نعم أطلقت بريطانيا سراح مواطنها من الإمارات لكن الواقعة كشف أنها باتت دولة صف ثانٍ، «ذا أتلانتك»: لهذا السبب تراجعت المملكة المتحدة

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/27 الساعة 21:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/28 الساعة 08:57 بتوقيت غرينتش
Britain's Prime Minister Theresa May leaves after a news conference following an extraordinary EU leaders summit to finalise and formalise the Brexit agreement in Brussels, Belgium November 25, 2018. REUTERS/Dylan Martinez

على الرغم من قدرة بريطانيا على إطلاق سراح مواطنها من الإمارات بشكل سلس خلال أيام، فإن هذا الأمر كشف عن تراجع نفوذ المملكة المتحدة كثيراً منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، بحسب ما ذكرت مجلة The Atlantic الأميركية.

وقالت المجلة الأميركية، عندما أصدرت الإمارات العربية عفواً عن الأكاديمي البريطاني المدان بالتجسس لصالح المملكة المتحدة في دبي، أُشيد بهذا الخبر على أنه انتصار دبلوماسي. وتقدَّم وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت الذي ترأس جهود لندن لضمان إطلاق سراح الباحث، بشكرٍ إلى الحكومة الإماراتية على إطلاق سراح المواطن البريطاني، و"تأكيدهم على العلاقة القوية مع المملكة المتحدة".

لم يكن الأمر يحتاج إلى اعتقال ثم إطلاق سراح

وأضافت لكن بقدر ما كان القرار الإماراتي نجاحاً دبلوماسياً لبريطانيا، فإنَّه أيضاً يدعو للقلق، ويُنذر بقدوم واقعٍ جديد، واقع يتضاءل فيه نفوذ بريطانيا، حتى لدى حلفائها، وتفقد فيه بريطانيا مكانتها على الساحة العالمية.

لم يكن الأمر يحتاج إلى أن يلقى حليفٌ تاريخي القبض على ماثيو هيدجز، بتهمٍ واهية لا أكثر ليتضح ذلك الأمر.

فبعد أن صوّتت المملكة المتحدة منذ عامين على الخروج من الاتحاد الأوروبي بوقتٍ قليل، بدأت النقاشات حول ما إذا كانت بريطانيا ستستطيع الحفاظ على نفوذها الدولي، بعد أن أصبحت خارج الاتحاد الأوروبي. وحذَّر البعض من أنَّ مغادرة التكتل لن تعيق فقط قدرة بريطانيا على التأثير في أمن القارة الأوروبية وسياستها الدفاعية، لكنَّه أيضاً سيحد من نفوذها في أي مكان آخر، بحسب المجلة الأميركية.

وهيمن الحديث عن نفوذها حول العالم حتى في الحلقة الافتتاحية لفيلم هيئة الإذاعة البريطانية BBC الوثائقي الجديد، المكون من ثلاثة أجزاء "Inside The Foreign Office"، أو "من داخل وزارة الخارجية"، والذي يتأمل فيه الدبلوماسيون البريطانيون دور دولتهم على الساحة العالمية في القرن  الواحد والعشرين.

تسمع السير سيمون ماكدونالد، رئيس جهاز الخدمات الدبلوماسية وهو يقول في الفيلم إنَّ الدور الحالي لبريطانيا في الساحة الدولية تحدَّد بعد الحرب العالمية الثانية، في الفترة التي كانت فيها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي هما القوتين المهيمنتين عالمياً. وواصل حديثه في سلسلة أفلام BBC قائلاً: "بعد 70 عاماً، ما زلنا في مجموعة دول الصف الثاني: وهي دول لها نشاط عالمي، وذات تأثيرٍ إذا كانت إلى جانب أحد اللاعبين الكبار، لكنَّها غير قادرة على فعل الكثير بمفردها".

