لا رجال ولا هواتف ولا أنظمة GPS: النساء يتحدين الصحراء المغربية وسط الطرق الوعرة

كل عام، وفي آخر أسبوع من شهر مارس/آذار، تتجمع 330 امرأة جسورة تقريباً من كل ركن من أركان الكوكب، لخوض منافسة تصممها النساء من أجل النساء

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/04 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/04 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش

أمضت المتسابقة الفرنسية جولي كولمان العام الماضي كله تحضيراً لهذه اللحظة. جلست خلف المقود وأطلقت العنان لسيارتها بمواجهة الصحراء الكبرى المغربية، في رالي نسائي لم يسبق له مثيل.

كل عام، وفي آخر أسبوع من شهر مارس/آذار، تتجمع 330 امرأة جسورة تقريباً من كل ركن من أركان الكوكب، لخوض منافسة تصممها النساء من أجل النساء.

رالي عائشة للغزلان، الذي انطلق قبل 19 عاماً، وضع المغرب على خارطة الرياضات النسائية وسباقات السيارات العالمية. وفوق هذا كله، يمنع على المتسابقات استخدام أنظمة GPS. فهن والصحراء في خندق واحد لمدة أسبوع كامل.. وبلا رجال.

طلب المساعدة ممنوع والميدان لا يمكن التكهن به

تُخصم نقاط متنافسات هذا الرالي -المشار إليهن بـ"الغزلان"- في حالة طلب المساعدة الميكانيكية، أو الابتعاد عن الطريق المباشر بين نقاط الفحص، مما يعني التعرض للعقوبة لتجنب أي عقبات طبيعية تضعها الصحراء في طريقهن.

أولئك الذين لم يزوروا الصحراء الكبرى من قبل قد يتخيلون سهلاً منبسطاً من الكثبان الرملية المسطحة اللامتناهية، لكن عند الطرف الشمالي الغربي للصحراء يمكن أن يتغير المشهد بدرجةٍ كبيرة بين الميل والآخر.

من وراء مقود السيارة، يشهد السائقون تنوع التضاريس بسرعةٍ عالية. فالأرض الصخرية أسفل العجلات تتغير من رمال زلقة إلى حصى وعرة، ثم إلى صخور متعرجة، حتى تصبح جبالاً شاهقة، ثم تعود رمالاً مرة أخرى.

أحياناً يسيرون بسياراتهم وسط قطعان الإبل البرية التي تتغذى على الأراضي العشبية المسطحة، وفي لحظةٍ أخرى يجتازون موجةً تليها أخرى من الكثبان الرملية بحجم تسونامي، والتي تُصعب الحركة على السيارات، حتى بالنسبة للإطارات المصنوعة خصيصاً للقيادة في الصحراء.

"أردتُ إقامة منافسة ذكية تمكّن النساء"

تحدثت مؤسِسة الحدث دومينيك سيرا عبر مترجمها الفرنسي من مكتبها المتنقل في مساء يوم ما وبمنتصف المنافسة: "أردتُ إقامة منافسة ذكية بدلاً من منافسةٍ مليئة بالإثارة والتحدي. منافسة لا تقتصر على وضع قدمك على دواسة الوقود والتقدم في خط مستقيم، كان علي أن أتوصل إلى فكرة تمنع الأشخاص من القيادة سريعاً".

ووفق ما أخبرت صحيفة The Guardian، ابتدعت سيرا فكرة المنافسة، التي بلغت هذه السنة عامها الـ28 كعضوٍ في مؤسسات فرنسا MEDEF، وهي الرابطة الأكبر لأرباب العمل الفرنسيين. وأوضحت قائلةً: "النساء لسن مُمثَّلات في صناعة السيارات، فطُلِبَ مني إيجاد طريقة لتمكين هؤلاء السيدات".

أقيم أول رالي في هذه المنافسة عام 1990، وضم 9 فرق فرنسية يتكون كل فريق من متنافستين. وفي دورته عام 2018، أصبح يضم 165 فريقاً تمثل 16 دولة.
يتنافس الجميع ضمن أربع فئات مختلفة:

الأغلبية في فئة شاحنات الدفع الرباعي

9 فرق بعربات الكثبان الرملية

5 فرق بسيارات فئة كروس أوفر

واستخدمت 5 فرق أخرى السيارات الكهربائية في مسار مُعدَّل وفّر لهم وقتاً كافياً لشحن السيارات بين طرق الذهاب والعودة.

