لماذا كرهت روسيا التوجه نحو الغرب وباتت تحنُّ لماضيها القديم؟.. كلمة السر هي القبيلة الذهبية

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/08 الساعة 10:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/08 الساعة 13:26 بتوقيت غرينتش
Russian President Vladimir Putin attends a news conference following a live nationwide broadcast call-in in Moscow, Russia June 7, 2018. REUTERS/Sergei Karpukhin

قد يتفاجأ القارئ عندما يعلم أن روسيا التي تريد أن تتحكم في زمام الأمور في نصف الكرة الأرضية الشرقي لم تعد بحاجة إلى التقارب نحو الغرب، بل بالعكس تريد أن تعود إلى الوراء مئات السنيين، حتى تصل إلى القبيلة الذهبية وحكم المغول الذي كان يخضع كل هذه المنطقة تحت حكمه، ولكن هذا بالفعل الذي تريده موسكو.

فبحسب تقرير لصحيفة  The Wall Street Journal الأميركية، فإن الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، بات ينتهج هذه السياسة وهي الجنوح ناحية الشرق، وعدم الاعتماد أو التقرب إلى الغرب، لأن الأمر ببساطة يكمن في زيادة الحس القومي لدى غالبية الشعب الروسي، منذ سنوات ليست بالقليلة والذي ظهر للعيان عقب التدخل الروسي في جزيرة القرم الأوكرانية.

وبحسب الصحيفة الأميركية فإن قمة الرئيس دونالد ترمب مع بوتين يوم 16 يوليو/تموز ستأخذه إلى هلسنكي، إحدى الممتلكات الكثيرة التي خسرتها روسيا. من فنلندا إلى منغوليا، حكمت الإمبراطورية الروسية ذات يوم ومن بعدها الاتحاد السوفيتي -لكن بحدود مختلفة إلى حد ما- أكثر من سدس سطح الكوكب. لقد وصف بوتين على نحوٍ مشهور فقدان هذه الإمبراطورية، الذي حدث تقريباً بين عشية وضحاها في ديسمبر/كانون الأول 1991، بأنَّه "أكبر كارثة جيوسياسية" في القرن العشرين -إذ تقطعت السُبل بعشرات الملايين من الناطقين بالروسية خارج الحدود المنكمشة لروسيا.

الحنين للماضي

ولا يزال الألم الوهمي لخسارة تلك العظمة المتلاشية يُلازم الشعور الجمعي لروسيا. وفي هذه الأيام، يعيد أثر هذا الظلم التاريخي المُتصوّر تعريف إدراك روسيا للمكان الذي تنتمي إليه حضارتها بالفعل، ويدفع نحو إعادة النظر في رؤية البلاد لماضيها.

قبل أقل من عقدٍ من الزمان، بدا واضحاً أنَّ روسيا، رغم كل اختلافاتها الثقافية والسياسية، كانت تستعيد مكانها الصحيح باعتبارها جزءاً من العالم الغربي. في مقال نشرته صحيفة ألمانية، كتب بوتين عن "أوروبا من لشبونة إلى فلاديفوستوك" التي تطمح إلى تحرير التجارة ولديها قيم مشتركة.

والآن تتطلع روسيا بصورةٍ متزايدةٍ إلى الشرق، نحو تحالف مضطرب مع الصين غير الليبرالية والتي ازدادت قوتها للغاية، ومع دول مثل تركيا وإيران- اعترافاً بالمكون الإسلامي المتزايد فيهما. لكن رغم ذلك، فالأمر الأكثر وضوحاً هو الشعور بأنَّ روسيا، وهي فريدة من نوعها في اتساعها، يجب أن تظل عالماً بحد ذاتها، ودولةً يجب ألا تتوقع القرابة من أحد- وهذا يعتمد على عنصرين فقط موثوق بهما، في شعار صاغه القيصر ألكسندر الثالث منذ أكثر من قرن: الجيش والبحرية.

