“الألتراس” لن تُحَل بالمغرب

سنظل ثابتين على مبادئنا متشبثين بمطالبنا، عودتنا للملعب لن تكون سوى بالطريقة التي عهدناها والتي تعرفونها جميعاً، فنحن جمهور.. بدوننا لن تقوم قائمة للكرة في هذه البلاد، وبدوننا ستعيش الفرق الأزمات، وبدوننا ستنخفض أجور اللاعبين وقيمتهم من جديد، وبدوننا سينسحب المشهورون والمحتضنون والراعون الرسميون، وبدوننا ستنخفض حقوق البث.. نعم شئتم أم أبيتم نحن كل شيء.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/31 الساعة 05:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/31 الساعة 05:42 بتوقيت غرينتش

ما هي إلا أيام قليلة عن إصدار قرار منع أنشطة الألتراس في كل ربوع المملكة، الفيلم الذي تم طبخ السيناريو الخاص به في أفخم قاعات المؤتمرات بالبلاد، وبدأت تظهر بوادره بممارسات غريبة وأفعال مشينة طالت ملاعبنا الرياضية التي تهدد مصداقية هذه البطولة.

قمعوا الفكر الحر للألتراس الذي لطالما علق كشَوكةٍ في أفواه الرؤوس الفاسدة بتشكيل التنظيمات الرياضية في البلاد، وندد باقتلاع الأجسام الدخيلة عن كرة القدم، وما تؤطرها من مبادئ للروح الرياضية والمنافسة الشريفة، فرسموا لنا لوحات خبيثة في عز تطور التكنولوجيا وتقنيات النقل التلفزيوني.

ارتباط فرد الألتراس بفريقه ومجموعته كارتباط طفل بأمه ارتباط حب ووفاء وتعلق فكيف يراد قطعه ووأده؟

بعد تفكير عميق وواعٍ ومحلل تحليلاً موضوعياً ومنطقياً وجذرياً لفهم وتوضيح ما يجري في خبايا وكواليس تسيير الرياضة ببلادنا، وخصوصاً الرياضة الشعبية في العالم، وما نجم عن سوء تسيير وخبث انتهازي يتمثل في عدم احترام الجمهور المغربي عامة، والألتراس، باعتبارنا جزءاً منه، انطلاقاً من عدم توفير أبسط الضروريات داخل الملاعب من تنظيم الدخول إلى انعدام المرافق، دون نسيان المعاملة التي نتلقاها عند كل دخول أو خروج من الملعب دون تفريق بين الانتماء أو السن أو الجنس.. إلخ، وصولاً إلى اعتبار الجمهور مصدر دخل أسبوعياً فقط دون أدنى اكتراث لحاجياته وأهميته داخل المنظومة الكروية.

– رغبة المسؤولين عن الشأن الرياضي، خصوصاً بعد علمهم المسبق بدور الألتراس في تطهير نواديهم من المفسدين والسماسرة، في حصر دور الجمهور في التصفيق وقرع الطبول دون تدخلهم في شؤون تسيير فريقهم وإصلاحه.

– ما لا يخفى على الجميع هو مستوى كرة القدم الرديء فيما أن نقطة الضوء الوحيدة هي إبداعات الألتراس التي سوَّقت المنتوج الكروي الضعيف حتى أصبحت أقوى القنوات تتهافت لنيل حقوق بث البطولة، وجزاء منهم وعوض الدعم اللوجستي للمجموعات بتسهيل القيام بأعمالها، شددت السلطات الخناق على المجموعات ومنعتها من إدخال أبسط لوازمها.

– تسخير الجامعة والأمن بعض القنوات والإذاعات والجرائد لخدمة حربها ضد المجموعات، فاغتالوا شرف المهنة التي ساهمت في تقوية بلدان أخرى، عكس بلدنا الذي يسهم في نصر الظالم ويغلق أبوابه في وجه ردة فعل المظلوم.

– قرار حل الألتراس الذي أطلقه أناس لا علم لهم بما يجري بالملاعب بدعوى الشغب، فحل مشكل الشغب لا يقتصر على البعد الرياضي فقط، بل يأخذ أبعاداً اجتماعية، ثقافية، وسوسيو اقتصادية، وهنا نتحدث عن التنشئة الاجتماعية التي تستوجب نظرة شمولية ومعمقة لإيجاد حلول ناجعة لهذه الظاهرة.

– تغاضي الجهات المسؤولة عن تصريحات رؤساء ومدربي الفرق الذين يتهمون الجامعة الوصية بالفساد والانحياز لمصلحة بعض الفرق، دون أن ننسى التذكير أن رؤساء الفرق هم أعضاء في الجامعة، مما يفتح الباب أمام بعض رموز الفساد للتلاعب بمصداقية المنتوج الكروي وثقة الجماهير فيه.

هم لا يعلمون أن فرد الألتراس تبدأ معاناته منذ خروجه من البيت للذهاب لتشجيع فريقه بدءاً بتدبير ثمن التذكرة أو البطاقة السنوية في ظل ظروف اقتصادية قاسية، ومن ثم رحلة العذاب بوسيلة تنقل غير متاحة أو غير إنسانية، ثم طوابير الانتظار المملة فاستقبال قمعي، إلى الولوج لملاعب لا تحمل سوى الاسم ببنيات تحتية متهالكة وانعدام تام لأبسط المرافق الضامنة لظروف عيش أو في الغالب البقاء على قيد الحياة.

