محمد علي كلاي ساعد في شهرة هؤلاء الأبطال العرب.. ولكن بدلاً من تكريمهم منعوهم من اللعب 30 عامًا

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/29 الساعة 06:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/29 الساعة 10:59 بتوقيت غرينتش

رغم تخطِّيه عتبة الخامسة والستين من عمره، الذي قضاه في الساحات الرياضية لاعباً ومدرباً وحكماً، فإن البطل الدولي محمد بوشكيوه لا يزال مخلصاً لمعشوقته الأغلى، رياضة (الملاكمة)، التي حارب من أجل عودتها إلى ليبيا عقب سقوط نظام القذافي، بعد توقُّف استمرَّ لأكثر من ثلاثة عقود، بعدما توقفت اللعبة نهائياً بقرار من السلطات العليا في البلاد، بحجة أنها رياضة عنيفة وهمجية، وضد مبادئ الرياضة الجماهيرية التي نظر لها القذافي في كتابه الأخضر.

البطل الإفريقي السابق فَقَد كثيراً من لياقته بمرور كل هذه السنوات، لكنه ومع هذا لم يفقد شغفه بالرياضة التي سعى لإعادتها إلى الواجهة، منذ الأشهر الأولى لثورة فبراير/شباط 2011، رفقة عدد من زملاء الحلبة القدامى.

حاول بوشكيوه وبأقل الإمكانات العملَ على إحياء اللعبة، بعد تلك الضربة القاضية التي وجَّهها لهم نظام القذافي سنة  1979، قاطعاً الطريق أمام جيل ذهبي كاد يصنع تاريخاً مغايراً للرياضة الليبية حينئذ.

الأسطورة كلاي في ليبيا

من مدينة البيضاء، عاصمة الجبل الأخضر شرقي بنغازي، يتحدث محمد بوشكيوه لـ"عربي بوست" عن اللعبة التي دخلت إلى مدينته في العام 1969 -السنة التي شهدت وصول القذافي إلى السلطة- حين أدرجت اللعبة للمرة الأولى ضمن نشاطات النادي الوحيد بالمدينة (نادي البيضاء- الأخضر حالياً)، جاء بها إلى المدينة الجبلية ضابط شرطة قدم من بنغازي، اسمه عيسى العبد، أشرف على تدريب عدد من شباب المدينة.

 

"كانت لعبة الملاكمة من أكثر الرياضات شعبية في ليبيا"، يقول بوشكيوه، ويضيف: "كان جمهورها ينافس جمهور كرة القدم، وكان اتحاد الكرة يطلب من اتحاد الملاكمة تأجيل موعد المنافسات بعد انتهاء مباريات كرة القدم، لضمان حضور جماهيري أكبر، حتى إن التلفزيون الليبي لم يكن ليفوّت مباراة للملاكم الأسطوري محمد علي كلاي، الذي زار ليبيا عام 1974، وخاض عدداً من المباريات الاستعراضية مع ملاكمين ليبيين، مما أسهم في الترويج لهذه الرياضة.

لوس أنغلوس في قبضة ليبية

محمد بوشكيوه صاحب برونزية بطولة محمد جناح في باكستان، التي أسقط فيها بطل اليابان لخمس سنوات بالضربة الفنية القاضية، عاد معنا بذاكرته ليسرد لـ"عربي بوست" تاريخَ بلاده المشرف في تلك السنوات، حين شهدت ليبيا في سبعينات القرن الماضي الانطلاقة الحقيقية للُّعبة، توجتها نتائج مبهرة على المستويين القاري والعالمي.

من بينها فوزه ببطولة إفريقيا، بينما ظفر زميله الملاكم عبدالقادر العامري ببطولة العالم العسكرية في لاغوس، وخطف الملاكم فتح الله مصطفى اللقب في بطولة المغرب العربي، في فترة ذهبية شهدت أول ملاكم محترف في الولايات المتحدة الأميركية؛ يوسف كويدير، الذي احترف الملاكمة في لوس أنغلوس، وتصدَّرت صورته الصفحات الأولى من صحيفة (Evening outlook)، التي عنونت بتاريخ الخامس من فبراير/شباط سنة 1972، صفحتها الأولى "لمسات ليبية من وسط بطولة القفاز الذهبي"، وتبعتها بعبارة "لا تعبثوا مع يوسف".

