رغم أنها اللعبة الأكثر شعبية في العالم، لكن كرة القدم لا تزال تعج بتاريخ مدهش، وكثيرٌ من أحداث هذا التاريخ غير مُوثَّق أو غير معروف.
الجزء الأبرز من هذا التاريخ هو ما يتعلق على وجه الخصوص، بتاريخ كرة القدم النسائية، الذي يُزَاح جانباً عند مقارنته بتاريخ كرة القدم للرجال. وهناك جهودٌ يبذلها مُؤرِّخون ومُحبِّون لكرة القدم لتثقيف الجمهور حول المساهمات المُذهِلة للنساء في هذه الرياضة، بحسب ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.
في اليوم العالمي للمرأة، كانت شيرين أحمد حاضرة في المتحف الوطني لكرة القدم في مدينة مانشستر حاضرة في مؤتمرٍ لكرة القدم النسائية للتحدُّث إلى عدد من الأكاديميين والباحثين عن كرة القدم والحجاب.
وعلى الرغم من أن هناك الكثير للاحتفال به، إلا أنه لا يزال هناك ماضٍ بائس، "علينا نحن اللاعبين والمُؤيِّدين والكُتَّاب أن نفهمه من أجل أن نقيم العدل في هذه الرياضة الجميلة"، كما تقول شيرين. هناك قصصٌ من الصعب أن يحكيها هؤلاء، لكنها يجب أن تُحكَى.
عندما أصرَّ الفيفا على حظر الحجاب في كندا
أسمهان منصور، هذا هو الاسم الذي ظلَّ حاضراً في ذهن شيرين لأكثر من 10 سنوات. أسمهان هي تلك الفتاة الكندية التي كانت في وسط المعمعة مِمَّا صار حُكماً إقصائياً من قِبَلِ الاتحاد الدولي لكرة القدم، فيفا، لحظر الحجاب من الملاعب.
عام 2007، حاولت اللاعبة الشابة من مدينة أونتاريو ارتداء غطاء رأسٍ في إحدى البطولات، لكن لم يَسمح لها الحكم باللعب. قيل لها إن بإمكانها خلعه لتلعب المباراة، إذ لن يُسمَح لها بارتداء الحجاب في الملعب. ورداً على ذلك، انسَحَبَ فريقها من البطولة في مدينة لافال بمقاطعة كيبيك.
انتقلت قضية أسمهان إلى الاتحاد الكندي لكرة القدم، ثم إلى الاتحاد الدولي، الذي قرَّرَ التمسُّك بالحظر، وإنشاء سياسة مُحدَّدة تستثني أغطية الرأس التي تكشف الرقبة. ورغم حقيقة أنه لم تكن هناك بياناتٌ أو أدلةٌ تجريبية على أن الحجاب قد يخنق لاعبةً أو يجرح منافستها، فقد اعتبرته لائحة الفيفا خطراً. كان هذا هو الأساس الذي طَرَدَ الحكم أسمهان بموجبه.
النتيجة النهائية هي أن أسمهان لم تلعب المباراة، وكذلك الحال بالنسبة للآلاف من الفتيات والنساء لما يقرب من 7 سنوات بعد ذلك.
في البداية، استشهَدَ الفيفا بـ"الرموز الدينية"، كسببٍ لعدم السماح بأغطية الرأس. لكن إنفاذ ذلك كان صعباً للغاية، بالوضع في الاعتبار العدد الهائل من الوشوم، والإشارة بالصليب على صدور اللاعبين الذكور احتفالاً بالأهداف، إذ كان من المُفتَرَض مراقبة كل ذلك وتطبيق الأمر عليه. لذا، تمسَّكَ الفيفا بـ"الصحة والسلامة" كدرعٍ ضعيفٍ لسياسته.
المنع رغم الالتزام بالمعايير
في مباراة مؤهلة للأولمبياد في عام 2011 ضد الأردن، مُنِع منتخب السيدات الإيراني من اللعب لأنهن يرتدين الحجاب. وكن يرتدين الحجاب الذي يتفق مع معايير الفيفا.
تركت لاعبات الفريق الملعب وهن يشعرن بالحزن والإحباط، إذ أضحت أحلامهن بلعب كرة القدم في الأولمبياد في حالة يرثى لها. وانتشرت صور اللاعبات في وسائل الإعلام.
