إما إيران وإما أميركا.. فاختاروا! ترمب يتجاوز تهديد طهران إلى تخويف العالم

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/08 الساعة 18:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/09 الساعة 05:02 بتوقيت غرينتش

وسَّع دونالد ترمب التهديدات ضد إيران لتشمل كل من يتعامل معها تجارياً، معلناً على "تويتر" أنَّ "أي دولة تتعامل تجارياً مع إيران، لن يُسمح لها بالتعامل تجارياً مع الولايات المتحدة. أطلب السلام العالمي، لا أقل من ذلك".

إذا أخذنا هذه التغريدة الصباحية حرفياً، فهذا سيعني بداية جبهة جديدة في المعركة الاقتصادية الأميركية مع الأوروبيين، الذين أبقوا على الاتفاق النووي، فضلاً عن العديد من الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم، التي تعزم على القيام بأعمال تجارية في إيران.

الاتفاق النووي جزء من مواجهة أكبر حول نظرة ترمب إلى العالم

هناك بالفعل خلاف بين الولايات المتحدة والأطراف الأخرى -الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي- بشأن التوافق حول مجموعة من القضايا التي تتجاوز الاتفاق الإيراني. وتشمل هذه القضايا التجارة والرسوم الجمركية (مع الصين والاتحاد الأوروبي)، والإنفاق الدفاعي (مع أعضاء الاتحاد الأوروبي في حلف الناتو)، وتغيُّر المناخ (الصين وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي)، والعقوبات (روسيا).

وفي حين قد تنظر إدارة ترامب إلى هذه القضايا باعتبارها منفصلة عن قضية إيران النووية، فإنَّ هذه الدول وشعوبها ستراها على نحو شبه مؤكد كجزء من مواجهة أكبر مع الولايات المتحدة حول الكيفية التي يرى بها ترمب العالم.

وأميركا قد لا تتمكن من إجبار حلفائها على تنفيذ طلباتها

ليس من الواضح أيضاً أنَّ الولايات المتحدة تستطيع إجبار دول أخرى -من ضمنها حلفاؤها– على تنفيذ طلباتها. سوف تغادر الشركات الأميركية وكبرى الشركات الأجنبية إيران تحت تهديد العقوبات، لكن الشركات الأصغر حجماً والشركات التي لا صلة لها بالولايات المتحدة إلا على نحوٍ محدود، قد تستمر في البحث عن فرص بالجمهورية الإسلامية، وهذا يضمن أنَّ العقوبات الأميركية لن يكون لها الأثر المنشود، وبالتأكيد لن تكون "العقوبات هي الأقسى على الإطلاق"، كما توعَّد ترمب.

وقال نائب المُنسِّق السابق لسياسة العقوبات في وزارة الخارجية الأميركية والذي كان ضمن الفريق الأميركي الذي تفاوض على الصفقة الإيرانية، ريتشارد نيفيو، لمجلة The Atlantic: "أعتقد أن أسهل طريقة للالتفاف على العقوبات تأتي من الطريقة التي نُطبِّق بها هذه العقوبات، من خلال تقسيم الشراكة الخاصة بنا".

وأضاف: "إنَّ حقيقة أننا نواجه أوروبا بدلاً من أن نعمل معها تعني أنَّنا لن يكون لدينا نظام عقوبات على مستوى الاتحاد الأوروبي الذي نعمل معه. وبدلاً من ذلك، سيدور الأمر كله حول من يستفيد في الولايات المتحدة ومن لا يستفيد، ومن لديه مصالح اقتصادية في الولايات المتحدة ومن ليس لديه. وهذه طريقة سيئة لإنجاح العقوبات، خاصة مع أقرب شركائنا. وأعتقد أنَّ هذا سيؤدي فقط إلى توليد ثغرات، حتى بين بعض أقرب حلفائنا".

أوباما أجبر إيران على التفاوض من خلال العقوبات المنسقة دولياً

نجحت إدارة باراك أوباما في فرض عقوبات دولية مُنسَّقة على إيران. أدت هذه القيود إلى إغراق إيران في حالةٍ من الركود، ودفعتها في نهاية المطاف إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع المجتمع الدولي؛ الأمر الذي أسفر عن الاتفاق النووي الإيراني، المعروف رسمياً بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة".

وترمب يطلب ويهدد.. الأعداء والحلفاء!

