انتهت الانتخابات وبقي اليمين المتطرف خارج السلطة بالسويد.. لكن الأمر لم ينتهِ، فالدولة مقبلة على شيء من المجهول

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/10 الساعة 10:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/10 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
Ulf Kristersson, leader of Sweden's Moderate Party, speaks at an election party at the Scandic Continental hotel in central Stockholm

على الرغم من كل الذعر وعناوين الأخبار، لم يُدلِ 82% من الناخبين السويديين بأصواتهم لحزب ديمقراطيي السويد، أمس الأحد 9 سبتمبر/أيلول 2018، ولا توجد أي فرصة لاضطلاع القوميين المناهضين للهجرة بأي دورٍ رسمي في الحكومة المقبلة.

لكن كما هو حال جيرانها الإسكندنافيات قبلها، فإن السويد المنفتحة المزدهرة الليبرالية المتسامحة تبحر في مياهٍ مجهولة، إذ تواجه تمرداً يمينياً متطرفاً شعبوياً أصبح الآن قوة سياسية حقيقية، على الرغم من الأداء الانتخابي الذي سينظر إليه اليمين المتطرف باعتباره مُخيِّباً، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.

فكما حدث تدريجياً في الدنمارك والنرويج وفنلندا، يبدو حدوث شكل من التسوية، التي تتراوح بين التحالف البرلماني المؤقت وحتى تشكيل حكومة ائتلافية كاملة، أمراً حتمياً عاجلاً أم آجلاً. بل وربما يكون ذلك وشيكاً.

صعود تدريجي لليمين المتطرف في السويد

قفز حزب ديمقراطيي السويد، الذي تشكَّل أواخر الثمانينيات على يد النازيين الجُدد المتطرفين، في غضون 3 انتخاباتٍ فقط من نسبة 5.7% من أصوات الناخبين على المستوى الوطني في 2010، إلى 12.9% في 2014، ثُمَّ 17.7% هذه السنة بحسب النتائج الأولية الرسمية.

وربما أدَّى توغل حزب اليمين المتطرف للساحة السياسية إلى قلب أكثر النظم السياسية في غرب أوروبا استقراراً رأساً على عقب.

إذ حدَّدت نفس الكتلتين السياسيتين الراسختين السياسة السويدية على مدار عقود، والتحمتا مؤخراً في تحالف يتسم بالصفة الرسمية أكثر ويتألف من 4 أحزاب يقوده كل من حزب "المعتدلين" من يمين الوسط، والائتلاف بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر -مدعومين من حزب اليسار الشيوعي سابقاً- من يسار الوسط.

مخاوف صعود الشعوبيين متعددة.. أبرزها الهجرة

ويدفع صعود الشعبويين، الذي يعتمد على مجموعة من المخاوف السياسية البديلة -الهجرة، والاندماج، والهُوية، والجريمة، وشوفينية دولة الرعاية (أي قصر مزايا دولة الرعاية على مجموعات بعينها، لاسيما مواطني البلاد)- التي تتقاطع مع الانقسام السياسي التقليدي بين اليمين واليسار، باتجاه عملية إعادة اصطفاف ومواءمات جديدة كاملة.

واستمال حزب ديمقراطيي السويد -الذي كان حتى عام 2015 هو الحزب الوحيد الذي يعارض الهجرة بقوة وثبات- الناخبين، تارِكاً الحزب الاشتراكي الديمقراطي يتعرَّض لأسوأ نتيجة له في قرن، وتسبَّب في تراجع حزب المعتدلين بقوة عام 2014، وترك كتلتيهما بلا أمل في تحقيق أغلبية برلمانية.

كما تسبَّب الحزب أيضاً في كشف انقسامات عميقة داخل الكتلتين، ليس أقلها الانقسام حول أفضل السبل للتعامل مع حزب ديمقراطيي السويد نفسه. وربما يكون ديمقراطيو السويد قد خلَّصوا أنفسهم من أكثر عناصرهم فجاجة في عنصريتهم وخفَّفوا كثيراً من سياساتهم الأكثر تطرفاً، لكنَّ الحزب المناهض للهجرة لا يزال منبوذاً، في الوقت الراهن، من كل الأحزاب الأخرى.

