بوتين انتصر على ترمب في قمة هلسنكي.. الرئيس الروسي ظل يحلم بهذا اللقاء 18 عاماً، و”سرق” تصريحاً هاماً من نظيره الأميركي

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/17 الساعة 16:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/18 الساعة 12:47 بتوقيت غرينتش
Presidente da Rússia, Vladimir Putin, e presidente dos Estados Unidos, Donald Trump, em encontro bilateral durante cúpula do G20 em Hamburgo, Alemanha 07/07/2017 REUTERS/Carlos Barria

اعتبرت صحيفة New York Times الأميركية، أن القمة التي عقدت بين الرئيسين الأميركي والروسي في فنلندا، كانت بمثابة انتصار لفلاديمير بوتين، الذي انتظر هذا اللقاء 18 عاماً.

وقالت الصحيفة الأميركية، لم يحصل بوتين على تأييد الرئيس الأميركي دونالد ترمب لاستيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم، ولم يتمكن من إقناعه برفع العقوبات المفروضة على روسيا، أو وقف سباق التسلح الجديد الذي تعد موسكو غير قادرةٍ على تحمله، ولم يُبرِم أي اتفاقٍ بشأن أيٍ من القضايا الأخرى التي سممت العلاقات بين البلدين، لكنَّه حصل على أكثر مما يحتاج إليه من اجتماع هلسنكي.

وركزت الصحيفة الأميركية على تصريح ترمب أنَّه مهما قال مجتمع الاستخبارات الأميركية عن تدخل موسكو في انتخابات عام 2016، ومهما كان حجم الضرر الذي تسببه الأفعال الروسية في أوكرانيا، فإنَّ بوتين أصبح شخصاً مرحباً به مرةً أخرى في نادي قادة العالم.

ترمب لم يقدم تنازلات كبيرة، فكيف استفاد بوتين؟

وفي حين يبدو أنَّ بوتين لم يحصل على أي تنازلاتٍ كبيرة من ترمب، إلا أنَّ وكالات الأنباء الروسية التي تتحكم بها الدولة أعلنت، نقلاً عن وزير الخارجية سيرغي لافروف، أنَّ اجتماعهما كان "أفضل من ممتاز" و"رائعاً".

إذ أعلن المذيع في قناة Rossiya 24، وهي قناة إخبارية مملوكة للدولة تقدم رواية الكرملين للأحداث، أنَّه "في ظل هذه الظروف، فإنَّ مجرد الحوار الجيد هو بحد ذاته صفقةٌ كبيرة. وأظهر كلا الرئيسين استعداداً للتوصل إلى اتفاق".

الرئيسان الأميركي والروسي في هلسنكي
الرئيسان الأميركي والروسي في هلسنكي

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإنه بشخصيته التي تجمع بين الجد والهزل، أدار بوتين المؤتمر الصحفي الذي عقده الزعيمان من خلاله إتقانه للتفاصيل السياسية وأسلوبه المسرحي، حتى أنَّه جعل ترمب يأخذ إنكاره لتدخل روسيا في الانتخابات الأميركية لعام 2016 على محمل الجد أكثر من استنتاجات وكالات الاستخبارات الأميركية.

وظهر ترمب بشخصيةٍ أقل هيمنة في المؤتمر الصحفي، وترك الساحة لبوتين ليشرح السياسة الأميركية بشأن شبه جزيرة القرم، وأومأ برأسه حينما سخر الرئيس الروسي من اتهامات التواطؤ بين حملة ترمب وموسكو باعتبارها "هراء مطلق".

حتى أنَّ بوتين أحضر معه كرة قدم، وأعطاها لترمب بعد الإشادة بنجاح روسيا في استضافة كأس العالم وقال له: "الكرة الآن في ملعبك".

هل ترمب وقع في فخ الفضيحة أثناء زيارته لروسيا قبل أن يصبح رئيساً؟

وعندما سأل صحفي ما إذا كانت روسيا لديها مواد فاضحة تخص ترمب، في إشارةٍ إلى تقارير بوجود فيديو لترمب مع عاهرات خلال زيارته إلى موسكو عام 2013، ضحك الرئيس الروسي قبل أن يُصر على أنَّ ترمب كان واحداً من مئات رجال الأعمال الذين زاروا روسيا، وأنَّه لم يكن يعلم في ذلك الوقت أنَّ ترمب في موسكو.

وأعلن ترمب للصحفيين أنَّه قبل لقاء بوتين أمس الإثنين 16 يوليو/تموز 2018 في قاعة المرايا في قصر الرئاسة الفنلندي، فإنَّ العلاقة بين موسكو وواشنطن "كانت في أسوأ حالاتها".

