انهار «داعش».. لكن الآلاف من أعضائه ومناصريه السابقين دون بلد يُؤويهم بعد تجريدهم من جنسياتهم

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/26 الساعة 08:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 17:47 بتوقيت غرينتش
معسكر اعتقال في سوريا يحوي الأشخاص الذين فروا من المناطق التي كانت تحت سيطرة الدولة الإسلامية/ نيويورك تايمز

انهارت الخلافة التي أعلنها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق والشام، ليترك الآلاف من أعضائه من كل أنحاء العالم دون بلدٍ يُؤويهم في ظل رغبة بلادهم الأم في تجريدهم من جنسياتهم. في تقريرها تسرد صحيفة The New York Times الأمريكية قصة حالتين من الحالات التي تُواجه خطر انعدام الجنسية.

شميمة في بريطانيا

تعود الحالة الأولى لشميمة بيجوم التي كانت تبلغ من العمر 15 عاماً حين أصبحت مُتشدِّدةً وغادرت منزلها في لندن مُتَّجهةً إلى سوريا وانضمت إلى تنظيم داعش وتزوَّجت واحداً من مقاتليه.

ومع تراخي قبضة داعش عن آخر الأراضي التي كان يُسيطر عليها، فرَّت شميمة -الحُبلى التي تبلغ من العمر 19 عاماً- إلى مُخيَّم لاجئين شمالي سوريا، حيث التقت بمُراسلٍ بريطانيٍ هناك وأوضحت له أنها لا ترغب سوى في العودة إلى أرض الوطن، بحسب الصحيفة الأمريكية. لكن وزارة الداخلية البريطانية أعلمت عائلتها خطابياً بنيَّتها سحب الجنسية منها.

شميمة بيجوم في مطار جاتويك عام 2015، حيث كانت تستعد لمغادرة إنجلترا. CreditLondon Metroplitan Police / Shutterstock
شميمة بيجوم في مطار جاتويك عام 2015، حيث كانت تستعد لمغادرة إنجلترا. CreditLondon Metroplitan Police / Shutterstock

وتقول الحكومة إنها تتصرَّف لحماية الشعب البريطاني في المقام الأول، بحسب الصحيفة الأمريكية. لكن مُحامي شميمة، التي أنجبت رضيعها الأول مؤخراً، يقول إن هذه الخطوة ستترك المرأة بريطانية المولد دون جنسية.

وتقول الصحيفة إن مُعضلة التصرُّف السليم حيال مواطني الدول الغربية الذين ألقوا بأرواحهم على عتبة تنظيم داعش قبل طرده من سوريا أثارت جدلاً كبيراً حول أوضاع المواطنة وانعدام الجنسية الناجمة عن سحب الجنسية منهم، مشيرة إلى أن شميمة ليست الوحيدة التي تُعاني هذه الأزمة.

هدى في أمريكا

ترى نيويورك تايمز أن الولايات المتحدة ستحذو حذو بريطانيا، إذ أصدر مايك بومبيو، وزير الخارجية، بياناً يوم الأربعاء الماضي، قال فيه إن هدى المثنى -شابة أمريكية المولد تركت دراستها في ألاباما للانضمام إلى داعش- "ليست مواطنةً أمريكية"، معلناً أن هدى ليس بإمكانها العودة إلى أرض الوطن.

وتقول الصحيفة إنه رغم الجاذبية التي تتمتع بها فكرة أن تبعث الحكومات برسالةٍ شديدة اللهجة إلى مواطنيها الذين ينقلبون ضد وطنهم، فخبراء القانون يُحذِّرون من العواقب الوخيمة على المدى البعيد في حال انتهى الأمر بأعضاء تنظيم داعش العالقين دون جنسية.

ونقلت عن كليف بالدوين، المستشار القانوني البارز بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" قوله إن "هذا يعني ترك الناس دون وطنٍ يُؤويهم ودون حماية، مما يُدمِّر أي شكلٍ من أشكال التعاون الدولي".