كل ما يُستخدم يُعاد تدويره حماية للصحراء وأهلها

بالرغم من توفير مسار معدل للمتنافسات بالسيارات الكهربائية، ينبغي عليهن تجاوز تحدياتٍ كبيرة تتعلق باجتياز الطرق الوعرة بسياراتٍ صُنِعَت في المقام الأول للقيادة في المدن. لكنَّ سيرا تقول إن مشاركتهن العام الماضي كانت تطوراً طبيعياً لما تصفه "رالي مسؤول".

في عام 2010، أصبح رالي عائشة للغزلان أول منافسة للمركبات تحصل على الشهادة البيئية الدولية وفقاً لمعيار الأيزو 14001 (المُنقَّح عام 2004). وتظهر كل تلك الجهود المضنية بوضوح في "المعسكرات المؤقتة" أو المعسكرات الرئيسية، حيث تجتمع المتنافسات ويتناولن طعامهن ويقمن المخيمات كل ليلة.

يُعاد تدوير جميع القمامة الناتجة أو تحويلها إلى رماد، وفي ما يتعلق ببواقي الطعام يجري التبرع بها إلى المزارعين المحليين كغذاء للحيوانات، كذلك تتحول زجاجات المياه البلاستيكية إلى مواد بناء في القرى المحلية.
وقالت سيرا: "يجمعون زجاجات المياه الفارغة ويملأونها بالرمال لاستخدامها كحواجز للبناء. حتى في منطقة الميكانيكي، التي تُعد مصدراً محتملاً للتلوث، تُتخذ كافة التدابير لتجنب حتى سقوط أي قطرة زيت على الأرض".

وتقدم الفرق الطبية في طريقها مساعدات للقرويين

تُقدم الفرق الطبية التي تدعم المنافسة استشاراتٍ طبية ومساعداتٍ مجانية للقرويين في هذه المنطقة النائية من المغرب، التي تفتقر أغلبها إلى أي نوع من الخدمات الصحية. وتشارك المنظمة أيضاً في المبادرات المحلية التي تساهم في بناء المدارس والحضانات، إضافةً إلى توفير التدريب الوظيفي للسيدات والتبرع بالكراسي المتحركة والنظارات، وغيرها الكثير.

والملك المغربي يتابع المسابقة كل عام

أتت جهود الرالي المبذولة بثمارٍ مباشرة، تتمثل في أنَّه الحدث الوحيد من نوعه الذي يحمل شعار النبالة الملكي المغربي، وتضعه كل متنافسة على الكتف الأيسر لسترة زيها الرسمي.

وقالت سيرا، التي منحها ملك المغرب محمد السادس في عام 2013 الوسام العلوي: "يوجد عدد كبير من رياضات السيارات التي تُقام في المغرب، فهي تُعد الملعب العالمي لسباقات الطرق الوعرة، لكن هذه المنافسة هي الوحيدة التي تتلقى هذا المستوى من الاحترام من البلد المضيف، فالملك محمد يتابع المنافسة كل عام، إلى جانب أنَّه يُقدّر الجهود التي بذلناها من أجل المغرب".

التحضيرات تبدأ قبل أشهر وتبحث عن رعاة

مع أنَّ الحدث بدأ رسمياً بحفل افتتاح ومراسم رعاية في مدينة نيس بفرنسا في 16 مارس/آذار، لكنَّ المتنافسين كانوا يُعِدون أنفسهم وسياراتهم لأشهر عديدة.

إذ قالت جولي كولمان المتسابقة الفرنسية: "يتمثل الجزء الأول من المهمة، وهو الأكبر، في العثور على رعاة. تقابل أشخاصاً وتتحدث معهم بشأن الحدث، وتحاول الحصول على الأموال للتسجيل في الحدث، وهذا هو الجزء الأول".