روسيا ليست الدولة الوحيدة اليوم التي تسود فيها النزعة القومية التي تغذيها الرغبة في استعادة أمجاد الماضي، سواء كانت حقيقية أو مُتخيلة. فبدءاً من بريطانيا التي ترغب في الخروج من الاتحاد الأوروبي مروراً بسياسة ترمب "أميركا أولاً"، ووصولاً إلى الصين التي يحكمها شي جين بينغ الأكثر سطوة، يُكافح من أجل البقاء النظام الدولي القائم ومؤسساته -المعتمدان على التعاون والتسويات واللذان بُنيا إلى حد كبير على يد الولايات المتحدة وحلفائها. وأصبح مفهوم الغرب ذاته موضع تساؤل الآن، بحسب الصحيفة الأميركية.

وقد أدى هذا الانهيار إلى تغير جذري في الطريقة التي ترى بها موسكو مكانها في العالم. يقول فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية بروسيا، وهو هيئة تقدم المشورة للكرملين: "اتبعت روسيا نهجاً مرتكزاً على الغرب لمدة مئتي عام، مع اعتبار الغرب نقطة مرجعية لها، سواء بطريقة إيجابية أو بطريقة سلبية، اليوم هذا لم يعد يتوافق مع واقع العالم لأنَّ الغرب توقف عن أن يكون مركز العالم".

الشعور بإحساس الدولة المحاصرة من الغرب

وبحسب الصحيفة الأميركية، يحدث هذا التغيير حتى في الوقت الذي تبدو فيه مدن وأسلوب الحياة في روسيا شبيهة بصورة متزايدة بتلك الموجودة في الغرب، وهو ما تشهد عليه احتفالات كأس العالم لكرة القدم هذا الصيف. في موسكو، يتمتع الزوار الآن باستئجار ومشاركة الدراجات، ومقاهي النباتيين، والشباب الملتحون الذين يتبعون أحدث الصيحات ويقدمون البيرة الحرفية.

ومع ذلك، فإنَّ الشعور بمصير منفصل- والمُحاصَرَة من قبل الأعداء- قد استحوذ على المجتمع الروسي. وقد تبين أنَّ غزو بوتين لأوكرانيا عام 2014، والعقوبات الاقتصادية الغربية التي تلت ذلك، ودفعت روسيا إلى الركود والمرور بأزمة مالية، كانت نقطة تحول ذات أبعاد تاريخية.

الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي
الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي

قال ديميتري ترينين، مدير مركز كارنيغي في موسكو: "حتى عام 2014، اعتادت روسيا أن ترى نفسها كمحطة حافلات للعالم الغربي في أقصى الشرق. منذ ذلك الحين، كان هناك تحول جوهري وتحولت روسيا إلى الداخل. توصلت النخبة الروسية وزعيمها بوتين إلى استنتاج مفاده أنَّ محاولة الانضمام إلى الغرب لن تؤدي إلى نتائج مرغوبة".

وأضاف ترينين أنَّ ما يحدث في روسيا اليوم ليس مجرد تحركٍ في الاتجاه المعاكس للموروث الليبرالي للزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف وأول رئيس لروسيا الاتحادية، بوريس يلتسين. إنَّه أيضاً محاولة للتخلص من أسلوب التغريب الذي سيطر على الدولة الروسية والعودة على طول الطريق إلى عهد القيصر بطرس الأكبر، قبل ثلاثة قرون. بالنسبة لبعض الروس، يذهب هذا الاتجاه إلى أبعد من ذلك في ظل تقدير جديد للقبيلة الذهبية، وريثة الإمبراطورية المغولية التي أسسها جنكيز خان وحكمت مسكوفي من أوائل القرن الثالث عشر حتى أواخر القرن الخامس عشر.

القبيلة الذهبية تصعد من جديد في روسيا!

يشير بعض القوميين الروس الآن إلى هذه الدولة المغولية-التركية، التي حكمها أحفاد ابن جنكيز خان الأكبر، كأساس لإمبراطورية روسيا الخالدة. وبعد محوها لفترة طويلة من الذاكرة، تصعد القبيلة الذهبية في روسيا من جديد، وأصبحت موضوعاً للأفلام والمسلسلات التلفزيونية الشهيرة. يوجد حتى متنزه ترفيهي في موقع ساراي باتو، العاصمة المتهدمة من القرن الخامس عشر للقبيلة الذهبية، وهي موقع سابق لتصوير الأفلام به قصور اصطناعية ومساجد. يركب فيها الزوار الجِمال، ويمارسون الرماية ويأخذون صوراً بملابس المغول.

