داخل عقل الجنرال

هكذا فكر السيسي حتى أوصل مصر إلى طريق مغلقة والخيارات المتاحة أمامه

عربي بوست
تم النشر: 2019/10/01 الساعة 14:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/03 الساعة 06:21 بتوقيت غرينتش
الرئيس عبدالفتاح السيسي

 

داخل عقل الجنرال | عربي بوست
هكذا فكر السيسي حتى أوصل مصر إلى طريق مسدودة، والخيارات المتاحة أمامه..
 لقراءة المادة بالتفصيل، أدخل على الرابط التالي..

دخول


كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ينتظر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بفارغ الصبر داخل غرفة مزخرفة ببذخ في "فندق القصر" Hôtel du Palais، خلال قمة مجموعة السبع التي عُقدت في شهر أغسطس/آب 2019 بمدينة بياتريس الفرنسية، عندما سُمِع وهو يقول: "أين الديكتاتور المفضل لديّ؟".

 

ترامب قال ذلك بصوت عالٍ بما يكفي لتسمعه المجموعة الصغيرة من المسؤولين الأمريكيين والمصريين في الغرفة الصغيرة.

 

المسؤولون الذين اعتقدوا أن الرئيس الأمريكي قال جملته مازحاً، سادهم صمت رهيب في القاعة الصغيرة، فقد كان السيسي يهمُّ بالدخول ولم يُعرف ما إذا كان سمع تلك العبارة التي قالها ترامب أم لا.

بعد الاجتماع، وقف الرجلان أمام كاميرات المصورين. كانت ابتسامة ترامب عريضة كعادته، بينما كان السيسي يجاهد لكتم سعادته المفرطة في الصورة التي نشرها ترامب نفسه عبر حسابه على تويتر.

وفدا الدولتين أيضاً كانا يقفان وجهاً لوجه أثناء التصوير. لم تبدُ الوقفة مريحةً بعد عبارة ترامب التي لفتت الانتباه إلى جانب غير مريح في العلاقات الأمريكية – المصرية.

فعلى طرفٍ، وقف وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، ومستشار الأمن القومي آنذاك جون بولتون الذي استقال أخيراً، ولاري كودلو مساعد الرئيس للسياسات الاقتصادية، وجميعهم يتأملون الكاميرا، بينما على الطرف الآخر وقف وزير الخارجية سامح شكري مطرقاً رأسه لحظتها نحو الأرض، وعباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، متأملاً الوفد الأمريكي، وإلى جانبه مسؤول مصري آخر.

احتفى ترامب أمام الصحفيين -من بين تعليقات أخرى- بعلاقته بالسيسي. وأعاد الجمل ذاتها التي قالها قبل عامين تقريباً؛ بأنهما قد بدآ التحدث بعد وقت قصير من فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2016، وأنهما يفهمان بعضهما البعض جيداً.. إلخ.

الرئيسان لم يعلما أنه بعد نحو ثلاثة أسابيع من الآن، سيدخل السيسي في واحدٍ من أصعب الاختبارات منذ الانقلاب الذي قاده ضد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، بعد الفيديوهات التي نشرها رجل الأعمال المصري محمد علي، وأن أمواج التغيير التي تنتظر مصر تشبه الأمواج المتلاطمة المعروفة في خليج غاسكونيا المُطل عليه الفندق الذي كان يوماً قصراً صيفياً تستخدمه واحدة من أجمل نساء فرنسا: الإمبراطورة أوجيني.

على الأرجح، يعلم الرئيس السيسي ( 64 عاماً) أن أوجيني هذه -التي صعدت صعوداً درامياً ثم سقطت بنهاية درامية أيضاً- كانت قد زارت مصر بدعوة من الخديوي إسماعيل بمناسبة افتتاح قناة السويس عام 1869. جاءت وحدها دون الإمبراطور الذي كان مشغولاً بالظروف السياسية التي تمر بها فرنسا حينها. بالغ الخديوي في الاحتفاء بها، كانت في الثالثة والأربعين من عمرها، بالغة الأنوثة والتألق والجمال، وقد عبرت الإمبراطورة نفسها عن البذخ والترف في الاحتفالات بقولها: "لم أرَ في حياتي أجمل وأروع من هذا الحفل الشرفي العظيم".

بعد هذه الزيارة بـ146 عاماً، أعاد السيسي افتتاح قناة السويس عام 2015 بحفل باذخ أيضاً في توسعة جديدة للقناة لم يجد الاقتصاديون أي جدوى اقتصادية لها. ومن هنا بدأت مشاكله الحقيقية.

