"أنا ما كتبتش حاجة ومش ساكت ومش مستخبي أبداً.. أنا رصيدي كأهلي يسمح لي أحط على أي حد وأنا مهزوم".
الكلمات السابقة ليست كلمات رئيس النادي الأهلي، ولا أحد أعضاء مجلس الأهلي، ولا لاعب في الفريق، ولا عضو عامل في النادي، الكلمات السابقة دي كلمات مشجع للنادي الأهلي قرأتها على الفيسبوك، بعد هزيمة الأهلي في نهائي الكأس، وغيرها الكثير من الكلمات مع بعض الشتائم الإباحية في منافسة لا دخل لهم فيها سوى أن لديهم وقت فراغ شاهدوا فيه المباراة، فتحولت لعراك لفظي بينهم، وكما قال السادات: (الشعب المصري بيفطر فول ويتغدى كرة ويتعشى أم كلثوم).
تلك الكلمات جعلتني أكتب ذلك المقال, فليكن لديك صبر على قراءة باقي المقال.
اللاعب الإنجليزي بيل شانكلي يقول:
– البعض يعتقد أن كرة القدم هي مسألة حياة أو موت، وأنا مستاء جداً من هذا التفكير؛ لأنني أستطيع أن أؤكد أن اللعبة أكثر أهمية بكثير من الحياة.
في عام 1963 عندما أقيمت مباراة في بطولة كأس مصر بين الزمالك والقناة، وأدار هذا اللقاء تحكيمياً العميد علي قنديل, واندلعت أحداث شغب في المدرجات بعدما أدرك أن فريقه على وشك الهزيمة؛ حيث بدأوا في إلقاء الحجارة على أرض الملعب، وبالمثل وقعت أحداث شغب في الملعب لدرجة أن محمد رفاعي، نجم الزمالك، اشتبك مع علي قنديل، حكم اللقاء، ونشرت الصحف في اليوم التالي صوراً لأحداث الشغب، ومنها صورة تُظهر رفاعي "الزمالك" وهو يصفع حكم المباراة.
الأزمة لم تكن في صفع لاعب لحكم في مباراة للكرة، إنما كانت أكبر من ذلك، والسبب أن لاعب الزمالك كان مجنداً في الجيش، وحكم اللقاء هو عميد في القوات المسلحة، وهو ما أغضب بعض رجال الجيش.
الواقعة مرت مرور الكرام من داخل أروقة اتحاد الكرة، بالطبع خوفاً من بطش المشير باستثناء شخص واحد استفزه تطاول مجند على عميد، وهو اللواء عبد الله رفعت، الحكم الدولي، الذي طلب معاقبة هذا اللاعب بشدة على فعلته المشينة.
فوجئ في اليوم التالي باستدعاء من المشير، وصدم بوصلة من التوبيخ والتعنيف أثناء اللقاء، انتهت بإصدار قرار بمنعه من دخول مباريات كرة القدم طوال حياته، والطرد من الجبلاية بسبب تجرئه على نادي المشير المفضل الذي كان يترأسه شقيقه حسن عامر وقتها.
الهوس بالكرة آخره دمار وأكبر دليل على ذلك:
الحرب التي وقعت بين دولتي السلفادور وهندوراس والتي سميت "حرب كرة القدم"، عانت العلاقات بين الدولتين توتراً واضطرابات كبيرة قبل المباراة، فتعود الحكاية إلى السلفادور؛ حيث سيطرت مجموعة من الإقطاعيين على معظم الأراضي الصالحة للزراعة، في منطقة مكتظة بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة زمن الحرب في 1969، على مساحة 12 ألفاً و600 كيلومتر مربع، ما سبب هجرة أكثر من 300 ألف من فلاحي السلفادور الفقراء إلى جارتها هندوراس، الفقيرة مثلها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة في البلاد التي كان سكانها مليونين و233 ألف نسمة، لكن مساحتها تزيد على 70 ألف كيلومتر مربع.
وفي تصفيات بطولة كأس العالم بكرة القدم لعام 1970، دخلت هندوراس والسلفادور في مواجهة حاسمة لتحديد الفريق الذي سوف يتأهل إلى المباراة النهائية التي تقررت إقامتها على ملعب في المكسيك وفازت السلفادور 3/2 في الوقت الإضافي، فصعدت إلى الدور النهائي للتصفيات.
نزل الآلاف من أهالي هندوراس إلى الشارع غاضبين، وراحوا يعتدون على الفقراء السلفادوريين المقيمين عندهم، وتطورت الأمور إلى مهاجمة أحياء يقيم فيها السلفادوريون، ممن اضطر معظمهم للفرار إلى بلادهم تاركين ممتلكاتهم وبيوتهم، واندلعت الحرب.
وبدأ القتال فجأة براً وجواً في 14 يوليو/تموز 1969، وانتشرت القوات البرية للجيشين على طول الحدود، وبدأ القصف المدفعي عشوائياً من الطرفين على القرى والبلدات في البلدين، وانتهكت طائرات هندوراس أجواء السلفادور مرات ومرات، فردت السلفادور بهجوم بري واسع النطاق وتوغلت قواتها لمسافة زادت على 60 كيلومتراً داخل الأراضي الهندورسية، لذلك ردت هندوراس بغضب، وقصفت مدينتي سان سلفادور وأكابوتل بالقنابل.
استمرت الحرب 100 ساعة وانتهت بقتل أكثر من 4000 إنسان، معظمهم مدنيون، ومعهم 10 آلاف مشوّه و120 ألف مشرد.