ربما فقدت بريطانيا الدور بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي

إنَّه هذا الدور الذي يثق المؤيدون المتحمّسون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مثل وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، من أنَّ بريطانيا قادرة على الحفاظ عليه، خصوصاً عن طريق تقوية العلاقات التجارية مع مختلف دول العالم. وكتب جونسون عن الشعار الذي كان من المفترض أن يحدد السياسة الخارجية للمملكة المتحدة، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، والذي ساعد في الترويج لها: "عندما أقول "بريطانيا عالمية"، فأنا أقصد دولة أكثر انفتاحاً وتطلعاً وانخراطاً مع العالم من ذي قبل. كان هذا يعني أن نوافق على الاستفتاء واستغلاله كفرصة لتكوين صداقات، وفتح أسواق، والترويج لثقافتنا وقيمنا"، بحسب المجلة الأميركية.

لكن حذَّر البعض ممن يعملون بالسلك الدبلوماسي البريطاني، من أنَّ الدور العالمي للمملكة المتحدة لم يعد بالفعل مثلما كان عليه في الماضي، ومن المحتمل أن يتدهور أكثر بكثير بعد أن تغادر الاتحاد الأوروبي، في 29 مارس/آذار 2019. وقالت هارييت أوبرين، الدبلوماسية البريطانية التي تعيش في نيويورك، في سلسلة أفلام BBC: "لم نعد الدولة نفسها التي كنا عليها في 1945". وأضاف: "بطريقةٍ ما، ليس لدينا نفس النفوذ في العالم. لهذا أعتقد أنَّنا حالياً نخوض في قضايا أكبر من قدراتنا ونفوذنا".

بالطبع لن يتغير كل شيء. فبريطانيا ستحتفظ بمكانتها الرائدة في منظمات دولية أخرى، مثل مجموعة الدول الصناعية السبع وحلف الناتو. وستحتفظ أيضاً بمقعدها الدائم النفيس في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

تراجع النفوذ

لكن حتى إذا لم تتغير عضويتها في منظماتٍ معينة، من الممكن أن تتغير قدرتها على فرض نفوذها في هذه المنظمات. وأعرب بعض ممثلي المملكة المتحدة في بروكسل عن أسفهم لخسارة نفوذهم حتى قبل خروج دولتهم من التكتل الأوروبي. وتلقَّت هيبة بريطانيا ضرباتٍ أخرى أيضاً، مثل خسارة مقعدها في محكمة العدل الدولية للمرة الأولى العام الماضي.

وفيما يتعلق بالأزمات العالمية الحالية والمستقبلية، تناول المسؤولون البريطانيون علناً عدم قدرتهم على حيازة نفس النفوذ في السياسة الخارجية كما في الماضي. فقد قال هانت لمجلس العموم بعد أن سُئل عن مشروع القانون الذي يطالب بوقف إطلاق النار في الحرب الدائرة في اليمن: "يجب أن نكون حذرين حتى لا نبالغ في تقدير نفوذنا"، بحسب المجلة الأميركية.

في المرة الأخيرة التي بدت فيها بريطانيا غير واثقة من مكانتها العالمية، كانت قد فقدت إمبراطوريتها بعد الحرب العالمية الثانية. حينها حذَّر رجل الدولة الأميركي دين آتشيسون لندن من المبالغة في تقدير قدرتها منفردةً. وقال في عام 1962: "محاولة بريطانيا الاضطلاع بدورٍ منفصل من دون أوروبا، دور قائم على "علاقة خاصة" مع الولايات المتحدة، دور يستند إلى كونها تقود دول الكومنولث، التي لا تتمتع بهيكلٍ سياسي أو وحدة أو قوة، وتربطها علاقات اقتصادية هشة ومتزعزعة، هذا الدور استُهلك تماماً".

وبعد مرور أكثر من نصف قرن، ستحتاج بريطانيا لإيجاد مكانتها في العالم مرةً أخرى. 

تحميل المزيد