4 أعوام مرَّت على العملية العسكرية التي قامت بها روسيا في شبه جزيرة القرم الأوكرانية وضمها لموسكو، عاش فيها مسلمو القرم -الذين تعود أصولهم إلى المسلمين التتار- أبشع صور الاضطهاد العراقي، مما ذكرهم بما كان يخطط لهم قبل قرن من الزمن.
سي جيه ويرلمان، الكاتب بموقع Salon الأميركي، اعتبر أن التتار المسلمين يدفعون ثمن موقفهم الرافض للتدخل الروسي في أوكرانيا، ولكن بطريقة تحاول السلطات الروسية أن تظهر عكسها.
وفي مقال لويرلمان في موقع Middle East Eye البريطاني، قال إن لم تكن سمعت عن التتار المسلمين قط، فأنت إذاً لا تعلم بشأن حملة الإرهاب التي شنَّها الاتحاد السوفيتي ضد هذه الأقلية الناطقة بالتركية. وحتى لو كنت تعلم بشأن استخدام جوزيف ستالين للميليشيات الملحدة لإبادة السكان الأصليين لشبه جزيرة القرم، فلعلك لا تدري بشأن جهود روسيا الأخيرة والمستمرة للتطهير العرقي ضد هذه الأقلية المسلمة غير المعروفة.
وكان القيادي بالمجلس القومي لتتار القرم زائر سميدلاييف قال في مقابلة مع شبكة الجزيرة مؤخراً: "من المحتمل جداً أن يُعلَن غداً أنَّ تتار القرم هم أفظع المجرمين، وستكون تلك ذريعة لمذبحةٍ جديدة".
وتأسس المجلس عام 1991، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كهيئة مُمثِّلة الهدف منها نقل قضايا التتار وإرسال مظالمهم إلى الحكومة المركزية الأوكرانية، والحكومة الإقليمية للقرم، والمؤسسات الدولية.
احتلال غير قانوني
وأضاف الكاتب الأسترالي لكن حين أضفتْ روسيا الطابع الرسمي على احتلالها غير القانوني للقرم في 2014، اختار المجلس مقاطعة الاستفتاء الذي أقامه الكرملين، خوفاً من عودة الأهوال التي مارسها الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين -وأدَّت إلى ضرب المجاعة لنصف السكان التتار المسلمين في فترة ما بعد الحرب- عليهم من جديد.
وبحسب المقال حين رفض التتار المسلمون التعاون مع السلطات الروسية-القرمية، اتهم الكرملين المجلس بأنَّه منظمة "إسلامية متطرفة"، ووصفهم بأنَّهم "انفصاليون" و"إرهابيون"، ثُمَّ طبَّق مجموعة كبيرة من القوانين تضمَّنت فرض حظر على التجمعات العامة للتتار المسلمين وعلى كتبهم الدينية.
ولم يُخفِ السياسيون الروس هدفهم الشرير لتطهير القرم عِرقياً من 250 ألف تتاري مسلم، فيما يُطلِقون عليه "نزع الطابع التركي"، ويحث البعض منهم تغيير اسم القرم إلى "تافريدا" أو "تافريا" لفصل تتار القرم عن "الأرض التي نشأوا وترعرعوا عليها".
وفي عام 2017، أصدرت بعثة المراقبة التابعة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في أوكرانيا أول تقاريرها عن حالة حقوق الإنسان في القرم، وخلصت إلى أنَّ ظروف التتار المسلمين "تدهورت بصورة كبيرة في ظل الاحتلال الروسي".
مداهمات ليلية
وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، يقوم جهاز الأمن الفيدرالي الروسي بمداهمات منزلية ليلية للتتار المسلمين الذين يُعبِّرون عن انتقادهم للاحتلال الروسي علناً أو على الإنترنت، ورصدت المنظمة أنَّ الكثيرين اعتُقِلوا، وعُذِّبوا، وسُجِنوا لمجرد مناقشتهم لتفسيرات القرآن والنصوص الإسلامية الأخرى.