أعوام من القمع 

بداية واعدة لم يُتوقع لها أن تنتهي من أولى جولاتها بضربة قاضية، وجّهها الرئيس السابق معمر القذافي إلى نجوم اللعبة ومحبيها، حين أصدر القرار النهائي بإيقاف اللعبة، التي وُصفت بالهمجية والعنيفة، على عكس ما يرى بوشكيوه، الذي أصرَّ أن "الملاكمة رياضة تهذب النفس كباقي الرياضات، ولا تكون عنيفة إلا إذا صنّفنا بشكل خاطئ جدول المباريات، لا بد أن تُراعَى فوارق العمر والوزن وسنوات الخبرة، هذه ضوابط تحمي الرياضيين، وتضمن متعةً أكبر للجمهور".

 وأضاف: "كيف يمكن للقذافي أن يتحدث عن العنف، وهو مَن أمر بإعدام الملاكم منير مناع خلال فترة الإعدامات السياسية في السبعينات، وسجن الملاكم  مصطفى الفار عدة سنوات، بتهمة سياسية ملفقة، وكذا إعدام سجناء أبو سليم، وغيرها من جرائم النظام التي لا تعد ولا تحصى".

رياح التغيير

انتفاضة 17 فبراير/شباط 2011، بثّت الحياة في اللعبة المنسية، وفي وجدان محبيها أمثال بوشكيوه وزملائه الذين بادروا إلى عودتها مجدداً بجهودهم الشخصية، حتى حصلوا على تصريح من الحكومة الانتقالية آنذاك، ليباشروا إعادة الأندية والصالات في كل أنحاء البلاد.

ويروي بوشكيوه لـ"عربي بوست": "حينها شكَّلنا اتحاداً للعبة واتحادات فرعية بعد اجتماع في طرابلس ترأسه الملاكم الدولي السابق جبران الزغداني، وأعضاء من معظم المناطق، واعتمدنا اللجنة الأولمبية، وكان الدعم سخياً جداً في البداية".

جهود توجتها مشاركة فريق من الشباب حصد ميداليتين برونزيتين في بطولة بيروت العسكرية عام  2013، لتعود القفازات الليبية إلى الواجهة، وتعود ليبيا إلى أحضان الاتحاد الدولي للملاكمة، في يوليو/تموز من العام 2016.

 عودة يحاول الاتحاد الليبي للعبة استثمارها، بعد أن أكد أمينه العام حسين الفروج في وقت سابق، أن عمومية اتحاد الملاكمة العربي وافقت على طلب تنظيم ليبيا البطولة العربية العاشرة في العام 2018، كون ليبيا عضواً فعَّالاً في الاتحاد العربي، ومشاركة في معظم البطولات، وآخرها البطولة التاسعة التي حصل فيها المنتخب الليبي على الترتيب الثالث، بـ9 ميداليات (1 ذهبية و2 فضية و6 برونزيات).

 معاودة النشاط أفرزت رياضيين مميزين، أبرزهم الملاكم الليبي الشاب عبدالمالك الزناد، المقيم في مالطا، التي هزم بطلها بالضربة القاضية، ليفوز بعدها على الملاكم المجري كارلي كابال، قبل أن يحرز حزام "wif"، بعد فوزه بالضربة القاضية على البطل البريطاني جيرمين أسارا، "صاحب القبضة الحديدية"، من الجولة الأولى في المباراة التي جمعتهما في كارديف، مدينة اللاعب البريطاني مالك زناد، الذي يعتبره بوشكيوه قصة نجاح بجهود ذاتية.

 العودة القوية لم يكتب لها الاستمرار مجدداً هذه المرة، ليس القذافي هو السبب، لكنها حرب حفتر في بنغازي التي أوقفت النشاط الرياضي برمته في شرقي البلاد.