بينما يتألف الحدث بشكلٍ أساسي من السائقات الهواة، توضح كولمان أنَّهن بحاجة إلى التفكير والتصرف كمحترفات من أجل جمع رسوم الدخول التي تساوي حوالي 15 ألف يورو (18 ألف دولار تقريباً)، إضافةً إلى الحاجة إلى استثمار الكثير من الأموال في مركباتهن.

وقالت: "لا بد من الحصول على سيارة جيدة وإعدادها، وأن تعرف ما تريد أن تفعله بالضبط بها"، وأضافت أنَّ كل فريق يتكون من ثلاث متنافسات بالفعل.. فـ"السيارة هي المتنافسة الثالثة".

وقمرات المراقبة تتابع ولا تتدخل

بينما تستخدم المتنافسات تقنيات ملاحة قديمة، توجد آلة معقدة وراء الكواليس تراقبهن وتتابع كل تحركاتهن.
المدير الرياضي المساعد في المنافسة سيرج باربيو، قال وهو جالس خلف شاشة رادار داخل مقطورة بالمعسكر الأساسي: "يمكننا من مكاننا هنا أن نعرف مكان كل فريق من فرق الغزلان في الصحراء، ونتلقى إشارات بمواقعهم تظهر على شاشة الرادار مثل تلك الموجودة في غرف مراقبة حركة الطيران. في كل سيارة نظام مُثبَّت يُدعَى أيروتراك، يُرسِل موقع السيارة لنا كل خمس دقائق".

وبينما لا يوفر نظام تحديد المواقع العالمي الموجود بالسيارة للغزلان أي معلومات عن موقعهن، يمكن استخدامه لطلب المساعدات الطبية أو الميكانيكية إذا لزم الأمر. ويوضح باربيو أنَّ هناك موقفاً واحداً فقط يُستخدم فيه النظام للتواصل مع السائقين تلقائياً.

ويقول عن ذلك: "إذا رأينا سيارة تقترب من الحدود الجزائرية، نتصل بها عبر صندوق الأقمار الصناعية لنظام إيروتراك، ونخبرها فقط بالتحقق من نظام الملاحة مرة أخرى".

يعمل باربيو كمراقب لحركة المرور الجوية في مدينة ليون بفرنسا بقية العام، وبحكم وظيفته يرى الكثير من أوجه الشبه بين وظيفته اليومية وعمله في المنافسة. يقول: "من السهل جداً مراقبة السيارات تتحرك على الشاشة والاهتمام بها تماماً مثلما أفعل مع الطائرات، ولكن دون أن أتدخل للمساعدة".

مكالمة واحدة فقط عند الخامسة صباحاً

يساهم باربيو أيضاً في اختبار المسارات قبل أن تبدأ السباقات، وكذلك في إدارة برنامج التدريب على الملاحة الذي يستغرق يوماً ونصف. إتمام البرنامج إجباري لكل متنافسة قبل المشاركة.

عند تصميم المسارات، يشرح باربيو أنَّه يجب على المنظمين إقامة نقاط فحص متعددة وإعداد ممرات عدة لكل طريق ذهاب وعودة من الطرق الستة للمنافسة، التي تشمل طريقيّ ماراثون يستغرق كل واحد منهما يومين.

يضمن اختلاف المسارات أنَّ المتنافسين لن يتمكنوا من تتبع المسارات أو السيارات الأخرى إلى نقطة الفحص التالية، كذلك لن يتمكنوا من التدرب على الطريق المخصص لهم قبلها. وفي الحقيقة، يحصل المتنافسون على إحداثيات نقاط الفحص فقط عبر مكالمة تفقُّد حال المتنافسات في الخامسة صباحاً يومياً.

والشمس لا تسهل القيادة على الرمال

وأوضح باربيو: "يتراوح طول الطريق ما بين 50 إلى 180 كم، ولكن تبلغ طرق الماراثون تلك 290 كم مستقيم، ولكن أفضل أداء يقطع نحو 320 كم".

في حين أنَّ الوقت والسرعة لا يساهمان في زيادة درجات المتنافسات، لكنَّ نقاط الفحص تُغلَق في الساعة السابعة مساءً كل يوم، ما يشكل حافزاً للإسراع في منافسةٍ لا تتسم بالعجلة بصورةٍ ما".