كان المؤرخون الرسميون في روسيا والكنيسة الأرثوذكسية ينظرون منذ فترة طويلة إلى حكم القبيلة الذهبية أو الإمبراطورية المغولية لموسكو على أنَّه "استعباد" بربري مسؤول عن تخلف روسيا مقارنة بالغرب. وقد حظر الكرملين دراسة تاريخها في عام 1944. لكن المراجعين التصحيحيين الحداثيين، الذين ألهمتهم الأيديولوجية "الأوروآسيوية" التي تضع روسيا بعيداً عن الغرب، يرون أنَّ الدولة الروسية هي الوريث والمستفيد من تلك الإمبراطورية المغولية. إنَّهم يعجبون بمركزيتها الشديدة، ورغبتها في الغزو، وقدرتها على الحفاظ على القانون والنظام -وتسامحها الديني الذي سمح للمسيحية والإسلام بالتعايش معاً.

إعادة بناء متنزه ترفيهي صغير في ساراي باتو بالقرب من العاصمة الأصلية للقبيلة
إعادة بناء متنزه ترفيهي صغير في ساراي باتو بالقرب من العاصمة الأصلية للقبيلة

في واقع الأمر، اعتمدت الدولة الروسية في القرون الوسطى الكثير من النظام الإداري للقبيلة الذهبية. فالكلمات الروسية للمال، والخزانة والجمارك كلها من أصل مغولي-تركي، وأصبح نظام المغول لشبكات التبادل البريدي العمود الفقري للإمبراطورية الروسية. لكن بعد هزيمة خلفاء القبيلة، ألغت روسيا معظم آثار وجودها. وأصبحت ساراي باتو، التي كانت في يوم من الأيام مدينةً أكبر من باريس أو لندن، اليوم مجرد حقل عملاق تنتشر فيه قطع من فخار العصور الوسطى، وفكِّكت مساجدها وقصورها لتوفير الطوب للتحصينات ولكنائس قلعة أستراخان على نهر الفولغا التي تعود للقرن السادس عشر.

ويمثل الصوت البارز لهذه الحركة الأوروآسيوية في روسيا اليوم الفيلسوف ألكساندر دوغين، الذي يجمع بين الإعجاب بإمبراطورية المغول والصلات الوثيقة بحركات اليمين البديل والفاشية الجديدة الأوروبية والأميركية. كتب دوغين: "نحن الروس، نعيش في ظل جنكيز خان. لقد مكننا ليس فقط من إخضاع الشرق بل التحرر من نير الغرب. كان الروس قبل جنكيز خان مجرد محيط لبيزنطة وأوروبا. الروس بعد جنكيز خان هم جوهر الإمبراطورية العالمية، وروما الأخيرة، والمركز المطلق للمعركة الجيوسياسية لمصير العالم".

يقول أندريه كورتونوف، مدير مجلس الشؤون الدولية الروسي، وهو مركز أبحاث حكومي: "إنَّ دوغين، على الرغم من ظهوره الإعلامي المتكرر وسمعته في التعبير عن ما لا يرغب المسؤولون الروس في قوله علناً، فهو لا يمارس سوى قدر ضئيل من التأثير الفعلي في أروقة السلطة في موسكو". ومع ذلك، أضاف أنَّ هذا الانبهار الجديد بإمبراطورية المغول يخدم غرضاً سياسياً واضحاً، موضحاً أنَّ "هناك رغبةً في إظهار تاريخ روسيا على أنَّه لم يكن مسيحياً بحتاً بل مسيحياً إسلامياً لأنَّ لدينا الآن حوالي 20 مليون مسلم في روسيا. وهناك رغبة في إظهار أنَّ التوجه الغربي ليس المسار الوحيد الممكن وأنَّ هناك بدائل له".

مستشارو بوتين ينصحونه بالعودة إلى الماضي

وقد عبَّر فلاديسلاف سوركوف، مساعد مقرب من الرئيس بوتين كان يقدم له المشورة بشأن الأزمة الأوكرانية، مؤخراً عن الرغبة في التخلي عن التوجه الغربي لروسيا. وكتب سوركوف في مقال أكاديمي نُوقش كثيراً في أبريل/نيسان: "قضت روسيا أربعة قرون متجهةً نحو الشرق، ثم أربعة قرون أخرى نحو الغرب، دون أن تُثبت قدميها في أي منهما. من الآن فصاعداً، ستواجه روسيا -مختلطة السلالات- مئة (مئتين أوثلاثمئة) سنة من العزلة الجيوسياسية"، بحسب الصحيفة الأميركية.

