New York Times: شبكة beoutQ تمارس قرصنة “وقحة” لقنوات رياضية قيمتها مليارات الدولارات

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/10 الساعة 19:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/10 الساعة 19:31 بتوقيت غرينتش

ماذا تفعل عندما تتعرَّض شبكة قنواتك الرياضية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات إلى السرقة؟

تفكَّر مسؤولو شبكة قنوات "بي إن سبورتس beIN Sports" القطرية ملياً في السؤال، الأسبوع الماضي، بينما كانوا يُحدِّقون في مجموعة من الشاشات داخل مقر الشبكة مترامي الأطراف، بالعاصمة الدوحة.

beoutQ تبث المحتوى الحصري لشبكة beIN Sports

في 2 مايو/أيار 2018، بثَّت القناة الرئيسية للشبكة، المباراة الحاسمة من نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، والتي جمعت بين فريقي روما الإيطالي وليفربول الإنكليزي.

ووفق تحقيقٍ استقصائي أجرته صحيفة The New York Times الأميركية، شاهد مسؤولو القناة بث المباراة التي تقدَّم فيها ليفربول على مضيفه الإيطالي مبكراً، ثُمَّ شاهدوا الهدف نفسه مرة أخرى بعد 10 ثوانٍ عبر تغطية حية على قنوات "بي أوت كيو beoutQ"، وهي مجموعة قنوات "تسرق" بث قنوات beIN Sports، ويبدو أنَّها تتخذ من السعودية مقراً لها، وتكمن جذورها في الخلاف السياسي المرير بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات وحلفائهما من جهة أخرى – بحسب الصحيفة -.

وفي تلك الليلة، مثلما كان الحال في كل ليلة في الشهور القليلة الماضية، كانت 10 قنوات تابعة لمجموعة beoutQ مباشرة، وكانت كلها تقريباً تعرض المحتوى الحصري والمكلف للغاية، الخاص بشبكة قنوات beIN Sports، التي تملك بعض الحقوق الرياضية الأعلى قيمةً في فرنسا وإسبانيا وتركيا.

وتفرض دول التحالف حصاراً عقابياً على قطر منذ العام الماضي 2017، متهمةً إياها بتمويل الإرهاب وتمزيق وحدة المنطقة، من خلال التقرب لإيران وإيواء المُلاحَقين من جانب هذه الدول. وتنفي قطر هذه الادعاءات.

والآن، وقبل شهر من بداية منافسات كأس العالم 2018 الذي تملك beIN Sports الحقوق الحصرية لبث مبارياته، تعتزم مجموعة beoutQ بث مباريات البطولة، البالغ عددها 64 مباراةً بشكل غير شرعي في كثير من مناطق الشرق الأوسط. بينما تقف قطر رغم مواردها الوفيرة، عاجزةً عن إيقاف هذه القرصنة.

مهمة واحدة الآن: تعطيل بث قنوات beoutQ

أجهزة الاستقبال المزودة بشعار beoutQ توافرت في مختلف أنحاء السعودية على مدار أشهر، وأصبحت متاحة للبيع الآن في دول عربية أخرى. وتبلغ قيمة الاشتراك في هذه القنوات لمدة سنة 100 دولار أميركي. وقال عامل بنغالي يعمل في متجر يُدعى "الشريف للإلكترونيات" بمدينة جدة السعودية جرى تواصلت معه The New York Times عبر الهاتف هذا الأسبوع، إنَّ متجره يبيع هذه الأجهزة منذ ثلاثة أشهر، وأوضح "يشتري الكثير من الناس هذه الأجهزة".

وبعد بث مباريات نصف نهائي دوري أبطال أوروبا بشكل غير شرعي الأسبوع الماضي، اجتمع توم كيفني المدير العام لشبكة beIN Sports لمنطقة الشرق الأوسط، الذي عمل في التلفاز لثلاثة عقودٍ، مع فريق مكون من 6 مهندسين في غرفة صغيرة يُطلق عليها "المختبر" لإتمام مهمة واحدة وهي: تعطيل بث قنوات beoutQ.

لكنَّهم لم ينجحوا في ذلك حتى الآن.

قال كيفني إنَّ تشغيل قنوات beoutQ "يتطلب معرفةً على نطاق صناعي وقدرةً وتمويلاً بملايين الدولارات. هذا ليس شيئاً يُدار في غرف نومهم".

إشارة البث من الرياض

ويزعم موقع مجموعة beoutQ أنَّها نتاج شراكة كولومبية – كوبية. في حين قال مسؤولون في شبكة beIn Sports، إنَّهم أنفقوا أكثر من 200 ألف دولار أميركي في التحري عن هذه القنوات وتتبُّع إشارة بثها، حتى وصلوا إلى شركة "عرب سات" للأقمار الصناعية، التي يقع مقرها بالعاصمة السعودية الرياض، وتُعَد السعودية أكبر المستثمرين فيها.

ولم يرد مسؤولون بالحكومة السعودية وسفارتها على رسائل The New York Times للتعليق على الأمر.