وقال ترمب: "لقد تغير ذلك منذ حوالي أربع ساعات مضت، أنا أؤمن حقاً بذلك".

لكنَّ كثيرين لا يؤمنون بذلك، تماماً كما يشك الكثيرون في ادعاء ترمب بعد اجتماعه في مايو/أيار مع الزعيم الكوري الشمالي بأنَّه تمكن من حل الأزمة النووية الكورية.

بالنسبة لبوتين، الذي شعر بخيبة الأمل لعدة أشهر بسبب فشل ترمب في الوفاء بوعوده المتكررة "بالتوافق مع روسيا"، فإنَّ أول اجتماع رسمي بين الزعيمين أعاد لروسيا إلى ما يعتبره بوتين دوراً لا غنى عنه ولا يمكن إنكاره كواحدةٍ من بين اثنتين من القوى الكبرى المسؤولة عن تسوية شؤون العالم.

أهداف بوتين الاستراتيجية

وقال نوربيرت روتغن، رئيس لجنة السياسة الخارجية في البرلمان الألماني للصحيفة الأميركية: "عودة بوتين مرةً أخرى للوقوف على قدم المساواة رأساً برأس مع الرئيس الأميركي كانت أحد الأهداف الاستراتيجية الرئيسية لبوتين، وقد بدأ في تحقيق هذا الهدف الرئيسي".

لكنَّ روتغن أضاف أنَّه على الرغم من المخاوف الأوروبية، لم يفز بوتين بتنازلاتٍ من شأنها أن تضر حلفاء أميركا الغربيين. فالعديد من الأوروبيين سيشعرون بالسرور بأنَّ واشنطن وموسكو "قد بدأتا في الحديث مرةً أخرى، وهذا أمرٌ جيد في قضايا مثل منع انتشار الأسلحة النووية وسوريا وأمن إسرائيل".

الرئيس الروسي يمنح نظيره الأميركي كرة
الرئيس الروسي يمنح نظيره الأميركي كرة

وقال جيريمي شابيرو، وهو دبلوماسي أميركي سابق يعمل الآن في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنَّ الحلفاء الأوروبيين سيشعرون بالارتياح لأنَّ ترمب لم يعلن إلغاء المناورات العسكرية، كما فعل بعد لقائه في مايو/أيار مع كيم جونغ أون، أو يقدم تنازلاتٍ كبرى أخرى.

لكنَّ الحلفاء كما قال شابيرو "سيلاحظون أنَّ هذا الرئيس الأميركي مهتم بالسياسة الداخلية أكثر من اهتمامه بالجغرافيا السياسية أو أي شيء له علاقة بأوروبا".

وقال إنَّ ترمب يريد التأكد من أنَّ الاتهامات بشأن روسيا لا تشوه انتصاره في الانتخابات.

وأضاف: "إنَّه لا يقلق من الاقتراب من روسيا الآن، فلن تمانع قاعدته الانتخابية ذلك ولن يتخلى عنه مؤيدوه".

جديرٌ بالذكر أنَّ بوتين، ذا النزعة الوطنية الفخور بروسيا والمتحفز دائماً، لطالما شعر بالاضطهاد بسبب طرد روسيا من مجموعة الدول الديمقراطية السبع الصناعية بعد ضمها لشبه جزيرة القرم في عام 2014، وفرض العقوبات عليها، واعتبار أوباما أنَّ دولته قد أصبحت "قوةً إقليمية" وليس عالمية، بحسب الصحيفة الأميركية.

بوتين: نريد أن يسمعنا أحد!

وعندما كشف بوتين النقاب عن ما وصفه بالأسلحة الجديدة "التي لا تُقهَر" في خطاب حالة الأمة الذي ألقاه في موسكو في مارس/آذار، شكا بمرارة من أنَّه "لا أحد يريد حقاً التحدث إلينا". وأضاف: "استمعوا الآن!"

أظهر الاجتماع الذي عقد في هلسنكي على الأقل أنَّ الولايات المتحدة تستمع، بل ومستعدةٌ للتجاوز عن ضم موسكو لشبه ضم جزيرة القرم؛ وعلى إسقاط الطائرة MH17، وهي طائرة ركاب كانت متجهة من أمستردام إلى كوالالمبور مروراً بشرق أوكرانيا في يوليو/تموز 2014؛ وعلى تدخلها في الانتخابات الأميركية.

وقالت ألينا بولياكوفا من معهد بروكينغز: "هذا هو الرئيس الأميركي الرابع  في عهد بوتين، وهذه هي القمة التي يحلم بها منذ 18 عاماً. تمكَّن بوتين أخيراً من تقديم نفسه على أنَّه رجل دولة عالمي يسمو فوق توافه السياسة، ويقدم نفسه وروسيا كوسيط رئيسي للسلام والمساعدات الإنسانية".