وتُعرِّف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الشخص معدوم الجنسية بأنه شخصٌ لا يحمل جنسية أي دولة. ويُولد بعض الأطفال معدومي الجنسية نتيجة الثغرات في قوانين الجنسية -وبالتالي، يسقطون من الهاوية، في حين يُضحي البعض معدومي الجنسية في ظل ظهور دولٍ جديدةٍ أو تغيُّر الحدود. وفي الوقت ذاته، تُسحب جنسية البعض الآخر وفقاً لما أوردته الصحيفة.

هدى مع ابنها الرضيع في معسكر اعتقال بسوريا/ نيويورك تايمز
هدى مع ابنها الرضيع في معسكر اعتقال بسوريا/ نيويورك تايمز

ويقول ديفيد بالوارت، خبير انعدام الجنسية وأستاذ القانون بجامعة واشنطن ولي، بحسب الصحيفة، إن ذلك يعني العيش في غياهب النسيان إلى الأبد، مضيفاً: "يعيشون في الظل باستمرار، وسط مطاردات مسؤولي الهجرة وقوات الأمن. ويعيشون واقع حياتهم تحت تهديد الاحتجاز بدائرة الهجرة أو الترحيل إلى بلدٍ آخر".

وذكرت الصحيفة أن عدد معدومي الجنسية حول العالم تخطى 10 ملايين شخص، وغالبيتهم -أكثر من 75%- هم جزءٌ من الأقليات في البلاد التي يقطنونها. ويُعَدُّ الروهينغا في ميانمار والنوبيون في كينيا والدومينيكانيون من أصلٍ هايتيٍ والبدون في السعودية مثالاً على الأقليات التي حُرِمَت من الجنسية.

وأضاف بالوارت: "من الشائع لدى الحكومات أن تُحدِّد جماعةً منبوذةً على أساسٍ عرقيٍ أو عنصريٍ أو دينيٍ ويسُنُّوا القوانين التي تُجرِّد أفرادها من حقوقهم الأساسية بشكلٍ ممنهجٍ للأسف".

مُناهضة انعدام الجنسية

سطَّرت القوانين الدولية بنوداً لحماية حقوق معدومي الجنسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية -كنوعٍ من الرد على ألمانيا النازية وتجريدها لليهود من جنسيتهم قبل جمعهم وشحنهم إلى أحياء الغيتو ثم معسكرات الاعتقال.

وأرست اتفاقيتان للأمم المتحدة بشأن انعدام الجنسية، عامي 1954 و1961، المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان الخاصة بالأفراد الذين لا يحملون أي جنسية. وسعت كذلك إلى الحد من حالات الحرمان من الجنسية في حال كانت ستؤدي إلى جعل الشخص معدوم الجنسية، ووقعت 61 دولةً على هذه الاتفاقيات، ومن بينها بريطانيا، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وقال بالوارت: "وُضِعت هذه الحماية القانونية لتجعل الدول التي تُجرِّد مواطنيها من الجنسية وتتركهم دون جنسيةٍ دولاً تخرق القانون".

وذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة لها سابقةٌ خاصةٌ بها أيضاً. إذ قضت المحكمة العليا، في قضية "تروب في دوليس" عام 1958، بعدم دستورية إلغاء الجنسية كعقوبةٍ على ارتكاب الجرائم في حال كان ذلك سيُؤدِّي إلى حالةٍ من انعدام الجنسية.

وتابع بالوارت: "لاحظت الدول المتحضرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية مدى تعسُّفية فكرة التجريد من المواطنة لدرجةٍ تجعل الشخص معدوم الجنسية. لكننا نعود بأنفسنا إلى الوراء بعد أن نسينا مدى بُؤس حالة انعدام الجنسية في السابق. وتُثير هذه الموجة الجديدة من النفي ذي الدوافع السياسية القلق بشدة".

وإلى جانب تلك الجهود، دعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) الدول إلى وضع مصالح الأطفال العليا بعين الاعتبار عند النظر في تجريد مُجنَّدي داعش -الذين يمتلكون أطفالاً- من جنسياتهم. وقالت المنظمة في بيانها: "من حق كل طفلٍ أن يحمل اسماً وهويةً وجنسية"، بحسب الصحيفة.