تنبع خيبة الأمل العميقة أيضاً من فشل السياسات التي هدفت إلى تقريب روسيا من الغرب في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي -وهو فشل يَعترف العديد من المسؤولين الغربيين الآن بأنَّه لم يكن فشلاً لموسكو فقط. يقول وزير الخارجية السابق في ليتوانيا فيغاوداس أوساكاس، الذي عمل حتى العام الماضي سفيراً للاتحاد الأوروبي لدى موسكو ويرأس الآن "معهد أوروبا" وهو مؤسسة بحثية: "لم يكن الغرب بارعاً أو مبدعاً بدرجةٍ كافيةٍ في طريقة احتضان روسيا عندما كانت لدى روسيا النية في أن تصبح بلداً عادياً. ونتيجة لذلك، فإنَّنا نجد روسيا تلك التي تبحث عن هويتها بين أوروبا وآسيا -وفي الوقت نفسه، أصبحت قوة حازمة ومشاكسة مع القدرة على التحمل وامتلاك الموارد اللازمة لتشويه سمعة الأنظمة الديمقراطية الغربية وتقويضها".

في حين أنَّ القوى التي تسحب روسيا بعيداً عن الغرب ظلت لفترة طويلة كامنة تحت السطح، إلا أنَّها طفت على السطح مع قرار بوتين عام 2014 بغزو أوكرانيا (التي يعتقد العديد من السياسيين والمسؤولين الروس أنَّها لم يكن ينبغي أن تكون بلداً منفصلاً في المقام الأول)، وضَم شبه جزيرة القرم. وكتب سوركوف أنَّ الأزمة الأوكرانية عام 2014 ورد الفعل الغربي عليها "تعد بمثابة النهاية لرحلة روسيا الملحمية نحو الغرب، ووقف للمحاولات المتعددة وغير المثمرة لأن تصبح جزءاً من الحضارة الغربية".

أدت العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة منذ عام 2014 إلى إعاقة التجارة والاستثمار ووصول العديد من الشركات الروسية الكبرى إلى رأس المال، فضلاً عن عدم قدرة المسؤولين الروس البارزين ورجال الأعمال ذوي النفوذ السياسي على قضاء عطلاتهم في أوروبا. وعلى الرغم من انتخاب ترمب ورغبته المعلنة في توطيد علاقات أكثر دفئاً مع الرئيس بوتين، اشتد هذا الألم. وشددت إدارة ترمب العقوبات القائمة ضد الشركات والأفراد الروس مدفوعة جزئياً بضغط من الكونغرس. وعلى عكس الرئيس باراك أوباما، الذي كان يخشى معاداة موسكو بمثل هذه الخطوة، سلَّم ترمب أسلحة فتاكة إلى الجيش الأوكراني.

العداء للغرب أصبح نمطاً عادياً في روسيا

أثناء احتفال روس في الساحة الحمراء بموسكو في مارس 2014 للاحتفال بتحرك روسيا لضم شبه جزيرة القرم
أثناء احتفال روس في الساحة الحمراء بموسكو في مارس 2014 للاحتفال بتحرك روسيا لضم شبه جزيرة القرم

وفي روسيا نفسها، تعزز في عمق الدولة العداء للغرب، وأصبح مذيعو التلفزيون، بينما كانوا في كثير من الأحيان متعاطفين مع ترمب ويطلقون عليه "خاصتنا"، يناقشون بشكل واقعي التأثير المتوقع للضربات النووية الروسية ضد مدن أميركية. وغالباً ما تساوي الدعاية الرسمية لدولة روسيا في مضمونها بين الدول الغربية وألمانيا في عهد هتلر وتتعهد بإلحاق الهزيمة بهم تماماً كما هزم الاتحاد السوفيتي ألمانيا في عام 1945.