يؤكد بوشكيوه "سارت الأمور على ما يرام حتى ظهر الإرهاب، وبدأت عملية الكرامة، وتأثرت المنطقة بالحرب، وقلَّ التواصل والسفر، كنا نسافر بشباب صغار على مسؤوليتنا الشخصية، وهذا لم يعد ممكناً بعد الحرب وانتشار الفوضى والإرهاب، مما أثر على إقامة البطولات والمشاركات بين مناطق البلاد، فحدث شبه انقطاع لأكثر من عامين، أثر على مستوى هذه اللعبة بشكل كبير".

سباق ضد الزمن

من جهته يقول أستاذ التربية البدنية بجامعة عمر المختار، محمد رجب، لـ"عربي بوست" عن رياضة الملاكمة التي انتشرت بقوة مطلع الستينيات في ليبيا "نحن نسابق الزمن من أجل تألق أبطال اللعبة من جديد، والارتقاء بها على المستوى الفني والتدريبي والإداري، لذا لا بد من وضع مسار أوليمبي وخطط تقييمية وتقويمية، لرفع مستوى الملاكمين والمدربين والحكام، من أجل عودة ليبيا إلى مكانتها الطبيعية عربياً وإفريقياً".

لكن في الوقت ذاته لا يُخفي الأستاذ الجامعي صعوبة الأمر، وما يحتاجه من تكاتف للجهود بين اللجنة الأولمبية الليبية والاتحادات الفرعية والجمعيات العمومية للعبة الملاكمة، والتركيز على النشء من الشباب الذين تستقطبهم الهواية لهذه اللعبة، مطالباً بمزيد الدعم للأندية الرياضية، وتنظيم الدوارات التدريبية للأطقم الفنية، وإقامة المعسكرات التدريبية في الداخل والخارج.

ويرى الخبير الأكاديمي ضرورة ربط جميع الأندية المنتسبة لاتحاد الملاكمة في ليبيا بشبكة عضوية إلكترونية، توفر قاعدة بيانات دقيقة للأعضاء، من أجل  تنظيم بطولات سنوية ضمن خطط وبرامج اتحاد اللعبة واللجان الفنية الداعمة له، مشدداً على ضرورة دعم المدرب المحلي، ومنحه الفرصة الكاملة لضمان استمرار اللعبة على المستوى الوطني.

النهاية الحقيقية

بدا أن اليأس قد تسرَّب إلى قلب الرياضي الشغوف، حين قدَّم استقالته قبل أيام من رئاسة اتحاد الملاكمة على مستوى منطقته الجبل الأخضر، وهو يقول بمرارة وبصوت متهدّج "الملاكمة انتهت  كلياً، بل والرياضة بصفة عامة في عز أيامها، على يد القذافي ونظامه وأبنائه"، مستذكراً بحسرة سنوات من شبابه قضاها على حلبات الملاكمة، وتسع سنوات أخرى حكماً في رياضة كرة القدم، ظنَّ حينها أن الشارة الدولية في التحكيم التي حازها مبكراً ستعوضه شيئاً من خسارته السابقة، حتى اللحظة التي تعرض فيها لاعتداء جسدي سافر على يد نجل القذافي الساعدي، عقب تحكيمه لمباراة في الدوري الليبي لكرة القدم، قرَّر بعدها الاعتزال نهائياً.

 لكنه، ومع هذا، يرى أن ليبيا وشمال إفريقيا يمتلئان بالمواهب، وما سمَّاها "المادة الخام" في إمكانات هذه اللعبة، وأن ليبيا قادرة على الريادة ما إذا توفرت لها مدارس تهتم بالموهوبين وتُدرِّبهم، واختتم بأن قرار اعتزاله فرصة للجيل الشاب من المختصين والأكاديميين، بأن يفتحوا آفاقاً جديدة للعبة، التي لن ينقطع عن متابعتها خبيراً ومستشاراً متى طُلب منه ذلك.

 

علامات:
تحميل المزيد