وينتهج ساجد جاويد، وزير الداخلية البريطاني، خطاً مُتشدِّداً في ما يتعلَّق بقضية المواطنة، لكن الصحيفة الأمريكية ترى أن حديثه أمام البرلمان أظهر أنه يقترح الإبقاء على جنسية طفل شميمة الرضيع. وقال: "لا يجب أن يُعاني الأطفال. وفي حال جُرِّد الآباء من الجنسية، فلن يُؤثِّر ذلك على حقوق أطفالهم".

خطورة عودة أعضاء داعش

وتعهد جاويد أمام البرلمان يوم الأربعاء، بحسب الصحيفة، بمنع الأشخاص الذين انضموا إلى تنظيم داعش من العودة إلى بريطانيا، وقال إن وزارة الداخلية يُمكنها منع دخول المواطنين غير البريطانيين إلى البلاد أو تجريد "الأفراد الخطرين" من جنسيتهم البريطانية.

وأضاف جاويد: "لقد عقدت العزم على فعل كل ما تسمح به سلطتي لمنعهم من العودة في حال كانوا سيُشكِّلون أي تهديدٍ على هذه البلاد. لقد تخلُّوا عن هذه البلاد لدعم جماعةٍ ذبحت وقتلت المدنيين العُزَّل، ومن بينهم مواطنون بريطانيون أيضاً".

وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد
وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد

وقالت وزارة الداخلية إن جاويد يمتلك سلطة حرمان الأفراد من جنسيتهم البريطانية في حال لم يُؤدي هذا الإجراء إلى تحويلهم لمعدومي جنسية، بحسب الصحيفة الأمريكية، لكنها لم تُعلِّق على حالة شميمة تحديداً، في حين أشارت التقارير إلى أن السلطات البريطانية تعتقد أن بإمكانها التحرُّك ضد شميمة لأن والدتها تمتلك جواز سفرٍ بنغلاديشي. وأكَّد، تسنيم أكنجي، محامي عائلة شميمة، أن الشابة ليست مواطنةً بنغلاديشية، وأن تلك الدولة قالت إنها لن تسمح لها بدخول أراضيها. مما يعني أن ذلك سيُحوِّلها إلى معدومة جنسية.

وفي حين يرى بالدوين أن تجريدها من الجنسية "حسب أهواء وزيرٍ ما" يُشكِّل سابقة سيئةً، تقول الصحيفة إنه ربما تُؤدي مثل تلك الإجراءات إلى تصعيب مهمة تحميل الأشخاص مسؤولية أفعالهم. وقال بالدوين: "إذ كنت تبحث عن العدالة، فستجدها على الأرجح حين يعود أولئك الأشخاص إلى بلادهم في أوروبا وتونس -أكثر منطقتين تعود إليهم أصول الأشخاص الذين انضموا إلى داعش-، حينها ستزيد احتمالية تطبيق العدالة".

وفي حالة هدى، المُتطوَّعة في داعش من ألاباما، ترى الصحيفة أن تصريحات بومبيو بأنها ليست مواطنةً أمريكيةً تناقض المعلومات التي أفصحت عنها عائلتها ومحاميها.

إذ قال حسن شبلي، مُحامي مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية الذي يُقدِّم خدماته لعائلة هدى، إن هدى ليست مواطنةً يمنية. وقدَّم شهادة ميلادها التي تُظهِرُ أنها وُلِدَت في هاكنساك بولاية نيو جيرسي عام 1994، بحسب الصحيفة.

وقال بالدوين إنه في حال انضمت هدى إلى صفوف معدومي الجنسية، سيُمثِّل ذلك خطراً أكبر من إعادتها إلى أرض الوطن والتحقيق معها بشأن تورُّطها مع تنظيم داعش، مضيفاً: "إذ تحوَّلوا إلى أشخاصٍ معدومي الجنسية، فأين سيذهبون؟ لن تكون أي دولةٍ مُجبرةً على استقبالهم. وليست هذه أفضل وصفةٍ لاستقرار الحكومات. بل هي أشبه بوصفةٍ لتوطيد التشدُّد".

علامات:
تحميل المزيد