ولأكثر من عقد من الزمان، استخدمت قطر الرياضة لرفع مكانتها، كما أنها تستضيف نهائيات كأس العالم 2022. وتملك العائلة القطرية الحاكمة نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، أحد أبرز الأندية في أوروبا.

وخصَّصت شبكة beIn Sports مليارات الدولارات للحصول على الحقوق الحصرية لبث أكبر الأحداث الرياضية، وتدفع في كثيرٍ من الأحيان أكثر من القيمة السوقية لهذه الحقوق، لضمان تفوقها في العالم العربي وما حوله. وأصبحت الشبكة شعاراً قومياً للإمارة، وهو ما يجعل قرصنة بثها أمراً مهيناً على نحوٍ خاص.

وقال محمد السبيعي، المدير التنفيذي للشؤون التجارية بمجموعة beIn الإعلامية، "اختير الاسم beoutQ للترهيب. وكوني قطرياً، فإنَّني أشعر بالغضب بسبب هذا الأمر حقاً".

وامتدَّ الخلاف بين قطر وجيرانها إلى كل نواحي الحياة، إذ يجب على رحلات شركة الخطوط الجوية القطرية أن تتجنَّب المجال الجوي لهذه الدول، ما يطيل مدة الرحلات. وتضطر العائلات التي لها أقارب في دول التحالف إلى أن تراهم في مكان آخر. وطُرِد نحو 12 ألفاً من الإبل القطرية، التي ترعى في الأراضي السعودية.

وقال ديفيد روبرتس، الخبير في الشؤون الخليجية بكلية الملك في لندن، "لم يكن خلافاً راشداً، إذ تبدو تقارير وسائل الإعلام السعودية، التي تشير إلى أنَّهم سيحاولون تحويل قطر إلى جزيرة عن طريق حفر قناة على طول الحدود بين قطر والسعودية، واستخدام تلك المنطقة لتخزين النفايات النووية، صبيانية".

ولم تستغرق شبكة beIn Sports وقتاً طويلاً لتكتشف أنَّ هذه القناة (beoutQ) ترتبط على الأرجح بالسعودية.

وكانت السعودية بعد فترة وجيزة من نشوب الخلاف قد حظرت بيع أجهزة استقبال beIn Sports، ومنعت المشتركين الحاليين من دفع اشتراكاتهم للقناة. وسرعان ما بدأ مسؤولون سعوديون بارزون، بمن فيهم المستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني، الترويج لموقع قنوات beoutQ على الشبكات الاجتماعية. وانطلقت مجموعة قنوات beoutQ، في أكتوبر/تشرين الأول 2017 بـ 10 قنوات عالية الوضوح.

وحدَّد مالكو الموقع الدخول إليه حسب الموقع الجغرافي، ليتمكن مستخدمو الإنترنت في السعودية فقط من الوصول إليه.

ويعرض الموقع كل المحتويات الرئيسية لشبكة قنوات beIn Sports، بما فيها مباريات كرة القدم من مختلف أنحاء العالم، ومباريات الرابطة الوطنية الأميركية لكرة السلة (NBA)، وأبرز بطولات التنس. وبدأ القائمون على مجموعة قنوات beoutQ في إضافة محتوى مملوك لشبكات أخرى، بعيداً عن beIn Sports، بما في ذلك نزالات بطولة دوري القتال النهائي لرياضة الفنون القتالية المختلطة.

وقال مسؤولون في شبكة beIn Sports، إنَّهم كانوا غير قادرين على إيجاد محامين مستعدين لمتابعة القضية في المحاكم السعودية، لكن مذكرات الاستدعاء الصادرة في الولايات المتحدة بحقِّ شركات استضافة موقع هذه الشبكة ساعدت في الكشف عن استخدام بطاقة ائتمان تخص شخصاً يُدعى رائد خشيم، في دفع رسوم الاستضافة. وخشيم هو المدير التنفيذي لشركة "سيليفيجن Selevision"، وهي شركة موزعة لأجهزة الاستقبال وخدمات البث حسب الطلب، مقرها السعودية.

وأنكر خشيم، في رسالة واتساب، أي صلة له بمجموعة قنوات beoutQ. وقال إنَّه كان طرفاً في نزاع قانوني غير متعلق بهذا الأمر مع beIn Sports. ولم يُجِب خشيم على سؤالٍ مباشر بشأن بطاقته الائتمانية.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2017، ظهرت في جميع أنحاء السعودية أجهزة استقبال مُزوَّدة بإمكانية الوصول إلى قنوات beIn Sports عبر الإنترنت والأقمار الصناعية. وتبث هذه الأجهزة مئات القنوات المميزة من جميع أنحاء العالم. وتتبع فريق مكافحة القرصنة الخاص بشبكة beIn Sports إشارة بث القناة، وصولاً إلى القمر الصناعي عرب سات.

هكذا "تسرق" beoutQ إشارة بث الشبكة القطرية

وطالبت beIn Sports شركة "عرب سات" بإزالة هذه القنوات. ورفضت الشركة ذلك عبر شركة "سكوير باتون بوغز" الأميركية للمحاماة. وقالت الشركة إنَّ العميل الذي قام بشراء هذا البث الفضائي أنكر صلته بمجموعة beoutQ.

