المحسوبية والغموض والتمييز بين العلوم.. لماذا خذلت جوائز نوبل العلوم في القرن الـ21؟

ستتمكَّن مجموعةٌ صغيرة من العلماء من تحقيق شهرة عالمية هذا الأسبوع. سيدركون أنهم فازوا بجوائز نوبل في الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) والكيمياء والفيزياء، وستتحوَّل حياتهم. سيحوز كلٌّ منهم مئات الآلاف من الدولارات،

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/02 الساعة 13:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/02 الساعة 14:02 بتوقيت غرينتش
جوائز نوبل العلوم

ستتمكَّن مجموعةٌ صغيرة من العلماء من تحقيق شهرة عالمية هذا الأسبوع. سيدركون أنهم فازوا بجوائز نوبل في الفسيولوجيا (علوم وظائف الأعضاء) والكيمياء والفيزياء، وستتحوَّل حياتهم. سيحوز كلٌّ منهم مئات الآلاف من الدولارات، وسيُكرَّمون كما لو كانوا علماء قديسين منزَّهين عن الخطأ، حتى عند تناولهم موضوعات تخرج عن نطاق مجالاتهم، حسب صحيفة The Guardian البريطانية.

هل يستحقون هذا التمجيد والاحتفاء؟

لكن الكثيرين يشكِّكون الآن في هذا التمجيد الذي يحظى به العلماء، ويعتقدون أن جوائز نوبل لا تؤدي وظيفتها بشكل جيد في تشجيع البحث العلمي الحديث. ويقولون إن اهتمامها بالإنجازات الفردية يشجع المنافسة بين العلماء على حساب تعاونهم، ويريدون تغيير نظامها.

قال عالم الكونيات بريان كيتنغ، من جامعة كاليفورنيا بمدينة سان دييغو الأميركية: "لقد جنحت جوائز نوبل بعيداً عن الهدف الذي كان مؤسِّسها يطمح إلى تحقيقه، وهم بحاجةٍ ماسة إلى إعادة تنظيمها، إنهم يمنحون الجوائز بالطريقة القديمة التي كان يُعَامَل بها العلم".

نوبل تتحول إلى لعبة يانصيب!

وانتقد فينكاترامان راماكريشنان، رئيس الجمعية الملكية والحائز جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2009، بالاشتراك مع عالِمين آخرين، هذا الأمر كذلك. ففي كتابه Gene Machine، يقول: "إن جائزة [نوبل] تتحوَّل إلى شكلٍ من أشكال اليانصيب"، وأصبحت جزءاً من نظام الجوائز العالمي الذي يَمنح "الجوائز بالمحسوبية".

وهناك تمييز بين العلوم

ودفع مارتن ريس، عالِم الفلك وعضو الجمعية الملكية، بأن جائزة نوبل تفسد فكرة الجمهور عن نوعية العلوم المهمة. يقول اللورد ريس: "تحصل 3 علوم فقط على جوائز نوبل: الكيمياء والفيزياء والفسيولوجيا، ويتجاهلون الرياضيات وعلوم الحاسب، والتحكم الآلي، والذكاء الاصطناعي، وكذلك العلوم البيئية".

وتعرف لجنة نوبل بغموضها

وينتقد كيتنغ كذلك السرية المطلقة التي تحرص عليها لجنة جائزة نوبل؛ إذ قال: "أنت لا تعرف هوية المرشح لنيل الجائزة، ولا تعلم هوية من رشَّحَه؛ كلُّ ما تحصل عليه هو بطاقة صغيرة مُدوَّن عليها اسم الفائز، إنها عملية مُقدَّسة تشبه عملية تسمية البابا الجديد!".

فهل يجب أن تظل أهم جوائز العالم؟

لقد أوصى مخترع الأسلحة السويدي ألفريد نوبل بمنح جوائز نوبل في العلوم والسلام والآداب. وقد حصد الفائزون بالجائزة أكثر من مليار دولار منذ عام 1901، ما جعل منها -كما يقول كيتنغ- "أكثر جائزة مرموقة في العالم".

لوائح وقواعد يجب تغييرها

وكان من بين الفائزين الأوائل بالجائزة ماري وبيير كوري وبول ديراك وألبرت أينشتاين، الذين عملوا في وقتٍ كان فيه بوسع العلماء تحقيق إنجازات فردية في فيزياء الكم والنسبية. ويشير راماكريشنان إلى أنه لا تزال هناك بعض "الإغفالات الرهيبة"، فقد كان يُفتَرَض أن يفوز كلٌّ من ديميتري مندلييف، الذي اخترع الجدول الدوري للعناصر، وليز مايتنر، التي اكتشفت الانشطار النووي، بجائزة نوبل لكن ذلك لم يحدث!