من المستبعَد أن يكون للعقوبات التي فرضها ترمب، رغم قوتها بشكلٍ كافٍ، الأثر نفسه؛ لأنها في المقام الأول لا تتمتع بنوع التعاون الدولي نفسه. لكن مسؤولي إدارة ترمب اجتمعوا مع نظرائهم من أكثر من 20 دولة؛ لمناقشة العقوبات، والعمل على بناء تحالف ضد إيران.

وقال مسؤول رفيع المستوى بالإدارة الأميركية في تصريحات للصحافيين يوم الإثنين 6 أغسطس/آب 2018: "ما أستطيع أن أخبركم به على وجه التحديد، هو أننا أوضحنا جداً أنَّ هذا الأمر التنفيذي سيُطبَّق بقوة والصلاحيات الأخرى التي لدينا بموجب التشريع الصادر". وأضاف: "سنعمل مع الدول حول العالم من أجل القيام بذلك، لكننا عازمون بكل تأكيد على استخدام هذه الصلاحيات".

رغم اعتراف إدارته بامتثال إيران للاتفاقية

انتقدت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة انسحاب الولايات المتحدة من "خطة العمل الشاملة المشتركة". هم يقولون -وفي الواقع يعترف مسؤولو إدارة ترمب بذلك- إنَّ إيران تمتثل للاتفاق.

تقول إدارة ترمب إن الاتفاقية التي أُبرمت في عهد أوباما لا تضمن بشكلٍ كافٍ وقف تدخلات إيران الإقليمية، وبرنامجها الصاروخي، والتهديد الذي تُشكِّله لإسرائيل. في المقابل، يقول الموقّعون الآخرون على الاتفاقية -وضمن ذلك الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي- إنَّ "خطة العمل الشاملة المشتركة" كانت تهدف فقط إلى معالجة تهديد برنامج إيران النووي، وهو ما نجحت فيه بالفعل.

الاقتصاد الإيراني على موعد صعب في نوفمبر

استهدفت العقوبات الأميركية التي أُعلِنَ عنها يوم الإثنين 6 أغسطس/آب 2018، قطاع الصناعة الإيراني والمعاملات التجارية التي تشمل الدولار الأميركي والريال الإيراني وإصدار الديون السيادية الإيرانية. كما فرضت قيوداً على قطاع الطيران المدني الإيراني، والأهم من ذلك، قطاع صناعة السيارات. وكشفت شبكة "سي إن إن" الأميركية أن نحو 100 شركة عالمية تنوي المغادرة.

بالتأكيد، سيتأثر اقتصاد إيران، المُتَرنِّح منذ فترة طويلة جراء العقوبات الدولية، سلباً -على الرغم من أنَّ العقوبات الأميركية الأقسى، التي تستهدف صادرات النفط الإيرانية، ستدخل حيز التنفيذ في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

وأميركا تؤكد أن الهدف هو الضغط لإدخالها في مفاوضات من جديد

تقول الولايات المتحدة إنَّ الهدف من عقوباتها هو الضغط على النظام الإيراني للدخول في محادثات مع الولايات المتحدة حول جميع القضايا، وضمنها البرنامج النووي وانخراطها السياسي والعسكري في سوريا واليمن ولبنان والعراق، وتهديداتها لإسرائيل، وبرنامجها للصواريخ الباليستية، وسجلّها السيئ في حقوق الإنسان. ومن جانبها، تقول إيران إنَّها لن تدخل في محادثات مع الولايات المتحدة طالما تخضع للعقوبات وطالما بقيت الولايات المتحدة خارج "خطة العمل الشاملة المشتركة".

أما أوروبا فتبحث عن مخارج لحماية شركاتها

توصَّل الاتحاد الأوروبي، الذي يريد الحفاظ على الاتفاق النووي، على نحوٍ خاص به، إلى ما يُعرف باسم آليات المنع، التي من شأنها معاقبة الشركات الأوروبية التي تمتثل للعقوبات الأميركية. لكن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي يقرون بأنَّه ليس هناك ما يمكنهم فعله جدّياً لإلزام كبرى الشركات الأوروبية، التي تمتد عملياتها التجارية في جميع أنحاء العالم وتعتمد بشكل كبير على الدولار الأميركي في المعاملات الدولية، لتحدي إجراءات إدارة ترمب.