ولم تكن تلك واقعة لنساء مسلمات يتعرضن للاضطهاد بسبب عقيدتهن، بل إنها قضية مقلقة لنساء يجري إقصاؤهن بسبب قواعد صارمة، متأصلة في "إسلاموفوبيا" قائمة على أساس الجنس وتجاهل ابتدعهما الرجال، على حد تعبير شيرين.
حتى أسمهان اليافعة شعرت بأسى الإقصاء عندما قالت لشبكة CBC News الكندية: "كنت أعتقد أنَّ الأمر محبط، لأنني أعتقدت حقاً أنني قد أُحدث فرقاً لكنني لم أفعل".
الأحلام لم تتوقف
لكن أحلام احتراف كرة القدم لم تنته بعد. فقد أتى الداعمون بما في ذلك مويا دود، من اتحاد كرة القدم الآسيوي، وهي لاعبة وناشطة، وكذلك أمير الأردن علي بن الحسين، الذي كان آنذاك نائب رئيس الفيفا ورئيس اتحاد كرة القدم الأردني، وقادوا حملات ودخلوا في شراكات مع حملة Right 2 Wear، والأمم المتحدة وفيفبرو (النقابة الدولية للاعبي كرة القدم المحترفين) للضغط على اتحاد الفيفا للموافقة على الحجاب.
حصلت النساء على المساعدة بتصميماتٍ وحلولٍ عملية للمشكلات التي تسبَّب بها الرجال؛ تلك المشكلات التي أبعدت آلاف الأشخاص عن الرياضة التي يحبونها.
صمَّمَت شركات مثل Capsters وResportOn الحجاب لترتديه اللاعباب في مختلف الرياضات، وفق توصيات للسلامة من مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم، وهو الهيئة المسؤولة عن وضع قواعد اللعبة.
مع تواصل البحث والعمل، هُمِّشَت النساء المحجبات بالفعل، إذ لم يُشجَّعن على الانضمام إلى الفرق الإقليمية والمحلية، لأن وضعهن كان مجهولاً. هل سيكون عليهن الاختيار بين العقيدة وكرة القدم؟ لماذا سيكنَّ مجبرات على مثل هذا التخيير في المقام الأول؟
الانتصار جاء لكن بعد خسائر
في الأول من مارس/آذار عام 2014، بعد مناقشات كثيرة، وعمليات اختبار وتوضيح، أعلن جيروم فالكه، الأمين العام لاتحاد الفيفا آنذاك، أنَّ أغطية الرأس التي هي جزء من عقيدة دينية (الحجاب للنساء المسلمات، والتربون للرجال السيخ، والكيباه للرجال اليهود) قد يسمح بها على أرض الملعب، على أنَّ تتماشى أغطية الرأس تلك مع اللوائح الطبية لمجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم.
تنفَّسَت لاعبات كرة القدم المسلمات في كل أنحاء العالم، والاتحادات المعنية، الصعداء بسبب ذلك الإعلان، لكن فقط بعد فقدان عدد لا يحصى من اللاعبات الناشئات.
في أكتوبر/تشرين الأول، بعد أقل من عامين من إلغاء حظر الحجاب، نُظِّمَت كأس العالم للسيدات دون 17 عاماً في عمان بالأردن. كانت تلك المرة الأولى التي يُسمح فيها بالحجاب، والأهم أنَّه جرى الترحيب به كذلك في هذه المسابقة الكبيرة للفيفا. كما كانت أول بطولة للفيفا تستضيفها منطقة الشرق الأوسط.
كانت لحظات مهمة -رغم تجاهلها على نحوٍ كبير- في كرة القدم، إذ أتى هذا النصر بعد دماءٍ وعرقٍ وكدحٍ من المناصرين واللاعبات الذين رفضوا الاستسلام وآمنوا بقوةٍ عقيدتهم وحقهم في لعب كرة القدم. أروي حكايات عن نساء تعرضن لممارسات عنصرية، وربما أُجبرن على الابتعاد عن كرة القدم، ولكنهن ثابرن بمساعدة حلفاء وحماة الرياضة.
كرة القدم لنا جميعاً، لكن أحياناً يتحتَّم على النساء إثبات ذلك.