فما هي الحكاية؟

منذ أن وصل الرئيس السيسي إلى الحكم في مايو/أيار 2014 بعد انقلاب ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، أحكم قبضته على البلاد، ولم يسمح سوى بمعارضة قليلة، ولسخرية الأقدار بات هذا القليل تكلفته باهظة على السلطات المصرية وعليها أن تدفع ثمنه الآن، عندما دعا -بما فاق التوقعات- آلاف من الناس في جميع أنحاء البلاد إلى إسقاط السيسي في موجة من الاحتجاجات المتناثرة ليلة الجمعة والسبت.

كان الدافع الظاهر للاحتجاجات غير متوقع تماماً، محمد علي، مقاول البناء (45 عاماً) والممثل غير المتفرغ، الذي يقول إنه حصل على مشاريع بناء ثرية للجيش المصري، وكان قد غادر إلى إسبانيا ليعيش في المنفى الاختياري، حيث بدأ بنشر مقاطع فيديو على الشبكات الاجتماعية يتهم فيها السيسي بالفساد والنفاق، عكس الصورة التي يروج بها الرئيس لنفسه.

في الأسابيع الثلاثة الأخيرة منذ ظهور شريط الفيديو الأول، أعاد محمد علي طرح نفسه باعتباره كاشفاً للأسرار، ومعارضاً للسيسي، ومثيراً للاحتجاجات، وقد حوّلته قصصه عن الفساد في قمة هرم السلطة في مصر إلى صوت معارض بارز  للرئيس. وعندما اندلعت الاحتجاجات، كانت في الوقت والتاريخ اللذين حددهما من منفاه.

لكن مدى تأثير محمد علي وقدرته المفاجئة على التحفيز لا يزالان محل اختبار بعد أن دعا إلى مظاهرات قادمة رغم تشديد السلطات الإجراءات الأمنية واعتقال الآلاف. وأثار صعوده الغامض إلى الصدارة أسئلةً في مصر وخارجها حول ما إذا كانت شهرته المفاجئة جاءت بدعم ـ أو ربما استغلال ـ من أصحاب المصالح القوية في البلاد، الذين تضررت أعمالهم داخل الحكومة أو خارجها بسبب حركات استبعاد غير دقيقة ارتكبها السيسي ضد هؤلاء.

فمن هو محمد علي هذا، ومن الذي يدعمه، وما الذي دفعه للخروج الآن بهذه الاتهامات ضد السيسي؟ من الواضح أن له ارتباطات، لكن من هم هؤلاء بالضبط؟ والأهم من كل ذلك: يرى بعض المحتجين على الأقل أن محمد علي لم يكن مُلهماً بقدر ما قدم فرصة للتعبير عن إحباطاتهم المتتالية.

"الأسرار" التي كشف عنها لاقت صداها لدى الكثير من المصريين الذين شاهدوا السيسي يقيم مشاريع البناء الضخمة بينما تنهار أوضاعهم المالية. فقد ذكر تقرير للحكومة المصرية في يوليو/تموز الماضي أن واحداً من كل ثلاثة مصريين يعيش تحت خط الفقر.

أن يخرج الآن شخص مثل محمد علي لإنقاذ الفقراء، بحُسن مظهره وصوته الأجش، غير متعلّم تعليماً عالياً، وصنع ملايينه بنفسه، فإن صداه بينهم –بحسب المحللين– سيكون واسعاً، وسيُنظر له على أنه بطل شعبي لا يتحدث بلغة الناشطين، وإنما بلغتهم، أو ربما بلغة الشخص الذي يريدون أن يكونوا مثله.

كيف إذاً أوصل السيسي -الذي بات العقدة التي تجتمع عندها خيوط اللعبة في مصر- نظام حكمه إلى هذه النقطة التي أشبه ما تكون بنهاية مغلقة؟ وكيف سيرد على الاحتجاجات إذا استمرت؟

لعل الإجابة عن السؤالين السابقين تكمن أصلاً في كيف ينظر السيسي إلى نفسه؟ قد يبدو الجواب سهلاً واضحاً، فالرجل الذي عاش في بيئة محافظة، وفرض الكثير من الخصوصية على حياته الشخصية، وأمضى الفترة الأخيرة قبل وصوله إلى الحكم مديراً عاماً للمخابرات الحربية، كشف خلال فترة حكمه أكثر مما ينبغي. لكن قبل الوصول إلى استنتاج دعنا نخُض هذه الرحلة في استكشاف السيسي، جذور شخصيته، كيف تطورت هذه الشخصية، وبالتالي ردود فعله المتوقعة.

تحميل المزيد