والأسوأ من ذلك أن اللوائح التي فرضتها لجنة جائزة نوبل في وقتٍ لاحق، زادت من حالات الإجحاف، ولا سيما القاعدة التي تنص على أنه ليس بإمكان أكثر من ثلاثة 3 أشخاص أن يفوزوا بجائزة نوبل في العلوم بشكل فردي. وقد تجلَّت تلك المشكلة التي تُسبِّبها تلك القاعدة عام 2013، عندما فاز بالجائزة بيتر هيغز وفرانسوا إنغليرت للنظرية التي وضعاها والتي قادت إلى اكتشاف الجسيمات دون الذرية التي يُشار إليها باسم بوزون هيغز عام 2012، وأسهم هذا الاكتشاف بدورٍ مهم في فهم توزيع الكتلة بالكون.

ويقول ريس:

إن هناك 6 علماء، من ضمنهم هيغز وإنغليرت، أسهموا في تلك النظرية بشكلٍ أساسي. وكان من بين هؤلاء، البريطاني توم كيبل، الذي توفي عام 2016، والذي كان مرشحاً بقوة لنيل جائزة نوبل مثل الآخرين. أما كيتنغ، فقد انحاز إلى جيري غورالنيك، من جامعة براون بولاية رود آيلاند الأميركية، وهو أحد العلماء الستة الذين أسهموا في وضع نظرية هيغز، والذي اعتُبر المرشح الأقوى للحصول على جائزة نوبل، ولكن لم يقع الاختيار على أيٍّ منهما.

وقد مُنِحَت جائزة نوبل للفيزياء العام الماضي (2017) للأبحاث الأوليَّة عن موجات الجاذبية، وذُيِّلَ البحث بتوقيعات أكثر من 1000 عالم، ولكن الجائزة مُنِحَت لـ3 منهم فقط!

وتعزز النبوغ الفردي لا العمل الجماعي

ويضيف راماكريشنان: "القرار الخاص بتكريم العلماء الثلاثة غير مناسب في العصر الحديث". واتفق كيتنغ بقوله: "بعيداً عن أمثلة الإجحاف العلمي، فإن منح الجائزة لـ3 علماء فحسب يُعزِّز انطباع الشخص العادي بأن من يضطلع بالأبحاث العلمية فردٌ أو فردان عبقريان وحسب، عادةً من الرجال البيض، يعملان دون دعم شبكاتٍ واسعة من العلماء الآخرين".

فازت سيدتان فقط بجائزة نوبل في الفيزياء. وقال كيتنغ: "إذا فازت سيدةٌ بجائزة نوبل الأسبوع المقبل، فستكون تلك هي المرة الأولى خلال 50 عاماً".

وتعكس نظرة خاطئة عن العلم

في الوقت نفسه، تقول نعومي أوريسكس، المؤرخة العلمية من جامعة هارفارد، إن فكرة الشخصية العبقرية الواحدة ترفع عدداً قليلاً من الفائزين بجائزة نوبل إلى مرتبة الآلهة، وهذا أمرٌ مؤذٍ: "إنها تعكس نظرةً خاطئة عن العلم، عندما تُنسَب القوى الخارقة للطبيعة والحكمة إلى علماءٍ بعينهم، في حين أن العلم الحديث شأنٌ جماعي".

ويُصدِّق ريس على ذلك قائلاً:

"حتى أفضل العلماء لديهم خبرة عملية محدودة، وآراؤهم حول الموضوعات العامة لا تحمل أيَّ أهميةٍ خاصة. فمن الممكن أن نجد فائزاً بجائزة نوبل يدعم أي قضية تقريباً، مهما كانت غريبة، وبعضهم يستغل مكانته".

ومن بين الفائزين بجائزة نوبل الذين صدموا الجميع بسبب حديثهم عن موضوعات خارج نطاق خبراتهم، النرويجي إيفار جيافر، الذي فاز بجائزة نوبل في الفيزياء عام 1973، عن أبحاثه عن الموصلية الفائقة، ولكنه ينفي أن الأرض قد تأثَّرَت بأيِّ شكلٍ من الأشكال بالاحتباس الحراري.

وتضيف أوريسكس: "ومن الأمثلة المُروِّعة الأخرى، ويليام شوكلي، الذي استغل مكانته كفائز بجائزة نوبل للترويج للأفكار العنصرية الخاصة بالذكاء، والذي لم تكن لديه أيُّ خبرةٍ فيها، ولا حكمة كما هو واضح".

حان وقت التغيير

ومع ذلك، يقول النقاد إن هناك طريقةً واحدة سهلة لتحسين الأمور؛ لأن هناك سابقةً بمنح جوائز نوبل للمنظمات والأفراد. في عام 2007، فاز آل غور بجائزة نوبل للسلام مع الفريق الحكومي الدولي المعنيّ بتغيُّر المناخ؛ لعملهم على ظاهرة الاحتباس الحراري. وقد فاز الصليب الأحمر بجوائز نوبل للسلام كذلك.

وقال كيتنغ: "لذلك، هناك مثالٌ رائع على إمكانية تلقي مجموعة من الأشخاص جائزة نوبل، وكان من الممكن تكريم فِرَق العلماء التي تعاونت لاكتشاف موجات الجاذبية وبوزون هيغز، وتحاشي فكرة العبقرية الوحيدة السائدة. هذا هو التغيير الذي نحتاجه".

علامات:
تحميل المزيد