ووفقاً للمنظمة، تعرَّض مسلمٌ من تتار القرم كان يعمل بقالاً في سوقٍ محلية بمسقط رأسه بمنطقة نيجنيغورسكي، للاعتقال في 13 سبتمبر/أيلول 2017، للاشتباه في تورّطه مع مجموعة "متطرفة". وبعدما ركل عملاء جهاز الأمن الفيدرالي وأسقطوا الباب الأمامي لمنزل شخص يُدعى رينات بارالاموف، قيَّدوا يديه وقدميه وجرُّوه إلى شاحنةٍ مُنتظِرة أمام ناظري زوجته وأطفاله. ووفق المنظمة، لم يكن لدى أسرته أي معلومات عن مكان لأكثر من 24 ساعة.
وفي الحجز، قام جهاز الأمن الفيدرالي "بوضع كيس على رأسه… وعذَّبوه بالصدمات الكهربائية". وأيضاً "لكموه في صدره وضربوه على مؤخر رأسه"، وطلب منه العملاء في النهاية أن يعمل مخبراً لصالح الجهاز، وأن يحضر اجتماعات التتار المسلمين، وينقل لهم المعلومات.
فرَّ بارالاموف من أسرته إلى أوكرانيا، مُلتحِقاً بأكثر من 40 ألف تتاري مسلم آخرين قاموا بالأمر ذاته منذ بدء الاحتلال الروسي في 2014، بحسب الموقع البريطاني.
وتابع الكاتب الاسترالي أخبرني تتاري مسلم فرَّ إلى تركيا، في فبراير/شباط الماضي، وطلب اللجوء هناك، كيف أنَّه اعتُقِل وضُرِب لمجرد إعرابه عن معارضته للاحتلال الروسي لصديقٍ له على مقهى محلي. وقال: "لا أنتمي لأي مجموعة انفصالية أو متطرفة. ما تحاول روسيا عمله ليس صائباً، وأعتقد أنَّ الكثير المزيد من التتار المسلمين سيحاولون مغادرة ديارهم قريباً".
انتهاك القانون الدولي
يفرض القانون الدولي على روسيا، باعتبارها قوة احتلال، عدم ممارسة تجريم الأنشطة التي لم تكن مُجرَّمة سابقاً في القرم، وهي مُلزمة بـ"احترام حقوق السكان القرميين، بما في ذلك حرية الرأي والتعبير، والتجمُّع، وتكوين الجمعيات، والاعتقاد، وعدم التعرُّض للاحتجاز القسري والمعاملة السيئة، بما في ذلك التعذيب، والحق في الحصول على محاكمة عادلة، ومراعاة الإجراءات القانونية الواجبة، والخصوصية".
لكنَّ روسيا تضطهد التتار المسلمين بما يُشكِّل انتهاكاً مباشراً لقوانين وقواعد حقوق الإنسان الدولية، وتعتقل وتسجن الكثيرين عبر مساواتها بين الاحتجاج والخطاب غير العنيف بأعمال التطرف والإرهاب.
وبحسب الكاتب فإن هدف روسيا واضح: ترسيخ احتلالها وضمَّها غير القانوني للقرم بصورةٍ أكبر من خلال السعي للقضاء على السكان الأصليين للمنطقة. ولا تختلف أهدافها ووسائلها عن تلك التي تستخدمها إسرائيل ضد الفلسطينيين، أو ميانمار ضد مسلمي الروهينغيا، أو الصين ضد مسلمي الأويغور في تركستان الشرقية، أو الهند ضد اللاجئين البنغال في ولاية آسام.
في عام 1920، ورد أنَّ الزعيم الروسي فلاديمير لينين كتب بشأن نيته إبادة تتار القرم المسلمين، وتعهَّد قائلاً: "سنعتقلهم، ونُقسِّمهم، ونُخضِعهم، ونستوعبهم".
وبعد مرور قرن، يواجه التتار المسلمون نفس الأزمة الوجودية من نفس الخصم: روسيا.