صيفاً وشتاء يقف الشاب مقاوماً يشجع معشوقته، يفتق طاقاته الإبداعية منصهراً في جماعة تمثل العائلة والانتماء، يعمل طيلة أيام وليالٍ بشغف لإيصال رسالته وصوته ورؤيته لعديد من الأمور ينجح تارة وتسلب منه في غالب الأحيان.

يقف ويعيد الوقوف مؤمناً بعدالة قضيته لا يكل ولا يمل، يحاول إخفاء المعاناة وينتهي اللقاء ليكمل مسيرة القهر، يرى الاحتقار ويعلم اختلاف طرق التعامل كونه فقط اختار أن يكون بالفيراج.

من رحم المعاناة يخرج الرجال، قاوموا حروب الأحياء وحاربوا السرقة في الفيراج، يحاولون خلق إبداع من لا شيء أعادوا الحياة لمدرجات عانت لزمن من عزوف، بل أصبحت منازل عناكب، تفوقوا حين فشلت المناظرات واقتراحات المكاتب المكيفة الفاشلة.

يقف فرد الألتراس ويرى كونه فيراجيست فهو أهل للتهميش وللدونية في التعامل تبتكر قوانين زجرية ظالمة ضده، يعتقل بعشوائية ويتم تجريمه بدون قرائن أو دلائل ليزج به وراء القضبان مع المجرمين، فقط وفي حالات عدة يدفع ثمن وجوده المتردد على المكان.

لا عاقل ينكر انزلاقاته في أخطاء نتيجة فتوته، لكنه ما فتئ يصلح، ويتعلم، ويستفيد من الدروس فليس بإمكانه أن يصلح كل ما عجز عن تقويمه المجتمع كاملاً من أسرة ومدرسة وشارع ومؤسسات ونزعات فردية غير سوية بل يحاول قدر المستطاع تقويم اعوجاجها والأمثلة كثيرة وكثيرة جداً.

في ظل هذا المناخ لا ترى المكاتب في المجموعات سوى الدخل الأسبوعي ويرى فيها الآخرون ديكوراً يؤثث المشهد ويزينه ولا يهم مصيرهم بعد ذلك.

المجموعات حرية مفقودة بالخارج، مجال لتفريغ طاقات الإبداع يعجز المجتمع المدني عن منحها الفضاء والوسائل، تعبير عن حب جارف، وقوف في وجه الفشل التسييري والتدبيري، تعبير عن مواقف تجاه ما يحيط بها في ظل عالم متسارع وحابل بالأحداث.

روح الألتراس وفكره لن يموت ما أن يزرع يستحيل اجتثاثه أو إخماده، ولقد أبان هذا الفكر على قدرته الهائلة على التطور، لكن بالمقابل يرفض تطبيق قوانين غير تشاركية بطريقة سطحية وتجريمية بدل العقوبات البديلة حيث ثبوت الخطأ والتجاوز بالقرينة والدليل.

يرفض المنع الذي طال وسائل تعبيره من تيفوات وميساجات بل حتى المنتوجات.
يرفض النظرة الدونية والقمعية التسلطية التي تطال الجميع، وفيه الطالب النجيب والعامل المجد والدكتور والمهندس ورب الأسرة والعاطل والباحث عن شغل. نحن لا نخفي حقيقة أن هناك بيننا بعض الأفراد الذين يحتاجون إلى إعادة هيكلة تصرفاتهم وسلوكياتهم وأخلاقهم، ونعمل على ذلك، لكن اليد الواحدة مستحيل أن تصفق، ولو كنا نستطيع ذلك، فما حاجتنا إلى المدارس؟ وما حاجتنا إلى دور الشباب؟ بل وما حاجتنا إلى الآباء والأمهات؟

كيف يعقل أن شاباً لم تستطِع أن تربيه أسرته الصغيرة، ولم تؤطره مدرسته المربية والمعلمة، وصار ضحية لمجتمع مليء بكل الأشياء المذهبة للعقل والصحة، أن تتقلد الألتراس مسؤولية إصلاحه وتقويم اعوجاجه؟! هذا تهرّب من المسؤولية سيّدي المسؤول.

كيف يعقل أن تسيطر مجموعة على كل الجماهير الحاضرة بالملعب، بل كيف بإمكانها أن تعلم بأن كل من بالملعب هو من جمهور نفس الفريق!!

كيف بإمكان أي مجموعة أن تصلح بال بعض من رجال الأمن الذين يحرسون سور الملعب وأن تفهمهم بأن: ترك الناس تقفز مقابل 5 أو 10 دراهم أو بضع سجائر هو خيانة للأمانة وخيانة للوطن!

كيف أمكنكم أن تستغلوا أبواقكم وتروجوا بعد كل هذا أن الألتراس هي الوحيدة المسؤولة عن كل ما يقع داخل الملاعب من شغب وتطاحنات وتزاحمات.. إذا لم تستحيوا فاصنعوا ما شئتم.

وعليه فإننا سنظل ثابتين على مبادئنا متشبثين بمطالبنا، عودتنا للملعب لن تكون سوى بالطريقة التي عهدناها والتي تعرفونها جميعاً، فنحن جمهور.. بدوننا لن تقوم قائمة للكرة في هذه البلاد، وبدوننا ستعيش الفرق الأزمات، وبدوننا ستنخفض أجور اللاعبين وقيمتهم من جديد، وبدوننا سينسحب المشهورون والمحتضنون والراعون الرسميون، وبدوننا ستنخفض حقوق البث.. نعم شئتم أم أبيتم نحن كل شيء.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد