حين ينقذ عُمر البطارية حياة إنسان.. كيف أصبحت الهواتف النقالة جزءاً من رحلة المهاجرين الخطيرة

أصبحت الهواتف الذكية اليوم جزءاً لا يتجزأ من رحلة أُجبِر المهاجر على خوضها، مستعيناً بتطبيق خرائط جوجل وغيره

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/11 الساعة 16:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/11 الساعة 17:18 بتوقيت غرينتش

في أحد المباني المهجورة على مسافة نحو 1.5 كم من الحدود المجرية، يلتف المهاجرون حول بطارية سيارة واحدة لشحن هواتفهم، ويتفقون جميعاً على الأهمية التي يمثلها عمر البطارية لهم، فقد طلب الكثيرون من المنظمات الإنسانية مدهم بـpower bank ليتمكنوا من شحن هواتفهم، حين لا تكون هناك مصادر طاقة متوفرة.      

ناشد مهاجر من باكستان، يتخذ من هذا المبنى مأوى له، يؤكد أن أحد احتياجاته الأساسية في هذا الموقع النائي هو وسيلة لشحن هاتفه. ومع عدم توفر الكهرباء بصورة مستمرة، يعتمد ناشد على زيارات المتطوعين ليتمكن من شحن بطاريته، مبتكراً شتى الطرق لإبقاء بطاريته تعمل لحين الزيارة التالية.

وتشمل إحدى استراتيجياته الحرص على إغلاق هاتفه حين ينام ليلاً أو حين يأخذ قيلولة خلال النهار، إلى جانب استخدام أقل درجة ممكنة من إضاءة الشاشة. ويُقسم أنَّ إخراج البطارية الفارغة وهزها عدة مرات يُمكِّنه من استخدام الهاتف لدقائق قليلة إضافية.

وقد أصبحت الهواتف الذكية اليوم جزءاً لا يتجزأ من رحلة أُجبِر المهاجر على خوضها. من التجول عبر الجبال في آسيا الوسطى مستعيناً بتطبيق خرائط جوجل (Google Maps) إلى البقاء على تواصل مع العائلة في الوطن، عبر تطبيق واتساب (WhatsApp)، غيرت الهواتف الذكية تجربة الهجرة، وإن لم يكن دوماً للأفضل.    

بطارية مشحونة.. تعني حياة أطول
بطارية مشحونة.. تعني حياة أطول

لا يُهدَر إلكترون واحد

القليل منا فقط قد يعادل حياة إنسان بعمر بطارية، لكن بالنسبة للكثير من المهاجرين الفارّين من الحرب أو المجاعة، قد تعني نقطة مئوية واحدة في عمر البطارية تلقي المعلومة الصحيحة في الوقت المناسب، أو يكون البديل عدم النجاة على الإطلاق.

في أوروبا الشرقية، يبقى الكثير من المهاجرين الذين رُحلِّوا من المجر على طول الحدود في الجانب الصربي في مبان مهجورة. ويزور متطوعون هذه المواقع لإحضار مؤن، بما فيها بطاريات سيارات يعيد المهاجرون استخدامها لشحن هواتفهم.

بالنسبة للكثير من المهاجرين الذين يعبرون أوروبا الشرقية للوصول إلى أوروبا الغربية، تمثل الحدود المجرية الصربية الوجهة الأخيرة. فبمجرد وصول المهاجرين إلى المجر، سيكونون قد دخلوا إلى منطقة شنغن، المنطقة التي تضم 26 دولة أوروبية، التي ألغت ضوابط الهجرة على الحدود المشتركة الداخلية بينها؛ ما يسهل وصولهم إلى وجهاتهم في أوروبا الغربية. غير أنَّ تكثيف الأمن جعل عبور هذه الحدود تحديداً أصعب بكثير، إذ تعرض كثير من المهاجرين للضرب والترحيل إلى صربيا عشرات المرات، قبل أن يتمكنوا أخيراً من عبور الحدود.         

ظل ناشد يحاول الدخول إلى المجر من صربيا على مدى الأشهر الثمانية الماضية. وقد ترك عائلته، من بينهم زوجة وطفلان، في باكستان قبل بدء رحلته إلى أوروبا. ويقول إنَّه يستخدم تطبيق واتساب للبقاء على تواصل مع عائلته ومع ابن عمومته في باريس التي هي وجهته الأخيرة.

وبعيداً عن المصاعب التي يلاقيها مع البطارية، يُقِر ناشد أنَّ هاتفه يزوده بمتنفس عقب ساعات طويلة يقضيها يومياً في الانتظار مكتوف الأيدي. إذ يحاول الاستماع خلسة إلى أغنية أو اثنتين أو مشاهدة بعض الفيديوهات باللغة الأردية على يوتيوب.          

هواتفهم الذكية تدعمهم نفسيا

يستخدمون بطاريات السيارات لشحن الهواتف
يستخدمون بطاريات السيارات لشحن الهواتف

على مدى السنوات القليلة الماضية، أصبحت صربيا نقطة عبور أساسية للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا الغربية. ويمتلئ مركز Miksalište لإغاثة اللاجئين في العاصمة الصربية بلغراد، وهو مركز استقبال مفتوح على مدار اليوم لا يشترط تسجيلاً مسبقاً، بمنظمات غير حكومية توفر خدمات للاجئين أثناء رحلة عبورهم.

فور الدخول إلى المركز، يتجمع المهاجرون حول وصلات مقابس يشحنون هواتفهم ويستخدمون الإنترنت اللاسلكي (واي فاي) المجاني، للولوج إلى حساباتهم على الشبكات الاجتماعية والحديث عبر سكايب مع عائلاتهم وأصدقائهم في وطنهم.

المشهد ذاته يتكرّر حيثما تجمع المهاجرون، الذين يبلغ عددهم الآن في أنحاء العالم نحو 70 مليوناً، مضطرين إلى قطع آلاف الكيلومترات للوصول إلى مكان لجوء.

ويأتي أكثر من نصف هؤلاء المهاجرين من 3 دول فقط هي: سوريا وأفغانستان وجنوب السودان. ويضطر السوريون، الذين يشكلون العدد الأكبر بين النازحين رغماً عنهم، لقطع متوسط مسافة يزيد على 2253 كم فقط، للوصول إلى حدود صربيا مع المجر، في رحلتهم الطويلة من حلب إلى أوروبا الغربية.

فما بين الحصول على اتجاهات الطريق، أو تعلم اللغات، أو ببساطة الوصول إلى وسائل ترفيه، أصبحت الهواتف الذكية ضرورة حيوية للمهاجرين في رحلاتهم الشاقة، التي يمكن أن تستمر شهوراً، أو على الأقل الحصول على الدعم المعنوي بالتحدث إلى أحبائهم الذين تركوهم خلفهم.   

يطلبون شاحنات تستخدم الطاقة الشمسية لتصاحبهم في رحلتهم
يطلبون شاحنات تستخدم الطاقة الشمسية لتصاحبهم في رحلتهم

رحلة واحدة مليئة بملايين التطبيقات

وفي أوج أزمة أوروبا مع المهاجرين في صيف 2015، حين عبر ما يقرب من نصف مليون لاجئ سوري إلى أوروبا للفرار من حرب أهلية وحشية، انتشرت مجموعات المحادثة على فيسبوك وواتساب، لإطلاع المهاجرين على التطورات الآنية بينما يخوضون رحلتهم، وأي مهربين يمكن الوثوق بهم، وأي الأسعار يتفاوضون عليها.

تُحوَّل خرائط جوجل وعلامات تحديد الموقع على نظام التموضع العالمي (GPS) الاتجاهات إلى طرق عملية يمكن للمهاجرين سلوكها. وفي بعض الحالات، ساعد مهاجرون كانوا على متن قوارب تغرق في البحر المتوسط، خفر السواحل في العثور عليهم عبر إرسال إشارات تدل على مواقعهم، مستخدمين نظام تحديد الموقع "GPS" من هواتفهم المحمولة.

ويُحمِّل اللاجئون كذلك على هواتفهم تطبيقات تعلم اللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية وغيرها؛ لتساعدهم أثناء رحلتهم على الاستعداد للاندماج ثقافياً حين يصلون إلى وجهتهم. ويستخدمون الخدمة التي يوفرها محرك البحث جوجل (Google Translate) لفهم لافتات الطريق باللغات البلغارية والصربية والمجرية. ومع تفرق أفراد الأسرة نتيجة رحلات الهجرة، أصبحت الهواتف الذكية وسيلة المهاجرين الوحيدة للبقاء على تواصل مع أسرهم.         

تتحول هواتفهم الذكية إلى عالم يعيشون داخله
تتحول هواتفهم الذكية إلى عالم يعيشون داخله

وإقراراً بأهمية التواصل مع المهاجرين رغماً عنهم، أطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مبادرة Connectivity for Refugees منتصف عام 2016. وتدافع المبادرة عن حقوق اللاجئين في التواصل الإلكتروني، وتوفر لهم سبل التواصل عبر الإنترنت بأسعار مُتفاوَض عليها، وأجهزة بأسعار مُدعمة، ومراكز توفير الإنترنت، وتقدم كذلك تدريباً لضمان تمكين اللاجئين من تحقيق الاستفادة الكاملة من هواتفهم الذكية.

وعقب مرور عامين على إطلاق المبادرة، تُخطط المفوضية لزيادة عدد العاملين في المبادرة، وإطلاق برامج تواصل في دول أخرى بجانب البلدان التجريبية الحالية وهي الأردن، واليونان، وتشاد، ومالاوي، وتنزانيا، وأوغندا.         