في نهاية المطاف، فإنَّ احتمالية فقدان إمكانية الوصول إلى السوق الأميركية أصعب بكثير من احتمالية خسارة المستهلكين الإيرانيين. لكن، ما يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي هو تشجيع شركاته الأصغر حجماً التي لديها معاملاتٌ محدودة مع الولايات المتحدة على القيام بأعمال في إيران.

وعلى الرغم من أنَّ هذه الشركات لن تكون قادرة على توفير الأرباح المالية التي وعدت بها "خطة العمل الشاملة المشتركة" للجمهورية الإسلامية، ستسمح للاتحاد الأوروبي بالقول إنَّه لا يزال يحتفظ بروح الاتفاق الذي يضمن منافع اقتصادية وسياسية لإيران مقابل تجميد برنامجها النووي.

وإيران اكتسبت من الأزمة دفاع أوروبا عنها لأول مرة منذ الثورة

في هذه الأثناء، على الرغم من أنَّ "خطة العمل الشاملة المشتركة" ربما تكون قد قدَّمت لإيران فوائد اقتصادية محدودة، فإن الانسحاب الأميركي من الاتفاق قدَّم للجمهورية الإسلامية الإيرانية نوعاً من المنفعة السياسية التي كان من الصعب أن تحلم بها. ربما للمرة الأولى منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، التي قطعت علاقة إيران بشكلٍ عام مع الغرب، تقول قوى عالمية، باستثناء الولايات المتحدة، إنَّها تعتقد أنَّ طهران ملتزمة بالتزامها بالاتفاقية الدولية، في حين أن الولايات المتحدة هي المُنتَهِكَة لها.

تقول الأطراف الأخرى في "خطة العمل الشاملة المشتركة" أيضاً، إنَّهم يريدون إنقاذ الصفقة. تتمتع روسيا والصين بعلاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع إيران، وسيكون من الصعب أكثر على الولايات المتحدة إقناعهما بالتخلي عن التعاملات مع إيران. روسيا وإيران حليفتان في سوريا، وتعد الصين أكبر مشترٍ للنفط من إيران ولديها استثمارات كبيرة في الطاقة والبنية التحتية بالبلاد.

وماذا عن الأسواق الكبرى.. روسيا والصين وتركيا واليابان؟

ثم هناك تلك البلدان التي ليست طرفاً في "خطة العمل الشاملة المشتركة"، لكن لديها مصالح هامة في إيران: هناك الهند، التي تعتمد بشكل كبير على الجمهورية الإسلامية لتلبية احتياجاتها من الطاقة؛ وهناك تركيا، وهي قوة إقليمية ذات علاقات تجارية وثقافية عميقة مع إيران؛ واليابان، مستورد للطاقة الصافية التي تعتمد بشكل كبير على الإمدادات الإيرانية.

لذلك، من المرجح أن تسعى العديد من هذه الدول إلى الحصول على إعفاءات من الولايات المتحدة لمواصلة تعاملهم مع إيران. وقال غاريت بلانك، منسق وزارة الخارجية الأميركية في عهد أوباما للاتفاق النووي، في الاجتماع الهاتفي نفسه الذي قال فيه نيفيو إنَّ التعاملات التجارية المستقبلية مع إيران ستكون -على الأرجح- خارج أوروبا.

وقال بلانك: "إنَّ الأوروبيين لديهم دور يلعبونه هنا، لكنَّه ليس الدور الأكبر بأي حال من الأحوال". وأضاف: "هذا جزء من السبب الذي يجعلني أعتقد أنَّه من الصعب جداً علينا بالولايات المتحدة وعليكم في أوروبا تتبُّع حقيقة ما يجري؛ لأن أي مفاوضات تجري الآن، على سبيل المثال، بين طهران وبكين، وطهران ونيودلهي، ستكون غامضة بالنسبة لنا أكثر من المحادثات التي تجري مع أوروبا".

لكن مسؤولي إدارة ترمب يؤكدون باستمرار، أنَّ هدفهم هو إنهاء جميع واردات النفط الإيرانية. وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية، للصحافيين، يوم الإثنين 6 أغسطس/آب 2018: "إننا لا نتطلع إلى منح إعفاءات أو تنازلات، لكنَّنا نُرحّب بمناقشة ودراسة الطلبات على أساس كل حالة على حدة".

لا يتضح كيف يتلاءم ذلك مع تغريدة الرئيس الأميركي صباح الثلاثاء 7 أغسطس/آب 2018، لكن بكلمات الرئيس: "لقد فُرضت رسمياً العقوبات على إيران".

تحميل المزيد