كرة القدم في رأيي تشبه كثيراً لعبة الدومينو ويبقي الاختلاف المحوري في الزهر الذي هو عبارة عن مكعب الشكل مسجل على أرقام من 1 إلى 6، أما في كرة القدم فهو كروي الشكل فيه مركز للفهم يسمى المخ، مثبت يحيط الجمجمة، مثبت على جسم إنسان.
أستطيع أن أقول تلك الكلمات السابقة وأنا مطمئن، فالماهر في الدومينو يتلاعب بالزهر ويجعل الرقم الظاهر يكون كما يريده ويتوقعه، والماهر في كرة القدم يضع في مركز الفهم ما يريده؛ ليتحرك الإنسان وراءه كما يريد هو، فيجني من ورائه مبالغ طائلة، وكلما زاد عدد الجماجم زاد المكسب وهكذا.
بسبب تلك الكرة التي يتلاعب بها المهرة وتتلاعب بنا عن طريق مهرة الغش والرقة والنصب باسم الهوس الكروي، الهوس الكروي الذي جعل الشباب يتألفون في روابط تشجيعية ويتركون وراءهم كل شيء، بل ويضحون بكل شيء من أجل تشجيع فريق.
بل وتجد الشاب منهم ممتلئ الجسم الذي يمنعه وزنه الثقيل من حرية الحركة، وبالتالي حرية التنفس، يتحدث الواحد منهم عن مرونة اللاعب الفلاني في المراوغة بالكرة.
وتجد هؤلاء الرجال المولعون بحب الرياضة يجلس الواحد منهم على القهاوي في صفوف متراصة منضبطة كأنهم في حلقة درس أو صلاة جماعية لا صوت يعلو فوق صوت المعلق على المباراة، ولا يجرؤ أحد على أن يتكلم أثناء المباراة، وتجد هؤلاء الرجال المهتمين بالرياضة أمامهم ما لذ وطاب من المدخنات للشيشة والسجائر في مشهد هزلي، رياضة مع مضرات بالصحة.
وتجد هؤلاء الشباب المفعمين بحب الرياضة يخرجون بعد المباراة ليتبادلوا الشتائم مستخدمين تلميحات إباحية وذكر لأعضاء جنسية لأقرب أقربائهم كالأم والأب.
أعتقد أن تلك المشاهد ليست حباً في الرياضة من أي نوع، فلا أصحاب الوزن الثقيل، ولا المدخنون والمشيشون ولا أصحاب الألفاظ النابية يمتون للرياضة بصلة.
فهذا الشاب الذي لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، حتى ثمن كوب الشاي يأخذه من أبيه، ما الذي يجعله يجلس طوال الليل والنهار؛ ليتتبع أخبار اللاعب الفلاني الذي يكسب الملايين؟، ما الذي يجعله يدعوه أن يبذل قصارى جهده في المعلب وهو في عمله لا يجتهد، إن لم يكن عاطلاً من الأساس؟!
في حين أن اللاعب الذي يشجعه يهتم بنفسه وفقط يلعب ويجتهد ويكسب ويقضي إجازته ولا يهتم إلا بنفسه، فلا هو يتابع أخبار المشجع الفلاني الذي عليه صباحاً امتحان في الكلية، ولا هو يفرح عند سقوط المشجع الفلاني في الامتحانات، ولا هو يفرح بنجاح أحد، لأنه يفعل ما هو صحيح باهتمامه بنفسه وتقوية نفسه وفقط.
ما الذي يجعل دكاترة ومهندسين ينجرون إلى هذا العقم التفكيري؟!
ولكن ما الغاية من تلك الكلمات السابقة؟! الغاية هي أن المتعصب ليس جانياً بل هو ضحية.
كيف؟!
سيكولوجية المتعصب للكرة أو غيرها: ستقابل في حياتك هذا النوع من الناس المهمين جداً في حياتك والمضرين جداً أيضاً في حياتك، هم (المتعصبون)، أولاً لا ضير أن تتعصب لشيء ولكن ما هو الشيء الذي تتعصب له؟
أتتعصب لأمور تافهة ليس لها قيمة؟!!
المتعصب الإيجابي: له صفات جيدة منها الاستمرار والتركيز في أمر ما، والدفاع عنه لآخر الطريق، أن تتفاعل مع الأمر بكل كيانك ولا تهدأ إلا بعد تحقيق هذا لأمر.
فهذا عُمر بن الخطاب في الجاهلية كان غليظاً شديداً لا يترك تعذيب العبيد، إلا ملالة من شدة التعب، وكان يفعل هذا معتقداً أنه على الحق، والحق لا بد أن يكون شديداً، فهو عرف أن لُب الحياة هو الإيمان، نعم الإيمان بالشيء، والانتماء له، والدفاع عنه.
وهذا عمر بن الخطاب يوم أن أسلم لم تتغير بوصلة عقله، ولكن تغيرت بوصلة قلبه، ومن هنا قال عمر بن الخطاب للرسول: ألسنا على الحق؟
قال الرسول: نعم. قال عمر: أليسوا على الباطل؟ قال: نعم. فقال عمر بن الخطاب: ففيم الاختفاء؟ قال رسول الله: فما ترى يا عمر؟
قال عمر: نخرج فنطوف بالكعبة. وخرج وطاف المسلمون لأول مرة بالكعبة يوم إسلام عمر.
أي عزة تلك التي تأتي من رحم العقل بالإيمان بالشيء، بالدفاع عنه بكل حمية وقوة!
ولكن المتعصب السلبي: لا يستمع لصوت عقله إذا تبين له أن الطريق السائر فيه خطأ، وهذا النوع مضر جداً.!
لا بأس أن يكون لديك إيمان قوي بشيء، بمبدأ, بقانون، بدين, ولكن لديك عقل يمكنه أن يساعدك هل طريقك هذا صحيح أم خطأ!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.