إذا كان صلاح جيداً بما يكفي بالنسبة لك. وإن كان جيداً بما يكفي بالنسبة لي. إن سدَّد مزيداً من الأهداف، فسأصبح مسلماً مثله".

Mo Salah-la-la-la-la

Mo Salah-la-la-la-la

If he's good enough for you

He's good enough for me

If he scores another few

Then I'll be Muslim, too

في الدقيقة الثلاثين من المباراة، ارتدَّت الكرة مرتين من على عمود المرمى. ثبتها صلاح بقدمه اليمنى، ورفعها بخفة مستخدماً قدمه اليسرى، ثم ضربها برأسه ليسدّدها في شبكة المرمى. كان هدفاً محترفاً، وموزوناً وصارخاً، والرقم الثلاثين لصلاح خلال ذلك الموسم مع ليفربول.

وبعد المباراة انتشر مقطع الفيديو الذي يُنشِد فيه لاعبو ليفربول أغنيتهم التي تنتهي بجملة "I'll be Muslim too" انتشار النار في الهشيم على شبكات التواصل الاجتماعي، وحصد ملايين المشاهدات التي لم تقتصر على مشجّعي ليفربول المنتصرين وحدهم، بل ضمَّت أيضاً جموعاً أخرى من أولئك الذين يهتمّون بلعبة كرة القدم.

كانت بداية صلاح مع ليفربول مميزة… ورغم أنه لم يتمكن من تتويج موسمه باللعب كلّ المباراة خلال نهائي دوري أبطال أوروبا الليلة، ضدّ ريال مدريد، إلا أنه استطاع أن يقود ليفربول إلى وضع حدٍّ لـِ 11 عاماً من الغياب عن النهائيات.. فيمكن أن ُينسب الفضل لصلاح في نهوض ليفربول من عثرته.

ليس مجرّد نجم كرة قدم عالمي

حطم صلاح هذا العام الأرقام القياسية، لأهداف الدوري الإنجليزي، في الموسم الذي شهد 38 مباراة، وتوجَّته رابطة اللاعبين المحترفين لاعب العام، كما فاز بجائزة الحذاء الذهبي لتسديده معظم الأهداف في الدوري الإنجليزي.

غير أن صلاح ليس مجرَّد نجم كرة قدمٍ عالمي؛ فقد أصبح واحداً من أبرز الوجوه المسلمة التي تحمل خلفية عربية لا تُخطئها العين. فهو لا يشبه بقية المشاهير من ذوي الخلفيات المسلمة الذين مالوا إلى الاندماج المتساهل مع الثقافة العلمانية، بدءاً من عارضة الأزياء المشهورة جيجي حديد ووصولاً إلى نجم كرة القدم الفرنسي من أصول جزائرية زين الدين زيدان الذي يتولى إدارة ريال مدريد حالياً.

فصلاح، عكسهم جميعاً، بحسب موقع Newyorker، هو يتحدث بلغةٍ إنجليزية ثقيلة، ولا يُخفي تديّنه. يسجد شكراً لله في الملعب بعد أن يُسجّل هدفاً، ويرفع سبابته بإشارة الشهادة، التي تشبه رسم الصليب. كما تُظهر منشوراته على شبكات التواصل الاجتماعي تديُّنه: فنجد صورة له أمام الكعبة، وعليها تعليق بالشهادتين؛ وصورة للمسجد الحرام في مكة. كما أنه أطلق على صغيرته، ذات الأعوام الأربعة، إسم مكة (ولقبه باللغة العربية أبو مكة). بالإضافة إلى أن زوجته، كغيرها من أغلبية النساء المصريات المسلمات، ترتدي حجاباً.

صلاح يتحدّى الإسلاموفوبيا

يحظى صلاح باستحسان القاعدة البيضاء المهيمنة على مشجّعي الدوري الإنكليزي، بسبب تديُّنه، الذي لا يختلط بالسياسة. وتعليقاً على ذلك، قال خالد بيضون، المتخصّص في علوم القانون ومؤلف كتاب American Islamophobia: "أظن أن جزءاً من بريق صلاح يعود إلى أنه ليس رمزاً سياسياً ظاهراً يعالج الإسلاموفوبيا في إنكلترا، ولديه القدرة على تقديم صورة تدحض بشكلٍ فعّال الصورة السلبية التي كوّنها الغرب عن المسلمين، والتي يمكنها أن تتحدى الإسلاموفوبيا (الخوف من المسلمين)، من دون تصنّع أو افتعال".

ويقول إيرل جينكينز، المشجّع القديم لليفربول، إنَّ صلاح يُذكّره باللاعب جون بارنس الذي تنحدر أصوله من جامايكا، وهو أول لاعب من ذوي البشرة السمراء ينضمّ إلى ليفربول. مضيفاً انَّه حين انضمّ بارنس في بادئ الأمر إلى ليفربول في العام 1987 "هدّد بعض الناس بتمزيق تذاكرهم لذلك الموسم، غير أنهم تقبلوا وجوده في نهاية المطاف". وأضاف جينكينز: "أظن أن الأمر نفسه ينطبق على محمد صلاح".

ويبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان من الممكن للاعب كرة قدمٍ محبوب، كمحمد صلاح، أن يكون له تأثير في التخفيف من العنصرية تجاه المسلمين. يشكّك جوزيف مسعد، المؤرخ وأستاذ الدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا، في هذا الأمر قائلاً: "صلاح ناجح، والجميع يحبون الناجحين؛ قبل سنوات قليلة، تلقى زين الدين زيدان، وهو ابنٌ لمهاجرَين جزائريين، ترحاباً عظيماً من العرب والمسلمين والأفارقة وكذلك من أبناء وطنه من الفرنسيين، غير أنَّ شهرته لم تخفّف من وطأة الإسلاموفوبيا التي تسود الثقافة الفرنسية. يعتريني شك بالغ في أن تخفّف شهرة صلاح من الإسلاموفوبيا في أوساط الثقافة البريطانية".

وهذا لا ينفي أنني، المصري المسلم الذي لا يميل أبداً لكرة القدم ويفصلني محيطٌ عن صلاح، قد لاحظت تصاعد شهرته وفكرت كثيراً في ما بإمكانه فعله لتغيير الصورة الذهنية عن العرب والمسلمين حول العالم. كثيراً ما وجدتُ نفسي في المطارات أو حتى في مترو الأنفاق، أفكر هل يبدو مظهري عربياً بشكل واضح؟ هل ملابسي تعكس انتمائي العرقي أكثر من اللازم؟ هل ينبغي عليَّ أن أحاول الاندماج؟ غير أن ما يَلفت نظري أكثر من أي شيء آخر في صلاح هو أنَّه لا يبدو مهتماً بالاندماج في أي شيء. كل ما يحرص عليه هو أن يكون على طبيعته دون تصنُّع. وهذا، أكثر ما يثير إعجابي بشدة دون أي شيء يفعله على أرض الملعب".

 

تحميل المزيد