ويعتقد فريق مكافحة القرصنة في beIn Sports، أنَّ الفريق يعرف كيف تسرق قنوات beoutQ إشارة بث الشبكة القطرية. بشكل أساسي، يعمل الموقع على إعادة بث المحتوى الذي يصل إلى مشتركٍ فردي في الشبكة القطرية. ونظراً لأنَّ كل مشترك له رقم تعريفي مميز، يكون ظاهراً عادةً، ويُعرَف ببصمة الإصبع، ما دفع مهندسي الشبكة القطرية للاعتقاد أنَّهم سيكونون قادرين على تحديد هوية العميل المُخالِف بسهولة. لكنَّ القراصنة تمكَّنوا من التوصُّل لطريقة لإخفاء بصمات أصابعهم.

وقال استيبان إزرائيل المدير التنفيذي لقطاع التقنية بالشبكة القطرية، عن مستوى التطور التقني لمجموعة قنوات beoutQ، "لا يوجد شيء مثل هذا في العالم. نعمل مع جميع كبار مزودي الخدمات التقنية والمطورين التقنيين. ولدينا خبراؤنا، وننشر أحدث التقنيات، لكنَّنا لم نرَ هذا في أي مكانٍ آخر".

وفي حين يبحث مهندسو بي إن عن طريقة لإيقاف هذه القرصنة، تزداد مجموعة قنوات beoutQ ازدهاراً.

ففي بداية مباراة دوري أبطال أوروبا بين روما وليفربول، لاحظ كيفني أنَّ شعار بطولة كأس العالم المقبلة في روسيا أُضِيف إلى جانب شعار قنوات beoutQ. ووعد إعلان دعائي بين شوطي المباراة مشتركي beoutQ بمشاهدة جميع مباريات كأس العالم البالغ عددها 64 مباراة في بث مباشر.

ويكون التعليق والاستوديو التحليلي للمباريات على قنوات beoutQ عادةً منقولاً من قنوات beIn Sports.

ويدعم الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، وغيره من الجهات الحاكمة التي باعت حقوق البث الحصرية لشبكة beIn Sports جهود الشركة لمكافحة القرصنة، إلا أن هذه الجهات فضّلت عدم انتقاد السعودية.

إذ عرضت مجموعة تضم مستثمرين سعوديين استثمار 25 مليار دولار لبدء تنظيم بطولتين جديدتين مع "فيفا". ووقَّعت رابطة الدوري الإسباني "ليغا" مؤخراً عقد رعاية مُربِحاً مع الهيئة العامة للرياضة السعودية، لإعارة لاعبين من فريق المنتخب السعودي المشارك في نهائيات كأس العالم المقبلة إلى عددٍ من الأندية الإسبانية.

وقالت صوفي جوردان، المستشارة العامة لشركة beIn الأم والمقيمة بالعاصمة الفرنسية باريس، إنَّ غض الطرف عن القرصنة من شأنه أن يُقلِّل قيمة الحقوق.

وقالت صوفي، "يجب على أصحاب الحقوق أن يكونوا حذرين للغاية. وحين يدركون أنَّ هذا يُعرِّض قيمة الحقوق في المنطقة للخطر، ولا يحفز المنافسة كما يعتقد البعض، سيكون قد فات الآوان".

وقدَّمت الشبكة القطرية شكاوى لمنظمة التجارة العالمية ومنظمة التعاون الإسلامي، التي تضم كلاً من السعودية وقطر. وقالت صوفي، "لكن الوقت القانوني مختلف عن وقت العمل؛ فنحن نخسر أموالاً كل يوم. سننتصر، ولكنَّنا سننتصر خلال 3 أو 5 سنوات".

وفي المقر الرئيسي لشبكة beIn Sports، كانت غرفة التحكم لا تزال غامرةً بالضجيج في ليلة انتصار ليفربول بنصف نهائي دوري أبطال أوروبا مع اقتراب منتصف الليل.

وتفكَّر دنكان واكنشاو، مدير البرامج بالشبكة القطرية، فيما هي الموارد التي يجب أن تمتلكها مجموعة beoutQ لتتمكَّن من بث قنوات أخرى، وحتى عرض فقراتها الإعلانية. وبنهاية الأسبوع، كانت beoutQ قد بثَّت أكثر من 50 مباراة حية.

وقال واكنشاو، "أسَّسوا علامةً تجارية دون أي عمليات استحواذ (على الحقوق). إنَّه أمر غريب وخاطئ للغاية. نحن نستثمر وقتنا وجهودنا ليأتي أحدهم يسرقها وينسبها لنفسه".

يشار إلى أن المستشار في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني نشر في 7 مايو/أيار 2018، سلسلة تغريدات عبّر خلالها عن استنكاره لقرصنة بثّ فعاليات الدوريات العالمية ونهائيات كأس العالم، مؤكداً أن بلاده ستتصدى لهذه التجاوزات.

علامات:
تحميل المزيد