وقالت كيانا إريكسون تشانغ، وهي منافسة أميركية محترفة تبلغ من العمر 23 عاماً معتادة أكثر على سباقات السرعة: "من الصعب الإبطاء، لا سيما أنَّنا اعتدنا على السرعة".

ومع أنَّ السرعة لا تشكل عاملاً هاماً، إلا أنَّ كيانا تقول إنَّها قد تُعد ميزةً. وأوضحت، بينما كانت تُفرِغ الهواء من إطارات السيارة استعداداً لاجتياز الرقعة المنزلقة من الكثبان الرملية: "لا نزال نرغب في الحفاظ على وقتنا، لأنَّه كلما ارتفعت الشمس أصبحت الرمال رخوةً أكثر".

الرجال ينضمون لأول مرة ومخاوف من الطلاق

تقول سيرا إنَّه منذ بداية هذا الرالي عبَّر الرجال عن رغبتهم في خوض المنافسة التي تستخدم البوصلة والخريطة فقط. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي فقط تمكنوا من الحصول على تلك الفرصة، عندما استقبل رالي الغزلان والرجال السنوي الأول فرقاً مختلطة وفرقاً مكونة من الرجال لأول مرة.

وقالت مود غارنييه، المتنافسة السابقة ومديرة مشروع رالي الرجال والغزلان: "إنّه يشبه رالي الغزلان تماماً، وتوجد الكثيرات من الغزلان السابقات يردن التنافس مع أزواجهن، الأمر مضحك جداً لأنَّنا كنا نفكر في أنَّه أمرٌ مثير، وجود رجل وامرأة في نفس السيارة، سيكون صعباً للغاية، وربما سنحتاج إلى وضع زر "طلاق" على لوحة القيادة".

بصرف النظر عن جميع النكات، تقول غارنييه إنَّ الحدث حقق نجاحاً ساحقاً، وأنَّها تشعر بالفخر لعدم وجود أي حالات طلاق ناتجة مباشرة عنه. وتضيف سيرا: "إنَّها المرة الأولى التي يكون فيها رالي نسائي نموذجاً لحدثٍ رجالي، فعادةً ما تجري الأمور بالعكس".

نحو مستقبل يسير كل شيء فيه بالكهرباء

بالرغم من تحديد خمس متنافسات في فئة السيارات الكهربائية، ضم الرالي ست سيارات هذا العام. إذ تنافست السيارة رقم 313 في فئة الكروس أوفر. السيارة نموذج معدل من طراز رينو زوي، المركبة الكهربائية الأكثر شهرة في أوروبا، وكان يقودها مهندسان من الشركة المصنعة لها.

وحقق فريق سيارة 313 المرتبة الثانية بين منافسي الكروس أوفر. كانت تتبع الفريق طوال المنافسة شاحنة دعم تحمل بطاريات طوارئ، ولكنَّ الفريق تعرض لعقوبة لشحن السيارة أكثر من مرة على مدار اليوم. بالتالي تقول بويسون إنَّه كان يجب عليها هي وفريقها التفكير ليس فقط في أقصر طريق مباشر بين نقاط الفحص، لكن الطريق الأكثر حفاظاً على طاقة البطارية. وقالت: "نحن لا نفكر بالكيلومترات فقط، بل بالكيلووات أيضاً".

كانت تجربة السيارة 313 تجربة طموحة بالنسبة لشركة رينو وكذلك لسيرا، التي تقول إنَّها تأمل في أن تنظم رالي تشكل نسبة السيارات الكهربائية فيه 30% بحلول الذكرى الثلاثين لرالي الغزلان، أي بعد عامين. وقالت: "يسير الرالي في اتجاه صديق للبيئة أكثر حالياً، لذا سيتجه تركيزنا إلى تلك الناحية الآن".

تأمل سيرا أن تكون جميع السيارات المشاركة في المنافسة كهربائية يوماً ما، مضيفةً نقطة تميز أخرى تجعل رالي عائشة للغزلان مختلفاً عن أي منافسة أخرى ضمن الرياضة.

علامات:
تحميل المزيد