عند الحديث عن أشهر لاعبي كرة القدم في العالم خلال حقبة ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، فإن من أبرزهم ومن أكثرهم شهرة، البرازيلي كارلوس هنريكي رابوزو، المقلب بـ "كايزر"، والتي تعني القيصر.
لكنَّ فيلماً وثائقياً جديداً يتناول قصة اللاعب، ويكشف خداعه للعالم وحجم الكذب الذي مارسه كي يصبح "أسطورة في عالم كرة القدم البرازيلية"، على "الرغم من أنه لم يمارس اللعبة قط!"، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، السبت 21 أبريل/نيسان 2018.
وأشارت الصحيفة في مقال لناقدها السينمائي، بيتر برادشو، إلى أن الفيلم الوثائقي عن "القيصر" للمخرج البريطاني، لويس مايلز، يكشف "حجم وقاحة اللاعب التي كانت مخفية عن مرأى الجميع".
وقال مايلز عن "قيصر": "تخبرك مسيرته الصاخبة بالكثير عن طبيعة البشر، واستعداد الناس للتعرض للخداع، وعن إعلامٍ أدى وظيفته في تشجيعه ببساطة، وعن طبيعة الشهرة التي تتحقّق على حساب الآخرين".
وشبه مايلز قصة "قيصر" بفيلم The Talented Mr Ripley، أو الفيلم الكلاسيكي The Imposter للمخرج البريطاني بارت ليتون، الذي يتناول قصة شخص معتلٍّ اجتماعياً ومتطفل على الآخرين.
لم يلمس الكرة قط!
ودخل "قيصر" منتصف العقد الخامس من العمر، ويقول إنه لُقِّب بهذا الاسم نسبةً إلى نجم كرة القدم الألمانية السابق فرانز بيكنباور المُلقب بـ "القيصر"، لكنَّ يبدو أنَّه على الأرجح كان نسبةً إلى جعة تُسمى "كايزر".
ولمدة 20 عاماً تقريباً، في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كان "قيصر" لاعب كرة قدم في عددٍ من أندية ريو دي جانيرو، لكنَّه في الواقع لم يلعب أي مباراة قط، بل ولم يلمس الكرة من الأساس.
وطوال كل هذه السنوات، عاش كايزر حياة النجوم، إذ كان عاشقاً للحفلات ودائم الذهاب إلى الملاهي الليلية. وكان حسن المظهر وراقصاً رائعاً، وزير نساء، ويشتهر بارتداء ملابس السباحة الصغيرة.
فعل "قيصر" كل شيء كان من المفترض أن يفعله لاعبو كرة القدم، ما عدا لعب كرة القدم. وفي المرة الوحيدة التي اضطر فيها إلى النزول لأرض الملعب في إحدى المباريات، تظاهر كايزر بأنَّه سمع مشجعاً منافساً يُطلِق السباب لرئيس ناديه "بانغو" البرازيلي، قبل أن يقفز إلى المدرجات ويبدأ شجاراً مع جماهير المنافس ويُطرَد من المباراة بطبيعة الحال.
واستدعاه رئيس النادي كاستور دي أنغرادي وهو يغلي من الغيظ، وسأله عن سبب فعلته، فردَّ "قيصر": "قبل أن تقول حرفاً دعني أخبرك بشيءٍ واحد؛ لقد أخذ مني الرب أباً فيما سبق، ثم عاد ومنحني أباً آخر هو أنت، ضع نفسك مكاني، هل كنت لتقبل أن يُنعت أبوك بأنه لص؟ هذا ما فعله المشجعون، ولو عاد بي الزمن لكرَّرت فعلتي دون ندم".
وبينما كانت التوقعات تتجه إلى فصل "قيصر" من النادي، إلا أن العكس هو ما حصل، فقد مدَّد النادي له لستة أشهر إضافية!
وما أثار دهشة زملائه اللاعبين هو أنَّه كان يتدرب بقوة، رغم عدم اقترابه من الكرة، ثُمَّ يدعي الإصابة ويفسخ تعاقده مع الفريق، لينتقل من نادٍ إلى آخر، ويخبر مقدمي المقابلات التلفزيونية عن احترافه المزعوم في أندية خارج البرازيل.
كيف أفلت "قيصر" من هذا؟
يبدو أنَّ الأمر بدأ عندما حصل أسطورة كرة القدم البرازيلية الحقيقي كارلوس ألبرتو -قائد المنتخب البرازيلي الفائز بكأس العالم 1970- على فرصة كمدرب، وتعاقد بعد ذلك مع الشاب المتحمس "قيصر".
وجرى الاستغناء عن "قيصر" غير الكفء بعد وقت قصير، لكنَّه كان قد حصل على ما يُعد بمثابة شهادة إثبات منحته بالمثل فرصة أخرى في نادٍ آخر، وهكذا.
ومثل العديد من ضحايا الخداع، كان كل نادٍ يخجل من قول إنَّه تعرَّض للخداع، وكان الرأي العام ووسائل الإعلام أكثر تركيزاً على النجوم الحقيقيين. وهكذا واصل "قيصر" الانتهازي حيله دون أن يكشفه أحد.
وكان "قيصر" يتمتع بتشابه ملحوظ في الشكل مع لاعب حقيقي آخر هو ريناتو غاوتشو، واستمر -بطريقته المخادعة- في انتحال هويته، وهو ما هو سمح له أيضاً بالدخول إلى أفضل الملاهي الليلية.
وكان لقبه أيضاً نفس لقب لاعب حقيقي آخر يشبهه إذا ما نُظِر إليه من مسافة، وبالتالي كان قادراً على تصميم لقطات فيديو لأهدافه المزعومة، بينما يصرخ المعلق قائلاً "قيصر".
وفي تلك الأيام، قبل ظهور الإنترنت وجوجل، لم يكن التحقق من ادعاءاته سهلاً، لكنَّ المراسلين الصحفيين كانوا مفتونين بكل لاعبي كرة القدم على أي حال.
وأخيراً، كانت الحقيقة المروعة والمحزنة أنَّ امتيازات "قيصر" في الملاهي الليلية جعلته القواد غير الرسمي لكل نجم كرة قدم شهير في مدينة ريو دي جانيرو، إذ كان يعرض عليهم الفتيات، وكان من المناسب للجميع أن يتظاهروا بأنَّه كان لاعباً وجزءاً من المؤسسة.
وينتهي الفيلم الوثائقي بأمور مُحزِنة حدثت لـ"قيصر" مؤخراً، ويقول الناقد السينمائي مايلز: "وربما بدا الأمر أكثر قسوة قليلاً في ذلك الجزء من القصة، لكنَّها قصة مثيرة عن الاعتلال وخداع الذات".