بدورها، كثَّفت الشركات الناشئة جهودها لمساعدة اللاجئين؛ إذ أسست الطالبتان الكولومبيتان، أنا ستورك وأندريا سريشتا، شركة LuminAid. وهي شركة ناشئة تصنع شاحن الهاتف من نوع PackLite Max 2-in-1، وهو شاحن هاتف يعمل بالطاقة الشمسية، ويستخدم كمصباح في الوقت نفسه، منحته مؤسّستا الشركة للمهاجرين المشردين.

وحسب تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن حوالي ثلث دخل المهاجر رغماً عنه يُنفَق على وسائل التواصل، أخذت منظمة Phone Credit for Refugees على عاتقها مهمة تزويد المهاجرين ببيانات إنترنت مجانية، في حين ركز آخرون، مثل منظمة GeeCycle، على تجميع الهواتف الذكية المستعملة من أنحاء العالم وتوزيعها على اللاجئين الفارين من النزاعات.           

معلومة مغلوطة.. عواقب وخيمة

برغم فوائدها المتعددة، لم تعمل الهواتف الذكية دوماً على تحسين رحلات المهاجرين رغماً عنهم؛ إذ إنَّ الاعتماد على مصادر مجهولة على الشبكات الاجتماعية للتنقل وضع المهاجرين الضعفاء تحت رحمة المهربين والمتاجرين الساعين للتربح من معاناتهم. وحتى المعلومات التي يحصلون عليها من أقاربهم، قد يتضح أنَّها مغلوطة وتكون عواقبها مُحزِنة.

يلينا بسيديتش، مديرة سياسات في فرع منظمة "أنقذوا الأطفال" في صربيا، تقول إنَّ انتشار المعلومات المغلوطة كان أحد أسباب ارتفاع عدد الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم الذين يسافرون من أفغانستان إلى منطقة البلقان، إذ أُخبِر آباء أطفال قد تصل أعمارهم إلى 8 سنوات، عالقين الآن في صربيا، معلومات مغلوطة، مفادها أنه إذا وصل أطفالهم بأمان إلى أوروبا الغربية فسيحق لهؤلاء إحضار والديهم.      

معلومة غلط.. تعني خطرا قادما
معلومة غلط.. تعني خطرا قادما

ويمكن أن يدفع هذا النوع من المعلومات المغلوطة حول سهولة عملية اللجوء، اللاجئين إلى خوض رحلات أكثر خطورة، لينتهي بهم الأمر بالشعور بخيبة الأمل حين يصطدمون بالواقع عند وصولهم إلى دول المقصد. وقد دفعت هذه المعلومات المغلوطة المنظمات، مثل المنظمة الدولية للهجرة، إلى البدء في حملات إعلامية في دول المصدر لتوعية المهاجرين حول مخاطر الانطلاق في رحلة إلى الغرب.

أضف إلى هذا أنَّ الحكومات القومية والآخذة في التزايد، ومنها في المجر وإيطاليا، بدأت شنّ حملات تستهدف الهواتف الذكية الخاصة بالمهاجرين، بإرسال رسائل نصية ونشر إعلانات إلكترونية لتثنيهم من البداية عن السفر إلى تلك البلدان.            

لَطالما كانت الضغوط الأسرية على المهاجرين تمثل واقعاً، لكن توفر الهواتف الذكية جعل هذا الضغط مستمراً وفورياً. وبينما هو عالق على الحدود بين صربيا والمجر، يقول ناشد إنَّه لم يكن ليخوض هذه الرحلة الشاقة قط إذا كان يعرف ما سيضطر لمواجهته خلال رحلته لمسافة تزيد على 6 آلاف كم من باكستان لفرنسا.

حينما كان لا يزال في باكستان، ظلّ يتلقّى رسائل دون توقف من ابن عمه، يخبره كيف كان من السهل عليه الوصول إلى فرنسا، وكم الوظائف المتوفرة هناك. وفور رحيل ناشد عن باكستان، دأب على تلقي رسائل مستمرة من زوجته وطفليه، يسألون فيها ما إذا كان قد وصل لباريس بعد أم لا، التي جعلت من المستحيل بالنسبة له الرجوع لوطنه مرة أخرى.             

ناشد طلب تأكيد صحة شائعة عرفها عن طريق تطبيق واتساب، يسأل عن بطاريات متنقلة شخصية يمكن للمرء أن يشحنها مثل الهاتف ويستخدمها لتطيل عمر بطارية الهواتف الذكية لـ100 ساعة؟ مثل هذا الشاحن سيغير عالمه هنا، حيث يوجد أقرب مقبس على بعد عدة كيلومترات.   

علامات:
تحميل المزيد