وتهرب ترمب من سؤالٍ حول ما إذا كان يثق في إنكار بوتين لأي تدخلٍ في الانتخابات الأميركية أكثر من ثقته في تقييم وكالات الاستخبارات الأميركية بوجود تدخل روسي بالفعل، لكنَّه قال "لا أرى أي سببٍ لذلك التدخل المزعوم"، بحسب الصحيفة الأميركية.

ومثل ترمب، الذي قال قبل الاجتماع إنَّه "لديه توقعات منخفضة" لنتائج القمة، قلَّل الكرملين أيضاً من احتمال حدوث انفراجةٍ مذهلة في العلاقات.

هذا الأمر جعل النخبة السياسية في روسيا تشيد بنتائج الاجتماع قبل أن ينتهي، وتبتهج بأنَّ ترمب، بمجرد الاجتماع مع بوتين على قدم المساواة، اعترف بروسيا كقوةٍ عالمية، وليس قوةٍ إقليمية.

وقال ألكسي بوشكوف، وهو عضو في مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي ورئيس سابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، في تغريدةٍ بعد ظهر يوم الإثنين 16 يوليو/تموز 2018 بينما كان الرؤساء لا يزالون يتحدثون: "من المضحك أن نتذكر هراء أوباما وأمثاله حول روسيا باعتبارها "قوة إقليمية ضعيفة"".

وقال في التغريدة: "اليوم، هلسنكي محط أنظار العالم، ومن الواضح تماماً أنَّ روسيا والولايات المتحدة هما من يقرران مصير العالم، وأنَّ قادة القوى الكبرى في العالم يلتقون".

بوتين "سرق" التصريح من ترمب!

وبحسب الصحيفة الأميركية، في ما يتعلق بأوكرانيا، قضية السياسة الخارجية التي قسمت واشنطن وموسكو، ترك ترمب لبوتين الساحة للكلام، حتى أنَّ الرئيس الروسي أجاب على سؤالٍ طُرح على ترمب حول القرم، قائلاً إنَّ ترمب أخبره أنَّه يعتبر ضم شبه الجزيرة غير قانوني، لكنَّ روسيا اعتبرته صفقةً محسومة.

وقالت بولياكوفا: "هنا لا يأخذ بوتين دور رجل دولة كبير فحسب، بل دور المتحدث نيابةً عن الرئيس الأميركي أيضاً. وترمب هز رأسه بحماسة وترك بوتين يدير العرض".

ترمب وبوتين في القمة
ترمب وبوتين في القمة

وقال بوتين في كلمته الافتتاحية إنَّ الجانبين اتفقا على تحسين العلاقات الاقتصادية، التي كان من المفترض أن تتقلص بفعل العقوبات الأميركية ضد روسيا بعد أزمة أوكرانيا والتدخل في الانتخابات.

وأضاف بوتين: "اتفقنا على إنشاء مجموعة عمل رفيعة المستوى تجمع قادة الأعمال الروس والأميركيين. بعد كل شيء، فإنَّ رواد ورجال الأعمال يعرفون بشكلٍ أفضل كيفية تحقيق هذا التعاون التجاري الناجح".

بعد الأزمة الأوكرانية، انسحبت الولايات المتحدة من مجموعة عمل مكونة من رجال أعمال كانوا يجتمعون بانتظام منذ منتصف التسعينيات. وفي حين أنَّ إحياء هذه المجموعة يعتبر خطوةً صغيرة، إلا إنه يشير إلى تخفيف الضغط الاقتصادي على روسيا. وقال بوتين في إشارةٍ إلى التعاون الاقتصادي: "من الواضح أنَّ الشركات في كلا البلدين تهتم بهذا الأمر".

وأشار جيمس نيكسي، الذي يدرس شؤون روسيا في معهد تشاتام هاوس، وهو معهد أبحاث في لندن، إلى "الهوة الهائلة بين كلمات الإشادة المتبادلة الدافئة نسبياً والافتقار إلى أي تفاصيل حول أي محتوى".

وقال نيكسي: في كلماته الدافئة، يبدو ترمب متملقاً بعقلانية، وأظهر عدم استعداده المطلق لانتقاد بوتين".

وأضاف أنَّه عندما سئل ترمب حول إمكانية إلقاء اللوم على كلا الجانبين بشأن العلاقة المضطربة، قال ترمب نعم "لكنَّه فقط تحدث عن جانبه وفضل العودة إلى ما يعرفه أكثر، الانتخابات، حيث يشعر أنَّه قادر على الأداء ".

علامات:
تحميل المزيد