تتساءل الصحيفة البريطانية: إذاً ماذا يحدث بعد ذلك؟ وتجيب: لا أحد يعلم. سيظل اتفاق عدم التعاون مع ديمقراطيي السويد قائماً. لكن الكثير من المحللين -وكذلك رئيس الوزراء المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، ستيفان لوفين– يشكون في أنَّه في ضوء هذه الفرصة قد لا ينتظر حزب المعتدلين على وجه الخصوص طويلاً لجسّ النبض بخصوص التعاون مع ديمقراطيي السويد.

وقال نيكولاس آيلوت من جامعة سوديرتون: "الطوق الصحي بدأ يبلى"، ويقصد بذلك أنَّ إطار عدم التعاون مع حزب ديمقراطيي السويد بدأ يتفكك ويهترئ.

مخاض تشكيل الحكومة

لكن أولاً ستخوض السويد عملية مُعقَّدة وفوضوية وربما طويلة لمحاولة تشكيل حكومة بصورة جديدة عبر الانقسام التقليدي بين اليسار واليمين. لكن قد يَثبُت أنَّ ذلك أكثر من أن يُقبَل، خصوصاً بالنسبة لحزب اليسار الذي كان شيوعياً فيما سبق.

ويُعَد تشكيل "ائتلاف كبير" على النمط الألماني بين الحزبين الرئيسيين، الاشتراكي الديمقراطي والمعتدلين، ممكناً نظرياً، ولو أنَّه مُستبعَد، لأنَّ الطموح الأكبر لحزب المعتدلين هو الإطاحة بالحزب الاشتراكي الديمقراطي من الحكم. لكن يبدو أنَّ الأمر الأكثر احتمالاً هو تشكيل حكومة أقلية أخرى، على الأرجح من يمين الوسط.

وترى الصحيفة البريطانية أن هذا ممكن، لأنَّ الحكم في السويد لا يتطلَّب من الحكومات أن تُظهر امتلاكها لأغلبية، بل يكفي ألا تكون هناك أغلبية ضدها. ووفقاً لآيلوت، فإنَّ رئيس الوزراء الجديد قد يكون في النهاية هو "المرشح الأقل نفوراً في نظر أعضاء البرلمان".

وربما تكون النتيجة هي ظهور حكومة ضعيفة، لكن ليس بالضرورة عاجزة أو ضعيفة. فيستشهد أندريس سانرستادت، وهو أستاذ علوم سياسية بجامعة لوند، بدراسة تُظهِر أنَّ البلدان المعتادة على حكومات الأقلية غالباً ما تحقق نتائج أفضل، ربما لأنَّ هذا النوع من الحكومات يتطلَّب اتفاقات براغماتية عابرة للأحزاب.

لكنَّ من شأن مثل هذه الحكومة اليمينية أن تعتمد بالضرورة على دعم حزب ديمقراطيي السويد، الذي ستكون قدرته كبيرة على إنجاح أو إفشال أي حكومة أقلية يمينية. مع ذلك، لا يتوقع أحد أن تنحدر السويد إلى الفوضى. فقالت آنا أندرادي، من وحدة استخبارات مجلة Economist البريطانية: "للسويد تاريخ طويل في عملية صنع السياسة القائمة على التوافق. ستتوصل الأحزاب إلى اتفاق".

لكن في حال أُبقي حزب ديمقراطيي السويد بعيداً عن الحكومة رسمياً هذه المرة، فإنَّ دخولهم التدريجي إلى العملية السياسية السويدية -الذي سيبدأ بشكل شبه مؤكد بدعم حكومة أقلية من يمين الوسط بين الحين والآخر- يبدو الآن مجرد مسألة وقت.

وقالت آن-كاثرين يونغار، وهي متخصصة في اليمين المتطرف بجامعة سودرتورن: "إن استمرت الأمور في نفس الاتجاه الذي تسير فيه سيحدث هذا. لقد أصبح اليمين المتطرف في الدنمارك والنرويج والنمسا مقبولاً الآن أكثر من تيار يمين الوسط. وبإمكاني توقُّع حدوث هذا هنا (في السويد)".