ليس من الواضح إلى أي مدى يؤمن الكرملين بدعايته الخاصة. وفي حين أنَّ الاستياء من مكانة روسيا المتضائلة هو الدافع الرئيسي لسلوك بوتين، فإنَّ عملية صنع القرار في روسيا حتى الآن كانت مدفوعة إلى حدٍ كبيرٍ بالانتهازية أكثر من كونها تنم عن تحولٍ حضاري كبير. ويقول كورتونوف من مجلس الشؤون الدولية الروسي: "لا أعتقد أنَّ بوتين يُفكر من منطلق الأساطير التاريخية. ولا أعتقد أنَّه يحتاج إلى أسس أيديولوجية لسياساته".

ومع ذلك، فإنَّ التوسع الروسي لا يتعلق فقط بالرئيس بوتين وطموحاته الشخصية. تقول ألينا بولياكوفا، خبيرة الشؤون الروسية في معهد بروكينغز، إنَّ بناء الإمبراطورية هو جزء من الحمض النووي للتاريخ الروسي والسوفييتي، مشيرة إلى أنَّ الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين، مثله تماماً مثل روسيا في عهد بوتين، تحرك لإعادة احتلال الأجزاء المفقودة من الإمبراطورية الروسية بمجرد أن أصبح قوياً بما فيه الكفاية، وضم دول البلطيق وغزا فنلندا. وأضافت: "السياسة الخارجية لبوتين ليست في الواقع منفصلة عن المنظور التاريخي. هناك اختلاف بين روسيا والإمبراطوريات الأخرى، مثل البريطانية أو الفرنسية. قد تكون هذه الإمبراطوريات قد تخلت عن المزيد من الأراضي، ولكن في روسيا، لم تلتئم جراح الشعور بالخسارة، والإحساس بكونها ضحية للعالم".

بوتين نفسه يريد العودة للماضي، ولكن.. سبقه آخرون

سلط بوتين الضوء على هذا التصور للضحية في خطابه الذي ألقاه أمام البرلمان الروسي في مارس/آذار، إذ تأسف مجدداً على فقدان الاتحاد السوفيتي لـ 23.8٪ من أراضيه، و48.5٪ من سكانه و41٪ من ناتجه المحلي الإجمالي وقت انهياره. على الرغم من أنَّ روسيا داخل حدودها الحالية لا تزال أكبر دولة على وجه الأرض، فهي لا تحتل مرتبة بين أكبر عشر اقتصادات في العالم. يبلغ إجمالي ناتجها المحلي تقريباً حجم ناتج كوريا الجنوبية أو مقاطعة غواندونغ الصينية. تنظر الطبقة السياسية في روسيا بطبيعة الحال بعين الحنين إلى زمن شبابها، عندما كانت موسكو العاصمة المهيبة والمحترمة لإحدى القوتين العظميين في العالم.

واليوم، لا توجد لدى روسيا أي أيديولوجية أو نموذج اقتصادي بديل تُصدره، وزعمها بأهميتها العالمية تدعمه على وجه الحصر تقريباً قوتها العسكرية واستعدادها لاستخدامها، كما هو الحال في سوريا وجورجيا وأوكرانيا.

يقول المؤرخ الروسي أليكسي مالاشينكو، مدير الأبحاث بمركز حوار الحضارات غير الحكومي: "موقف السلطات وبوتين نفسه واضح: كل شيء كان رائعاً في الماضي، وقت الإمبراطورية الروسية وحتى وقت الاتحاد السوفيتي، ونحن نريد العودة إلى تلك العظمة. ولكن أي عظمة؟ لا يوجد هناك مثل هذا الشيء كفكرة وطنية روسية بعد الآن، هناك مجرد اعتقاد بأنَّ الناس يجب أن يهابونا. إنَّها أيديولوجية همجية. لا يمكننا أن نتخيل مستقبلنا ولذا فإننا نواصل تشويه ماضينا"، بحسب الصحيفة الأميركية.

وأضاف أنَّه في روسيا إعادة كتابة الماضي ليتناسب مع الاحتياجات الأيديولوجية الحالية هو تقليد عريق. "كل شيء انتهازي. عندما كنت طالباً، كنت أدرس نير التتار المغولي، ثم أصبح نيراً مغولياً، ثم أصبح مجرد نير القبيلة الذهبية، والآن اتضح أنَّه لم يكن هناك أي نير على الإطلاق، وكان كل ذلك مجرد تفاعل بين الشرق وروسيا".

تحميل المزيد